غزة-فاطمة الزهراء العويني
دق باب بيتنا يطلب الارتباط بي .. وبعد رؤية شرعية حصل فيها التآلف لشاب ارتضيت دينه وأخلاقه .. جاء الوقت لعقد القران .. ولكني كنت أريد كتابة شروط في العقد تضمن حقوقي بما لا يتنافى مع حدود الله وبما يتفق مع الشرع والأخلاق .. كانت خشيتي من أن لا يكون الاتفاق الشفهي بيننا ضامنا لحقوقي ..
لم أكن أتوقع أن يرفض هذا الخاطب شروطي ..بل رفض المبدأ من أساسه .. واعدا إياي بأن ينفذ لي ما أريد لكن دون كتابة شروط في عقد الزواج ، معللا بأن ذلك يجرح كرامته .. عندما يعلم الناس بأني أمليت عليه شروطا في عقد الزواج .. وأمام إصراري –تقول مها - على موقفي ورفضه .. لم يتم الزواج .. وخرجت من تجربتي أكثر إصرارا على ألا أتزوج بمن يمنعني من شيء أحله لي الشرع .. لضمان حقوقي كزوجة .. متسائلة لماذا يرفض حتى الشباب المتدين أن تشترط المرأة عليهم ما تراه ضمانا لحقوقها المستقبلية ؟ وهل تقف الكرامة حائلا أمام تنفيذ ما يبيحه الشرع ؟ هذه الأسئلة وغيرها تجيب عنها "فلسطين" في التقرير التالي:
ليتني كنت أعلم !
" عند زواجى لم أكن أعلم شيئا عن إمكانية أن تشترط على زوجها ما تريد" بهذه العبارة بدأت المواطنة رانيا أحمد "19 عاما" وتقول بندم :"لو كنت أعلم ذلك لاشترطت الكثير .. فكل ما اتفقنا عليه شفاهية ضاع هباء منثورا ".
وتضيف :"بعد تجربتي اقتنعت أن الكثير من الرجال عندما يقدمون على الخطبة يغرقوننا بالكلام المعسول ثم لا ترى المرأة منه شيئا بل ترى العكس تماما ، فأنا اليوم أمامكم، لم يسمح لي بأن أكمل تعليمي الجامعي، ولا حتى اشترى لي بيتا مستقلا بل فرض علي العيش مع أهله الذين ينغصون على حياتي".
ولم تختلف نداء عليوة كثيرا في رأيها ، إذ تبين أن زوجها عندما جاء لخطبتها ، أبدى موافقته على أن تساعد أهلها من راتبها ، رافضا أن يكتب ذلك الشرط في العقد ، متعهدا لأمها بأنها إذا احتاجت شيئا فإنه مستعد لإعطائها راتبه قبل راتب ابنتها ، لكن دون أن يكتب ذلك كتابيا .
وتلفت نداء إلى أن زوجها بعد الزواج رفض أن تعطي أهلها شيئا ، بل أخذ راتبها ولم يعطها سوى أجرة المواصلات مما خلق مشاكل بينها وبين أهلها !
منعته العادات ..
نادية مسلم بينت أنها أرادت أن تشترط على خطيبها بعض الشروط لكن والدها رفض ذلك جملة وتفصيلا لكونه أمرا غير شائع بين الناس ، مبديا اقتناعه بأن وضع الشروط يعني تخوينا للعريس ، وعدم ثقة فيه من البداية، الأمر الذي يهدم أي أساس لبناء حياة زوجية سليمة ، لافتة إلى أنها اضطرت للتنازل عن شروطها إذ لم تمتلك الجرأة لطلبها في ظل رفض والدها لهذا المبدأ .
بينما أيدت داليا شراب وضع الشروط على عقد الزواج ، معتبرة إياها وسيلة لحفظ حقوق المرأة ، التي يتنصل منها كثير من الرجال ، مشيرة إلى أنه بهذه الطريقة يمكن منع كثير من المشاكل التي تحدث بسبب عدم وضوح الأمور منذ البداية.
وأشارت إلى أن وضع الشروط تجعل المرأة تشعر بالأمان نسبيا ، في ظل ما يسود المجتمع من غياب الذمة والضمير ، مستنكرة رفض الرجال لهذه الشروط التي تكون غالبا بسيطة ، كأن يكون لها بيت مستقل أو أن تحتفظ براتبها لنفسها أو تساعد أهلها بجزء منه ، قائلة: "ان رفضهم يعود لحساسية لا داعي لها ".
لم تحدث مشكلات
كثير من الفتيات قد يحجمن عن كتابة شروط في عقد الزواج رغم رغبتهن في ذلك بدافع الخجل والخوف من كلام الناس ، أو لخشيتهن أن يتسبب ذلك بحساسية بينهن وبين أزواجهن في المستقبل ، واقتناعا منهن بأن حتى الكتابة لن تجعل الأزواج يوفون بوعودهم .
لكن أم أحمد المتزوجة منذ عشرين عاما ، وتعمل مدرسة في مدرسة تابعة لوكالة تشغيل وغوث اللاجئين "الأونروا " ، اشترط والدها على زوجها بأن تعطيه ابنته مئة دولار من راتبها في كل شهر ، مؤكدة أن ذلك الشرط لم يخلق مشاكل بينها وبين زوجها البتة.
والزوج يشترط
وللرجال موقف من هذه الشروط، المواطن أحمد علي "30 عاما " أبدى عدم موافقته على أن تشترط عليه زوجة المستقبل أي شرط كتابيا ، رغم اقتناعه بأن ذلك هو حقها الشرعي ، معتبرا أن ذلك –في حال حدوثه – أمر ينقص من رجولته .
وأشار إلى أنه يتقبل أن تطلب منه زوجة المستقبل ما تريده شفهيا ، لكنه سيعترض وبشدة في حال أرادت أن تكتب شيئا من شروطها في عقد الزواج .
لكن الحال مع أمجد سليمان بدا مختلفا ، فهو من وضع شروطا في عقد الزواج هذه المرة ، مبينا أنه بعد أن خطب شقيقة زوج أخته ، أصر على أن يشترط عليهم كتابيا ، عدم الربط بين الزيجتين ، وألا تؤثر أي مشكلة تحدث في أحد البيتين على الآخر ، خشية أن تحدث في بيته مشاكل كما يحدث عادة في زواج "البدل ".
أصبح هناك وعي ..
المحاضر بقسم الخدمة الاجتماعية بالجامعة الإسلامية وليد شبير بين أن الناس لم تعتد على كتابة شروط في عقد الزواج ، بل المعتاد أن يتم الاتفاق ثم كتابة العقد دون أي شروط .
وأشار إلى أنه في العصر الحديث ، أصبح بعض أولياء الأمور يضعون شروطا في العقد كالحصول على جزء من راتب ابنتهم ان كانت عاملة ، أو اشتراط إتمام تعليمها .
وعزا سبب لجوء البعض لكتابة الشروط لرغبتهم في حفظ حقوق ابنتهم ، معتبرا أن ذلك أمر ضروري بشرط موافقة الزوج عليها ، حتى لا تؤثر عليه ، وتتسبب بسوء فهم ينعكس سلبا على الحياة الزوجية ، أو أن تكون شروطا تعجيزية لا يمكنه الوفاء بها .

وأضاف شبير :" في الماضي كان مجرد إعطاء كلمة "وعد " في هذا الإطار ، ضماناً لوفاء الرجل بما تريده المرأة ، لكن بعد تطور المجتمع وحدوث عدد كبير من الخلافات الزوجية بسبب عدم الوفاء ، أصبح الكثيرون يلجؤون إلى تدوين شروطهم كتابيا ".

ودعا الفتيات إلى عدم الخجل وإخبار أولياء أمورهن بما يردن من شروط ، حتى يتم تدوينها في عقد الزواج ، خشية من أن لا يحدث في المستقبل ما لا تحمد عقباه .
الشروط أنواع ..
بدوره ، قسم أستاذ الفقه المقارن بالجامعة الإسلامية د.ماهر السوسي الشروط في عقد الزواج ، إلى شروط متوافقة مع الحكمة، وهي معروفة ضمنا ، كأن تشترط على زوجها أن ينفق عليها ، أو يسكنها في بيت مستقل .
وأشار الى وجود شروط تتناقض مع الحكمة من الزواج وحقوق الآخرين ، كأن تشترط مدة معينة للزواج ، أو أن تشترط أن تبقى في بيت أهلها ولا تنتقل إلى بيت الزوجية ، بينما هناك شروط لا تتعارض مع عقد الزواج ، ولا تفهم من العقد ضمنا ، كأن تشترط أن يسمح لها زوجها بالعمل ، أو يكون راتبها لها وحدها أو أن تعطيه لوالدها .
وأكد أنه ليس من حق المرأة أن تشترط على زوجها شروطا تتعارض مع حقوقه ، كعدم الزواج عليها بامرأة أخرى ، إلا إذا تنازل الزوج بإرادته عن هذه الحقوق ، أو كان في الأمر ضرورة ومصلحة شرعية .
عليه الوفاء ..
ونوه د. السوسى إلى أن الشروط حقا للزوج كما الزوجة ، الذي يجوز له أن يشترط عليها ما يريد من أمور تتعلق بحياتهم الزوجية .
ولفت إلى أن اشتراط الزوجة شروطا في عقد الزواج ، ليس عيبا ولا ممنوعا شرعا ولا أمرا يدعو للخجل ، بل هو ضروري في الوقت الذي نعيشه ، قائلا :" فمن تحجم عن تسجيل الشروط التي تراها مناسبة لحفظ حقها تكون قد ظلمت نفسها ، أما الرجال فعليهم ما داموا التزموا بالشروط أن يفوا بها شرعا ، وهم آثمون ان لم يفعلوا ذلك ".
المصدر: صحيفة فلسطين

JoomShaper