هل عرفت يا قارئ السطور ما هو الجدار الذي بُني على شفا جرف هار؟ إنه جدار الخيانة في الحياة الزوجية.
فالخيانة من الأشياء التي تفسد الثقة بين الزوجين، وهي أيضًا من مهلكات السعادة الزوجية.
تقول إحدى الزوجات:

(تنبهت لزوجي وقد تغير، بحثت وعرفت أن السبب هو السكرتيرة، فهي صغيرة وتراه رجلًا له وضع اجتماعي، تريد أن تبدأ السلَّم من حيث انتهيت أنا بعد كفاح، زدت من اهتمامي به، أقنعته بأن يأتي بأخرى متزوجة ومتدينة، وذلك في هدوء وصبر بتلميحات فقط، لكن الثقة اهتزت ولا شك.
ويقول زوج:
بعد 8 سنوات من الزواج اكتشفت أن زوجتي تتلصص على أوراقي ومستنداتي، وفي أحد النزاعات طالبتني بأن أسجل أرضًا اشتريتها باسمها حتى لا يكون لأهلي من بعدي فيها نصيب، لأن ذريتي كلها بنات، فأدركت أنها تقرأ أوراقي ومستنداتي، وصرت أحتفظ بها في المكتب، المشكلة أنني فقدت الشعور بالثقة والسكن الذي كان من قبل وما زال بداخلي صدمة، لكنني كتمت الأمر ولم أخبر الآخرين).
ويقول آخر:
(فوجئت أن زوجتي تفشي أسرار خلافاتنا للغير، ففي حين أكتم أنا تذيع هي بين الصديقات الأخبار، فلم أعد أشعر بالاستقرار معها، وضاعت الثقة لكن أطفالي لا يستغنون عن أمهم، والزواج الثاني ليس سهلًا).
الأمانة = إيمان:
والأمانة هي يقظة الضمير بين العبد وربه، فهو يراقب الله تعالى في كل أفعاله وبها يحفظ نفسه من الوقوع في المعاصي، وفي نفس الوقت يؤدي حقوق الآخرين، وبالأمانة (تتحقق الثقة بين الزوجين والثقة تعني الاستقرار النفسي والروحي، فإذا كانت الأمانة صفة الزوجين بلغت السعادة ذروتها, وصلحت الذرية.
وكفى بالأمانة فخرًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعلها الإيمان كله بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له) [أسرار السعادة الزوجية وأسباب النجاح والفشل، محمد محمود عبد الله، ص(16)].
والأمانة أحد مقومات السعادة الزوجية، أما الخيانة فهي من مهلكات السعادة الزوجية، إذ يترتب عليها نزع البركة, وانعدام الخير في الذرية، وهدم البيت وتشتيت الأبناء.
والخيانة قد تكون في الشرف، وقد تكون في إفشاء الأسرار وقد تكون في التلصص والتجسس على الطرف الآخر وغيرها من أشكال الغدر وعدم الأمانة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا, ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) [متفق عليه].
أين الأمن والأمان؟
(الأمن من الحاجات النفسية الضرورية، لكي يسعد الإنسان في حياته، ولو تخيلنا أن إنسانًا يملك العقار والدينار والطعام، وبين هذه الملذات أسد جائع فاغرًا فاه ينتظر قدومه، فهل يهنأ هذا الإنسان بهذه النعم أم يكون تفكيره في الأسد وكيفية النجاة منه؟
لا شك أن الأمن إن فُقد فإن الإنسان لا يهنأ بعيش أبدًا، هذا ما يحدث لأحد الطرفين في الحياة الزوجية، إذا لم يتوفر له الأمن النفسي من الطرف الآخر حتى لو أغدق عليه المال والعقار، فإنه يبقى محتاجًا إلى الاهتمام به ليشعر أنه آمن، يبقى محتاجًا إلى اللمسة الحانية، وإلى النظرة الرحيمة، وإلى مشاركته في الأحزان والأفراح، ويبقى محتاجًا إلى الجلوس معه والحديث إليه عن الأحلام والأماني المشتركة، حينها يشعر أن الطرف الآخر مهتم به ويقدره ويحترمه.
ولهذا لابد أن يُسمع الزوج زوجته بعض الكلامات التي تشعرها بالأمان في حياتها معه، وكذلك الزوجة تسمع زوجها بعض الكلمات التي يشعر الزوج بعد سماعها، بأنها تحافظ عليه وعلى أبنائه وأمواله وبيته فيطمئن ويستقر...) [الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم محمد المطوع، ص(5) بتصرف].
هيا نهدم المعبد على رءوسنا:
إن الشعور بالأمان إذا لم يتوافر لدى كلا الزوجين فإن الولاء للمؤسسة الزوجية ينتهي حتمًا، وذلك لعدم شعورأحدهما بالأمان تجاه الآخر والاطمئنان لتصرفاته.
وقد اشتكت لي إحدى الزوجات أن زوجها يتصرف بشكل غريب، فهو دائم الخروج بغير سبب، وأحيانًا البيات خارج المنزل، وإذا سألته زوجته عن أسباب كثرة خروجه وبياته خارج البيت يثور ويغضب ويقول: هذه حياتي وأنا حر فيها, وليس لك دخل بي وبما أفعل، وأصبحت العلاقة بينهما تتطور من سيء إلى أسوأ, والآن لا يربطهم شيء إلا أن لديهم أبناء.
وهي تفكر بشكل جديِّ في الطلاق أو تترك بيتها وأولادها وتذهب إلى بيت أهلها حتى يعود زوجها إلى رشده.
في قصة هذه الزوجة من الواضح أن حياتها تفتقد إلى الأمان المادي والمعنوي, الأمان المادي يتمثل في عدم وجوده في البيت وعدم إنفاقه على أولاده, والأمان المعنوي يتمثل في عدم وجود التفاهم بين الزوجين ووجود مشاعر الحب والود.
ومن علامات الأمان أن يبث كل من الزوجين همومه للآخر ويتحدث كل منها عن طموحه وأحلامه، ويردد بين حين وآخر أنه بحاجة للطرف الآخر, وأنه يشكر الله تعالى أن جمع بينهما في علاقتهما الزوجية, وهذا من الإشعار بالأمان في القول، فدفاع كل واحد منهما عن الآخر عن ماله واسمه وسمعته وعمله، بل وحتى عن عيوبه وأخطائه، هذا مما يزيد شعورهما بالارتياح وتحقيق الأمن.
ولعل حاجة المرأة للشعور بالأمان أكثر منها بالنسبة للرجل ولهذا نقول للزوج كن صريحًا معها، وأخبرها عن حبك وعن حاجتك لها.
واعلم أن المرأة عندما تفتقد الشعور بالأمن فإن (خيارها الوحيد أن تتفادى مشاعر الحب....وأن تقوم بتخدير تلك المشاعر عن طريق السلوكيات الإدمانية مثل الإفراط في الأكل, والإفراط في العمل, أو ربما الإفراط في الرعاية.
ولكن حتى مع هذه السلوكيات الإدمانية، فإنها تسقط في بئر من مشاعر الإحباط التي لا يمكن التحكم فيها بسهولة) [الرجال من المريخ النساء من الزهرة، جون جراي، ص(169)، بتصرف].
الشك = فقدان الثقة:
في الحياة الزوجية لابد أن تكون الثقة متوافرة بين الطرفين حتى يستطيعا العيش بسعادة، لأن من بديهيات الحياة الزوجية السعيدة أنه (لا تقوم حياة على الشك ولا تستمر حياة مع الشك... والثقة لابد أن تكون متبادلة ومطلقة، لا تشوبها شائبة...وكل ذرة شك ينهار أمامها ذرة حب، يختل التماسك ويبدأ الهرم في الانهيار، كثيرون لا يدركون هذه الحقيقة الخطيرة، إن أعظم هرم يمكن أن ينهار تدريجيًا، تسقط ذرة يتبعها ذرة أخرى وهكذا...حتى يأتي صباح فلا تجد له أثرًا.. هكذا يضيع الحيب وينهار الزواج.
وقد تتصور الزوجة ـ مخطئة ـ أنها بتحريك شكوك زوجها ستحرك عواطفه وتجعله أكثر تشبثًا بها، ولعله يعرف قيمتها.
وكذلك قد يلعب الرجل هذه اللعبة السخيفة...فتبدي الزوجة غيرتها، وتبدي اهتمامًا بزوجها...وهكذا ينام الزوجان على فراش من شوك...ويعيشان على أرض من نار...ويتنفسان هواء مسمومًا..) [متاعب الزواج، د.عادل صادق، ص(273-275)، بتصرف].
إن الثقة في شريك الحياة لها أشكال كثيرة, مثل الثقة في قدراته، ومواقفه وقراراته, وتصرفاته وكلماته.
فإذا غاب الطرف الآخر عن المنزل كان على ثقة أن شريكه يعرف كيف يتصرف في الأمور.
تأمل هذه الشكوى:
(عرضت إحدى النساء شكواها على عالم نفس فقالت: إن زوجي يتحدث كثيرًا إلى والدته، ولا يتحدث إلي مثلها، وإذا أردت معرفة سير يوم عمله، أصغي إلى حديثه مع والدته، وهنا أخبرها العالم النفسي: ربما يثق زوجك في والدته أكثر مما يثق فيك) [أنت لا تفهمني، ديبورا تانيه، ص(166)].
فالصالحات قانتات حافظات للغيب:
من حقوق الزوج المحافظة على شرفه.
وأقصد بالشرف هنا ما يتصل بالعفة، فإن حفاظ الزوجة عليه تكريم لزوجها وحفظ لشرفه، وهذا إن كان واجبًا عليها حتى لو لم تكن زوجة فهو بعد الزواج أوجب وآكد، لأنها قبل الزواج ترعى حق الله في عفتها، وبعده ترعى حق الله وحق الزوج فلتكن الزوجة مقدرة لهذه المسئولية.
والمحافظة على الشرف تكون بأمرين: أحدهما: البعد عن الفاحشة وهي الزنى، والثاني: البعد عن مقدماتها وما يجر إليها، وما يثير الشكوك حولها، كالتبرج والاختلاط المحرم وغير ذلك.
(والإسلام دين الفطرة السليمة، فقد أمر بحفظ الأعراض، ووضع التشريعات لتوفير الاحترام لها، وحرَّم الزنى فجعله من أكبر الكبائر، وقرر له عقوبات رادعة في الدنيا {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32].
والوصية بالأعراض تظهر في:
1.      جعل حفظ الفروج من صفات المؤمنين:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 1-5].
ووعد بالمغفرة والأجر العظيم للحافظين فروجهم والحافظات {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
وجعله من صفات المرأة الصالحة {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت) [صححه الألباني].
وبالنسبة أيضًا للرجل ففي الحديث أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله) [البخاري ومسلم].
2.      أوجب الشرع الدفاع عن العرض، وجعل الموت في سبيل الله شهادة، ففي الحديث: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) [صححه الألباني].
3.      وضع الإسلام تدابير وقائية على الرجل والمرأة، منها بالنسبة للمرأة غض البصر وستر العورة، والاستقرار في البيت، وعدم الخضوع بالقول، وعدم تمكين الأجنبي من دخول بيت زوجها، وعدم سفرها وحدها، والبعد عن كل ما يلفت النظر إليها إن خرجت، وتجنب الجلوس في  الزحام والاختلاط، والالتزام بالحجاب الشرعي.
كما أن الإسلامي نهى المرأة عن وصف محاسن امرأة أخرى إلى زوجها أو على رجل آخر، وصفًا يكون فيه إغراء أو فتنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تباشر المرأة المرأة فتصفها لزوجها كأنه ينظر إليها) [البخاري ومسلم].
وجعل من واجبات الرجل غض البصر، وعدم لمس المرأة الأجنبية أو التعرض لها، وعدم الخلوة بها، كما نهى عن الحلف على هجر امرأته أكثر من أربعة أشهر, رغب في مباشرتها إن رأى امرأة أجنبية ومال إليها) [حقوق الزوجية، موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، الشيخ عطية صقة، (3/ 258-270)، باختصار].
حتى بعد الموت:
حفظ عفاف المرأة يكون في حياة زوجها ويمتد أيضًا بعد وفاة الزوج، وهذا يظهر في حداد المرأة بملازمة المسكن وعدم الخروج منه، والامتناع عن الزينة، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا) [البخاري].
أخي الزوج/ أختي الزوجة:
الحياة الزوجية السعيدة هي التي تقوم على الثقة بين الطرفين، والخيانة من مفسدات الثقة بين الزوجين وحينما تُفقد الثقة بين الزوجين (يضعف الولاء والارتباط بالأسرة ليحل الشك محل الثقة...فليحاول كل منكما المحافظة على نقاء الحب وطهارة العلاقة ووفاء العهد...لا تستعملوا سلاح الغيرة، لا تفجروا قنبلة الشك، لأنها إذا انفجرت أطاحت بكل شيء) [حتى يبقى الحب، د/ محمد محمد بدري، ص(683)].
ماذا بعد الكلام؟
ـ من علامات النفاق (إذا اؤتمن خان) فلا تخن/ تخوني الحياة الزوجية.
ـ حافظ/ حافظي على جدار الثقة في المال والكلام والقرارات والأفعال.
ـ لا تثير/ تثيري الشكوك للطرف الآخر.

 

 

أم عبد الرحمن محمد يوسف

JoomShaper