طلعت شناعة
"لا أدري ماذا يحدث لي. نكون مع الاسرة. نتاول الطعام او نشرب الشاي او نتحدث في امورنا الخاصة. وفجأة ، اشعر بالضيق. اقوم واغادر الجلسة ، ولا اعبأ برجاء والدي ووالدتي".. هكذا يعبر سالم عن حالته حين تصيبه "الحرنة" و(يحرد) دون ان يدرك خطورة ما فعله.
ويضيف: عادة ما يسبب لي ذلك حرجا شديدا ولا ادري كيف اتراجع عما فعلت. مع ايماني بأن ما افعله يثير علامات استفهام في الاسرة ، ويخلق حالة من القلق داخل افراد العائلة. لكن ماذا افعل وهذا أمر يتكرر معي دائما وفي اوقات مختلفة من النهار والليل. واحيانا عندما تجتمع الاسرة على الافطار او الغداء او العشاء.
والاسوأ يحدث حين يكون في بيتنا ضيوف. فتجد من بيننا من "يغضب" فجأة ويغادر المائدة دون سبب.
ويرى نهاد جاد ان حالة "الحرد" حين تصيب بعض افراد اسرته تجعله يحتار في طريقة التعامل مع ابنائه. فمن "يحرد" عند وضع الطعام على المائدة يضر نفسه اولا واحيانا يذهب الى مدرسته او جامعته بمعدة فارغة. وهو ما يثير قلق الام التي تحرص على ان يتناول الاولاد شيئا من الطعام قبل التوجه الى دوامهم. لأن ذلك ولو كان بكميات قليلة ، يسند بطونهم الخاوية. وبخاصة وهم يغيبون ساعات طويلة.

ويضيف جاد : مشاعر الأب والأم تختلف عن مشاعر الابناء. الاباء يحرصون على الاولاد والبنات. وهؤلاء لا يعرفون مدى حساسية وقلق الاهل عليهم.

ويقول: عندما كان ابنائي صغارا كنت انصحهم واحيان ارغمهم على عدم (الحرد) وممارسة النزق الذي يسلب الاسرة لحظات هنائها وهي بأمس الحاجة اليها. ولكن

بعد ان كبروا يصعب فعل ذلك. احيانا اقدم لهم النصيحة للبعد عما يثير التعب الآني والمؤقت والفجائي للاسرة. لقد اصبحوا كبارا وليس من اللائق ان اعيد عليهم دروس فوائد تناول الافطار او الغداء او العشاء التي يُفترض انهم تعلموها في الصف الاول ابتدائي.

نزق غير عادي
السيدة منال يوسف (ام) تقول: اعاني من (حرد) بناتي احيانا عندما ارغب باصطحابهن الى رحلة او الى حضور فيلم في صالة للسينما. ما يحدث ان احدى البنات تبحث عن ملابسها فلا تجد (شالا) او لا تجد (اكسسوارات) تناسب ما اختارته للمشوار فتجدها تدخل في حالة (حرد) غريبة. وتصطدم باختها التي تنافسها في الوقوف امام المرآة. وهنا تحدث مشكلة لا رجاء في حلها. وهنا انشغل في تهدئة الامور بقدر ما استطيع. وتزيد معاناتي حين تكون مهمتي مزدوجة. اقناع البت الاولى بأن عليها ان تبحث عن اشيائها دون تسرع ودون ضجيج . واتحول الى"دادة"اقدم لها النصائح كما لو انها طفلة صغيرة.

ويعتبر هيثم برهوم ما يفعله شقيقه امرا غريبا واشار الى تكرار حالة ( الحرد ) التي تصيب شقيقه وائل الذي يصر انه طفل رغم انه على وشك انهاء السنة الرابعة الجامعية. ويقول: كنا مرة في السوق نشتري هدايا بمناسبة عيد الفطر. وتركنا له الخيار لشراء ما يشاء من الملابس. لكنه طلب مشورتنا في حذاء اعجبه. وحين اختلفت اراؤنا ، وجدناه (يحرد) ويقول ( بطّلت اشتري ملابس).

ويضيف: الموضوع تكرر اكثر من مرة ، وهو سلوك للأسف (صبياني) وربما كان مرده الدلع الزائد الذي مارسته والدتي معه مما افسده وجعله يتصرف مثل طفل رغم انه صار أطول مني. لكنني اشعر انه يتصرف مثل طفل مدلل.
لاسباب مقنعة
الامر بالنسبة "لام شادي" يختلف فهو يبدو منطقيا جدا. حيث اشارت الى ان لجوءها "للحرد" لا يكون "للحرد فقط" وانما لاسباب منطقية تجد فيها ان خروجها من المنزل واقامتها عند اهلها سيحل او سيخفف من المشكلة القائمة بينها وبين زوجها الذي يتميز بالعصبية الزائدة ، فعادة ما تكون ردة فعله في العصبية مؤذية ولهذا تجد ان اختصارها لمجادلته او الرد عليه ولجوءها الى بيت اهلها ليوم او يومين دون اخبارهم بسبب زيارتها واقامتها عندهم ، يعتبر بحسب وجهة نظرها افضل الحلول حيث تعود بعد يومين الى بيتها بشكل طبيعي وتسير الامور بعدها على ما يرام.
واشارت الى انه وبالرغم من طبيعة زوجها العصبي الا انه في كثير من المرات يفضل ان تبقى هي في البيت وان يخرج هو للاقامة في منزل والدته ليوم واحد دون ان يخبرها عن المشكلة القائمة بيننا.
وفي النهاية ركزت ام شادي على ان العلاقة بين الزوج والزوجة يجب ان تكون في اطار خاص بحيث لا يتدخل فيها الاخرون وان لا تترك الزوجة مجالا للغير للتدخل فيها.
اشكال والوان
ويرى موسى زيدان ان الحرد لا يتصل فقط بافراد الاسرة وبالطعام والشراب بل وفي لعب كرة القدم او غيرها من الالعاب. فتجد بعض الاولاد يلعبون في الشارع واذا ما ارداوا الاستعانة بولد من الحارة ليقف (حارس مرمى) يحرد ويغضب ويصر على اللعب في مركز الهجوم ورأس الحربة متخيلا نفسه رونالدو او ميسي.
كذلك هناك الحرد السياسي. فحين تنشأ بعض الاحزاب يطلب احدهم ان يكون رئيسا أو مسؤولاً للحزب او ينآى بنفسه عن الحزب. اي ان حالة الحرد لا ترتبط بشخص دون آخر ولا تنحصر بالاطفال فقط.
ظاهرة
يفسر الدكتور محمد الدقس (استاذ علم الاجتماع بالجامعة الاردنية) حالة (الحرد) ويقول: بداية ان مثل هكذا ظاهرة تدل على الانفعالات السريعة لاؤلئك الاشخاص الذين يمارسون الغضب والنزق. ويضيف الدكتور الدقس: اعتقد ان مرد ذلك السلوك يرجع الى الحساسية المفرطة من قبل هؤلاء الافراد ، فضلا عن كونهم لا يتقبلون الرأي والرأي الاخر. ولديهم فهم او ادراك ان افكارهم صائبة تماما.
ومن جهة ثانية يشير الدكتور الدقس هذا الامر يدل على ان هؤلاء الافراد ليس لديهم الاطلاع الكافي عن الموضوع الذي يحردون من اجله وبسببه. او انهم يعتقدون ان الآخرين يمكن ان يتراجعوا عن مواقفهم. ويصف الدكتور الدقس  فعلهم بالابتزاز والضغط مستفيدين من العلاقة وصلة القربى والحميمية التي يمنحهم اياها الاخرون.
وعن علاج مثل هذه الظاهرة يرى الدكتور الدقس انه لا بد من التوضيح لهؤلاء ان ما يفعلونه يضر بهم وهناك فرص للاصلاح والتغيير ان هم تقبلوا الامر على نحو ما. كذلك باعطاء امثلة عديدة حول المشكلة من اجل اقناع الطرف الاخر بصحة السلوك السليم. واذا ما تكرر ذلك فانه يكشف عن وجود مشكلة داخل افراد الاسرة ولا بد من حلها.

JoomShaper