الدستور - جمانة سليم
يتدخل بعض الاهل كثيرا في القضايا الخاصة لابنائهم والتي يجدها الابناء شكلا مبالغا فيه من الحرص الزائد عليهم والذي يتسبب لهم بالإحراج أمام اصدقائهم خاصة ممن وصل منهم الى المراحل الجامعية حيث يشعرون أنهم أصبحوا في عمر يؤهلهم للاعتماد على أنفسهم وإتخاذ القرارات الشخصية التي تناسبهم .
ومن جهة أخرى يجد الاباء أن ما يدفعهم للتدخل في شؤون أبنائهم وبناتهم مبعثه الحرص والخوف عليهم وهو لا يعني بالضرورة الغاء شخصيتهم خاصة وان لديهم خبرة جيدة تمكنهم من توجيههم للطريق السليم والقرارات الصائبة. وما بين خوف الآباء على ابنائهم وتفسير الابناء على أنه تدخل يلغي شخصيتهم ، ينظر اليها كل طرف من اطراف هذا الموضوع على انه الحلقة الاضعف فكيف يمكن أن نعادل بين هذه المعادلة والتي قد تتسبب بالبعد الاجتماعي بين الابناء وذويهم بسبب هذا الصراع الاجتماعي حيث يلجأ الكثير من الابناء الى الكذب والمداراة من اجل تجنب ردود افعال آبائهم في تصرفاتهم وسلوكياتهم التي يرونها بانها طبيعية.
تدخلات شخصية
ويجد "حسن محمود" طالب جامعي أن تدخلات والده في قراراته الشخصية كبيرة خاصة عندما يتدخل في اختياراته لاصدقائه أو ان يلزمه بموعد محدد للعودة الى المنزل وبالرغم من معرفته المؤكدة بأن ما يقوم به والده نابع من حبه وحرصه عليه إلا أنه يعاني من معاملته له على أنه ما زال طفلا صغيرا بحاجة لتوجيه ومتابعة.
وأشار حسن أنه وفي كثير من المرات يجد نفسه امام زملائه واصدقائه في موقف محرج بسبب تكرار اتصال والده وكذلك والده به للاطمئنان عليه او لمعرفة مكان وجوده حيث يبدأ اصدقاؤه بالتعليق عليه بأنه الطفل الصغير والذي ما زال أهله يخافون عليه من كل شىء.
وكذلك الامر ايضا بالنسبة لـ"هاني سعيد" 24 عاما والذي تخرج منذ سنة ويعمل في إحدى الشركات القانونية الخاصة موظفا ، حيث ما زال يعاني حتى الآن من تدخل أبيه وكذلك والدته في شؤونه الخاصة بشكل كبير لدرجة انه اصبح يقدم لهما تقريرا مفصلا عن احداث يومه عند عودته. ويذكر هاني أن الكثير من الآباء لا يستوعبون حقيقة وصول ابنائهم الى مراحل عمرية تؤهلهم لان يعتمدوا فيها على انفسهم بحيث يستطيعون ان يتخذوا قراراتهم بأنفسهم دون الاعتماد على الآخرين.
ويذكر أيضا أن اهله وفي المرحلة الثانوية تدخلوا بقراره الشخصي في اختيار دراسة الهندسة في الجامعة وفرضوا عليه دراسة الحقوق من اجل ان يصبح محاميا بعد ان هدده والده بعدم مساعدته في دفع مصاريف دراسته الجامعية في حال رفض دراسة القانون الامر الذي دفعه للرضوخ الى قرار والده بدراسة هذا التخصص والذي كان تحصيله الدراسي فيه في الجامعة متراجعا جدا بسبب عدم رغبته النفسية بدراسة هذا التخصص.
شكوى الفتيات
ومن المعروف ان هذه المشكلة تعاني منها الفتيات بشكل اكبر بكثير من الشباب خاصة عندما يصلن الى مرحلة عمرية وهي مرحلة نضوجهن حيث يشدد اباؤهم وذويهم الرقابة عليهن بشكل كبير خوفا عليهن الا ان نسبة كبيرة من الفتيات يجدن أن هذا الخوف والحرص يسبب لهن ضغوطات نفسية وتلغي شخصيتهن خاصة فيما يخص بعض امورهن الشخصية مثل علاقاتهن بالآخرين أو بما يتعلق بسلوكياتهن مثل طريقة لبسهن وطريقة كلامهن مع التشدد على معرفة مواعيد خروجهن وعودتهن الى المنزل. مما يشعرهن بانهن تحت رقابة مشددة تدفعهن للحرص والخوف من اتخاذ اي قرار الا بعد الرجوع لذويهن ، وهذا ما عبرت عنه "براءة"23 عاما والتي تشعر بان الضغوطات التي يفرضها عليها ابيها واخوانها اصبحت تشعرها بالكآبة خاصة عندما يمنعونها من التواجد مع صديقاتها في مناسباتهن الشخصية مثل اعياد الميلاد او الرحلات التي ينظمنها او حفلات الخطوبة لاحداهن ، واشارت براءة ان ما يشعرها بالحزن والكآبة هو انها لا تجد هذا المنع من اهالي صديقاتها وزميلاتها في الجامعة حيث ان جميعهن يتمتعن بالحرية الشخصية بسبب ثقة اهاليهن بهن وهو عكس ما تعيشه مع اسرتها ، ولا تنكر براءة بأنها وبسبب الضغط الكبير الذي تتحمله من اهلها بسبب تدخلهم في كل صغيرة وكبيرة تضطر في بعض الاحيان الى الكذب لكي لا تدخل معهم في صدامات ولكي لا تشعر في نفس الوقت بانها تختلف عن الكثير من صديقاتها اللواتي ينتمين الى اسر محافظة ويعشن حياتهن بشكل طبيعي دون ضغوطات وتدخلات اهاليهن .
تنظيم المعادلة
الدكتور محمد الدقس استاذ علم الاجتماع في الجامعة الاردنية يجد بأن هذه المعادلة يجب ان يتم تنظيمها بين الطرفين فمن جهة يجب على الآباء ان يمنحوا ابناءهم وبناتهم مساحة خاصة لحريتهم الشخصية وعدم التدخل في الكثير من قراراتهم الشخصية مثل اختيار اصدقائهم وطبيعة لبسهم وميولهم لدراسة تخصص معين ، ومن جهة اخري يجب ان يتقبل الابناء خوف وحرص ابائهم عليهم في الكثير من الجوانب وان لا يعتبروا بأن هذا الحرص يلغي شخصيتهم ويحد من قدراتهم خاصة وان معظم الآباء يجدوا أن من واجبهم توجيه ابنائهم من باب خبرتهم وتجاربهم في الحياة والتي من الضروري ان يمنحوها لابنائهم.
وفي نفس السياق دعا الدكتور الدقس الآباء الى بناء علاقة صداقة مع ابنائهم عندما يصلوا الى مراحل عمرية تتجاوز الطفولة بحيث يخلق هذا الرابط بينهم الثقة والتوازن الاجتماعي.

JoomShaper