في أفضل حالات الزواج تبرز بعض الخلافات و المناوشات، ويكون هناك أخذ ورد بين كلا الزوجين، وترتفع نسبة التوافق بينهما، إذا كان حوارهما راقيا متحضرا .
ويتدهور الوضع، اذا فقدا أدبيات الحوار، وجنحا إلى الجدال .
والفرق بين الحوار والجدال جد دقيق، ويختلط لدى كثير من البشر .
فنظن أنفسنا نتحاور ونتحدث، ونحن في الأصل نزيد من اشتعال صدورنا، ونصب الزيت فوق النار بكلمات هي أقرب من طعنات الخناجر منها إلى أسلوب حوار وبناء !.
وكثير من مشاكلنا الزوجية تأتي غالبا عندما ننجرف دون أن ندري إلى منطقة عقيمة، يتحول فيها حوارنا إلى ثرثرة فارغة، تغيب من سمائها أبجديات المنطق، وتفتقر إلى صوت العقل الرشيد .
لذا فقد أحببت أن أبين لك عزيزي القارئ بعضا من المؤشرات التي تعرف بها أن حوارك يتحول إلى جدال عقيم، وأن توقفك عنه أفضل من إتمامه .
وأول هذه المؤشرات هي الصوت المرتفع، فعندما ترتفع نغمة الصوت عن مستواها المعهود، وتقترب اللهجة إلى ما يشبه الصراخ، نكون قد تعدينا أول الحدود بين الحوار والجدال .
وتجاربنا الإنسانية تثبت أن الصوت المرتفع هو محاولة لمداراة حجة واهية، وأن العقل عندما يُهزم تهرع لنجدته الحناجر ! .
بينما الصوت الهادئ عنوان لرقي الحوار، وروعة العقليات المتحاورة .
ثاني هذه المؤشرات هي إنكار حقائق ثابتة، وهذا مؤشر خطير، فحينما يصبح التدليل على الحقيقة مطلوبا، نكون قد انجرفنا كثيرا عن أن نصل إلى منطقة وسطى تجمعنا، لذا فأحذر بأننا يجب أن نكون أكثر وعيا تجاه هذه النقطة،
فإذا وجدنا من الشريك رفض للمسلمات، وإنكار للحقائق الثابتة، ومحاولة تشويه صورة ظلت لفترة محتفظة برونقها فيجب أن نتوقف، ونعيد النظر في حوارنا، وكيفية إدارته .
المؤشر الثالث النبرات المحبطة والمستفزة، فعندما ترتسم على جانب الشفاة ابتسامة ساخرة، وتصبح كلماتنا مستفزة، ونبراتنا تهكمية، يجب أن ندرك أننا لا نتحاور، وإنما ننتقم ! .
أيضا عندما يحاول الطرف الآخر، السخرية منا، وإغاظتنا، فيجب أن نعيد حساباتنا مرة أخرى تجاه حوارنا .
المؤشر الرابع البعد عن جوهر الحديث، فنترك المشكلة أو الموضوع الذي نتحدث فيها، ونبدأ في التلاوم حول اسلوب الحوار نفسه !.
ونجد أنفسنا بعد مدة، نتعارك بالرغم من أن الأمر لم يكن بحاجة إلى عراك .
المؤشر الخامس تكرار الكلام، فنبدأ في إعادة ما قلناه دون أن نذكر جديدا، فقط نكرر حديثنا ثانية وثالثة ورابعة، هذا يعطينا مؤشر على إغلاق أفق العقل، وعدم قدرتنا على رؤية أي آفاق أو حلول جديدة .
المؤشر السادس المقاطعة الدائمة لبعضنا، الكل يريد أن يتحدث، ولا أحد لديه النية للاستماع والفهم .
المؤشر السابع التركيز على إثبات أنني المحق : وتمركز المرء حول ذاته فقط، ومحاولة تلميعها، وإثبات أنها المحقة، دون التعاطي مع وجهة النظر الأخرى، والاقتراب ولو خطوة تجاه الآخر .
هذه المؤشرات عزيزي القارئ إذا ما لاحظناها أمكننا معرفة إلى أين يتجه حديثنا، ولأستطعنا إحكام السيطرة على أي جدال قد ينشأ، أو سوء فهم قد نقع فيه .
أ. كريم الشاذلي
حيران أنفو