بالإمكان ان تكون علاقة الحماة والكنة على أفضل ما يكون
أسماء صرصور
تزوّجَتْ "رنا" بعدما قفزت عن عتبة العشرين، وكانت حماتها "أم زوجها" سليطة اللّسان يكرهها جميع أفراد العائلة "السلفات والأقارب".. وحتى الجيران!.. وبعد زواجها تعلّقت بزوجها وتعلّقت به بشكلٍ يفوق حدود المعقول.. وكأيّ زوجة كان لا بد لها من تقديم "مجموعةٍ من التضحيات" التي تقرّبها أكثر من الزوج الحبيب.. وكانت التضحية الأولى "تحمّل الوالدة فظيعة السلوك"..
تشرح "رنا" (وهو اسم مستعار) لصحيفة "فلسطين" :"في البداية وضعت في مخيلتي أمراً واحداً فقط، وتساءلت في كل مرة :"لو كانت أمي فما الذي سأفعله في هذا الموقف"؟، متابعةً :"حماتي حرصت على أن تدخل غرفتي وتأخذ ممتلكاتي وتستخدمها أمام عينيّ كي تستفزني.. ولكنني كنت أتخيلها أمي وأصمت!!".
وفي حالة غياب زوجي –تضيف بطلة القصّة- "كانت تمنعني من إقفال باب الغرفة، وقد تقتحمها دون سبب.. وكنتُ أتخيلها أمي وتريد الاطمئنان عليّ"، وإذا فقدت أيّ غرض من أغراضها كانت تقلب غرفة زوجة ابنها رأساً على عقب تفتّش عنه -فتتخيلها أمها وتصمت-، أما الأكل فتفاصيل مشاكله عالمٌ آخر..
في كل مرة يتغير مزاجها، مرة تحبه مالح وفي أخرى تحبه حرّاق، ومرةً (لماذا تضعين الفلفل ألا تعرفين أنني مريضة ضغط؟).. وفي كلّ مرة أيضاً كنتُ أتخيلها أمي وأصمت"..
تستمر في السرد :"واستمرت هذه المواقف بيننا طوال خمس سنوات.. "وأنا أتخيلها أمي" إلى أن أعلنت استسلامها، وأصبحت تفضلني على زوجات أولادها الآخرين، وإذا رأت ما يعجبها عند أي شخص تشتريه لي من فورها.. أصبحت تفتخر بي وبعلاقتها معي، وتدعو للجميع أن يرزقهم الله زوجات أبناء مثلي، خصوصًا أن زوجي لم يكن يعرف بالمشاكل بيننا أبدًا، وإذا عرف يكون بعد حلها وإنهائها تمامًا.. فلا يتدخل"!
د. اللولو: أول أسس التعامل "الاحترام".. وعلى الطرفين تقدير تغيّر البيئة والأشخاص
عزيزي القارئ.. هل تتخيّل أن قصّةً كالتي ذكرناها قبل قليل يمكن أن تحدث على أرض الواقع؟ أم أن "العداوة" فكرةٌ نمطيّة لا يمكن تغييرها بين الزوجة وأهل زوجها (أمه أو أبوه أو أخواته)؟.. حسناً.. لو أردنا لهذه القصّة أن تحدث في كلّ بيتٍ فلسطيني، هل هناك أسس وقواعد "ذوقية" معينة يجب على الزوجة اتّباعها في التعامل مع أهل زوجها؟.. هذا ما نجيب عنه في إطار التقرير التالي:
الشر بـ "شر"!
المواطنة "عايدة" أوضحت أنها تزوجت منذ ثلاثة عشر شهراً ولم تنجب حتى الآن، قائلةً :"أنا لا أتسبب في حدوث أية مشكلة، ولكن أهل زوجي لا يريدون الخير لي ولابنهم أبداً.. ويضغطون على ابنهم لتطليقي دون سبب حتى كرهت الحياة معهم لأنهم أفقدوني أي معنى للحرية".
وبحديثها عن أهل زوجها، لفتت إلى أنهم لا يعرفون الرحمة، وقابلوها وعائلتها بالشر المطلق، "كما أنهم يعتبرون طيبتي ضعفاً، ولا أستطيع الدفاع عن نفسي إلا إذا رددت الشر بشر مماثل"، تكمل :"لقد طردوا أهلي ومنعوهم من زيارتي، وسبب والدا زوجي المشاكل بيني وبينه دون أي سبب، جعلاه لا يهتم بي.. وأشعر أنني سأعيش بعيدًا عنهما بأفضل حال"، ولكن أكثر ما استغربته "عايدة" في الأمر أن أهل زوجها تظاهروا بالطيبة في أول أربعة أشهر من الزواج، ثم زال القناع.
أما "أم كريم" ففي بداية خطبتها قدمت هديةً جميلة وبسيطة لوالدة زوجها رغم كلّ ما كانت تسمعه من عباراتٍ تشكك في طيبة قلبها وحنانها "الذي أظهرته لها"، وقد سمعتها أكثر من مرة بالحرف الواحد :"بيّني لها قوّتك من البداية.. فهي قوية وقادرة، وستنغص عليكِ حياتك"..
ولكن بعدما ناولتها الهدية.. رأت ملامح الدهشة تكسو محيّاها وقالت لها بخجل وقد نفرت من عينيها دمعة :"إنها المرة الأولى التي تقدم لها فيها إحدى زوجات أبنائها هديّة مودّة"..
وذكرت موقفاً مغايراً حدث معها في الشهر الأول ما بعد الزواج، فكما جرت العادة، كانت المباركات تجري للعروسين على قدمٍ وساق، فما كان من "الحماة" العجوز، سوى أن تحدثت لزوجة ابنها بطريقةٍ غير مباشرة بأنها تريد هدايا المباركات.
وحين علمت "أم كريم" مبتغى حماتها، ردّت بكل بساطة وبابتسامة جميلة :"حماتي العزيزة، يمكنك أخذ ما تشائين من هذه الهدايا، فأنا لا أحتاجها جميعها.. فما كان من الأخيرة سوى أن أخذت بعضاً منها –بعد تمنّع- وتركت الباقي لكنتها وابنها.
تضيف :"ولا زالت حتى اللحظة تثمّن لي هذا الموقف وتعاملني باحترام وبشكلٍ يخالف تماماً تعاملها مع باقي زوجات أبنائها"، مبينة أنها تسارع للاعتذار لحماتها إذا بدر عنها أي خطأ، وبالتالي صارت حماتها تبادلها بالأمر نفسه، فإن قست عليها في يومٍ ما تسارع إلى "تطييب خاطرها ككنةٍ مدللة".
الأساس.. مودة وثقة
الاختصاصية الاجتماعية والتربوية د.فتحية اللولو أكدت أن بداية التأسيس للعلاقة بين الزوجة وأهل زوجها لا بد أن تكون على أساس المودة والثقة، "فإذا بدأت الفتاة حياتها متحلية بروح المحبة، ومتناسية تماماً ما سمعته من خبرات سابقة بحلوها ومرها، بما فيها العداوة المحتدمة بين الحماة والكنّة، يمكنها بالتالي أن تؤسس للعلاقة جيدًا".
وأشارت د. اللولو في حديثها لـ "فلسطين" إلى أهمية أن تتقبل الفتاة جميع أفراد عائلة زوجها، وفي المقابل أن يتقبلها أهل الزوج "على اعتبار أنها جاءت من بيئة أخرى"، وضرورة إرساء بعض المفاهيم بصورة واضحة لدى الطرفين حتى لا تصبح هذه الأمور بدايات احتكاك مثيرة للمشاكل منذ بداية الحياة الزوجية.
وتطرقت إلى الحديث عن القواعد الأساسية في التعامل بين الطرفين، مبينة أن أول الأسس هو التعامل بالاحترام والتقدير من جهة أهل الزوج على اعتبار اختلاف البيئة، وتقدير احتياجات الضيفة الجديدة ومتطلباتها وإقبالها على حياة مغايرة ومرحلة عمرية مهمة في حياتها، مردفةً :"على الفتاة أيضًا أن تقدر فرحة أهل زوجها بزواج ابنهم، فعندما جاؤوا لخطبتها كان ذلك بدافع الحب لا الكراهية، والزواج هو ثمرة العمر الطويل في تربية الابن".
وتابعت: "يتمنى الأهل أن تكون هذه الفتاة هي الزوجة المناسبة لابنهم، وبالتالي عليها أن تراعي هذه الأفكار والمفاهيم، وأن تدخل على هذه الأسرة وهي تحمل في فكرها هذا المنطق"، مشيرة إلى ضرورة مراعاة احتياجاتهم واحتياجات زوجها، وأن لا تضع في مخيلتها التجارب السابقة لمن حولها من أفراد عائلتها "فكل تجربة لها ظروفها الخاصة بها".
وأكدت د. اللولو أن الاختلاف أمر وارد حدوثه في أي عائلة، موضحة أن الأمر يكمن في دراسة الموقف جيدًا من أجل أن تكسبه الفتاة لصالحها من خلال فهم حجم الخلاف وتقدير الضرر في التنازل عن بعض الأشياء، وتحاول شرح وجهة نظرها للآخرين، "وعملية التعصب للرأي أو التنازل هي أشياء صعبة الحدوث لأن الفتاة تشعر كأنها تملكت هذا الابن، وترفض التنازل عنه وعليه أن يخضع لها".
وأشارت إلى أنه في حالة تصرف الفتاة بهذه الطريقة مع زوجها فإن المشاكل ستحتدم بصورة كبيرة جدًا، لأن المعركة عندها – تبعًا لقولها – ستصبح معركة تملك وسيطرة ومن يفرض رأيه على الآخر ويملك السلطة، مؤكدة أنه لا بد من دراسة الموقف بالحكمة والتريث والتعامل بالنصح واللين والمسايرة.
قوية بأدب واحترام
وأكملت: "لا يعني هذا أن تصبح الفتاة مسالمة جدًا، لأن عندها سيشعر أهل الزوج بأنها ضعيفة ومن الممكن أن يستقووا عليها"، مشيرة إلى ضرورة أن يكون لها شخصية موجودة "ولكن أن تتعامل من منطلق المحبة والمودة وليس بالعدوانية والتحدي، أي تكون قوية بالحق والأدب".
ووجهت د. اللولو نصيحة لأم الزوج، قائلةً :"هذه الأم عاشت في حياتها مرحلة كانت هي فيها زوجة ولها حقوق وعليها واجبات، وقد كان لا بد من الاحترام لهذه الحقوق والواجبات من قبل البيئة المحيطة، وقد قدر الله لها أن تعيش مع زوجها حياتها الخاصة، لذا فمن الواجب عليها أن تساعد زوجة ابنها في تقبل الانتقال إلى البيئة الجديدة ولا تضغط عليها بأشياء وأمور يمكن أن ترهقها وتسبب لها المشاكل.. وأن تعاملها كما تعامل ابنتها".
ونصحت الطرفين بتفهم حاجات كليهما، مشيرة إلى أن فتاة اليوم متعلمة ومثقفة بالتالي عليها تقدير واحترام أم زوجها الكبيرة في السن وأن تراعي قدراتها وإمكاناتها، وأكدت أن الأم إذا شعرت بمشاعر الزوجة الصادقة في التعامل معها فإن أي شعور غير حسن يمكنه أن يزول بمرور الوقت لتنتهي المشاكل.
وبالتطرق إلى موقع الزوج من الأمر كله، بينت أنه هو المسكين في هذه الأسرة، إذ يريد أن يرضي أهله وزوجته في الوقت نفسه ويلبي كافة احتياجاتهما، إضافةً إلى حلمه بأن تكون له زوجة يعيش معها لحظات سعيدة، ولكنه عوضًا عن ذلك يواجه المشاكل.
وأوضحت أنه قد يمر بحالة من عدم التوازن بين وجهتي نظر الأم والزوجة وهنا تزداد المشاكل إذا لم يكن له إمكانية التعامل بإيجابية كاملة، والتعامل بلباقة ويصلح بين الطرفين لا أن يستمر في تأجيج الخلاف بينهما.
كوني لـ"حماتك" "قنديلاً" تكن لكِ "زيتاً"
- التفاصيل