لمسة شافية:

في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليُمنى ويقول:
(اللهم رب الناس أذهب البأس, اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يُغادر سقمًا).
وفي صحيح مسلم عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا, يجده في جسده منذ أسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

(ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثًا وقل سبع مرات: أعوذ بعز الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) [الوابل الصيب من الكلم الطيب, ابن القيم، ص94].
أخي/ أختي القارئة:
(اللمس هو إحدى الحواس الخمس التي أكرم بها الله تعالى الإنسان, وهذا اللمس يصاحبه شعور معين تجاه الملموس، وهذا يعني أنه ليس تقاربًا ماديًا بين لامس وملموس، بل هو أعمق من ذلك وأبعد أثرًا.
فهو عالم من العواطف والمشاعر المتنوعة, فيمكن أن تكون اللمسة دواء وشفاء, وقد تغني اللمسة عن عقد جلسة, وقد تمسح غضبًا وتصلح عطبًا) [حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري].
وأنا أسألك الآن:
هل أطفأ غضبك يومًا ما, قبلة على الجبين من شخص تحبه؟
وهل خفف عنك الحزن والأسى والمرض, مسح على الرأس أو تربيت على الكتفين؟
وهل عبَّرت لزوجتك يومًا عن حبك دون أن تلفظ بكلمة حب واحدة عن طريق لمسة تنقل إليها ما في وجدانك من مشاعر؟

آثار اللمسات

لا شك أن اللمسة لها أثرها في حياة الإنسان, وفي حياة الزوجين بشكل خاص.
وتحكي لنا هذه النماذج كيف أثرت اللمسة عليهم في بعض المواقف:
ـ فهذه امرأة متزوجة منذ عشر سنوات تقول: أسعد جدًا بل أكاد أطير فرحًا, إذا وضع زوجي يده على شعري وداعب وجنتي.
ـ وتعترف زوجة أخرى وتقول: الفضل لله ثم لزوجي الحبيب الذي أخرجني من حزني, وكمدي وخفف عني آلام فراق شقيقي الوحيد, وكلما وجدني أتذكر مصيبتي احتضني, ومسح على رأسي ووضع يده على كتفي, فما زلت أتذكر لمساته الرائعة التي كانت بلسمًا شافيًا من الحزن والهم.
ـ وهذا زوج يقول: كنت في بداية حياتي الزوجية أغفل هذه اللمسات؛ ظنًا مني أنها لا تفيد مما أوجد في حياتنا حالة من الجفاء والبعد العاطفي, وبعد استشارتي للمتخصصين أرشدوني إلى البعد عن أسلوبي الجاف في التعامل مع زوجتي, فبدأت أتغير وبدأت حياتي تتغير إلى الأفضل.
ـ وهذا زوج عند ما يرجع متعبًا ومجهدًا من العمل يطلب من زوجته أن تعمل له تدليك (مساج) على ظهره ليسترخي ويرتاح من شد الأعصاب وتوتر اليوم, وبالفعل فإنه يتسرخي ويهدأ ويقدر لها هذه المشاركة وهذا الحب والعطاء.

أمثلة من سيرة الحبيب:

وقد كان صلى الله عليه وسلم يمسح بيده اليمنى على المريض ويدعو له "اللهم رب الناس اذهب البأس, اشفِ أنت الشافي, لا شفاء إلا شفاؤك, شفاء لا يُغادر سقمًا".
ـ كان رسول الله يعطف على الجمادات, إذ تحكي كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم، ربَّت على الجذع الذي بكى لفراقه فسكن وهدأ, وهذا يدل على تأثير الملامسة على الجمادات فما بالنا بالإنسان.
ـ وقد حثنا صلى الله عليه وسلم على المصافحة بين الإخوة, وبين الأخوات كذلك, لتأكيد رابطة الأخوة, والتقارب بينهم والتراحم بين المسلمين.
ـ حتى في العلاقة الزوجية الخاصة يوصي الرسول بالملامسة والمداعبة قبل اللقاء, ولا يأتي الرجل امرأته دون مقدمات وانظر إلى التعبير القرآني الرائع: {نسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 223].
فالاستعجال في اللقاء الزوجي, وإهمال الملامسات له أثره السيئ على العلاقة الزوجية والعلاقة العاطفية بين الزوجين, انظر إلى العصفور الاسترالي يقوم أولًا ببناء عشه, ثم يملؤه بالعطايا لأنثاه, ثم يرقص حولها قبل الزواج.
والحمام يهدل ويتعانق بالمناقير, ويدور الذكر حول الأنثى قبل اللقاء, وكذلك أيضًا الحال في الحيوانات, فكيف بالإنسان الذي أكرمه الله تعالى, ومتَّعه بخصائص كثيرة منها العاطفة والشعور.

أنواع اللمسات باختلاف الحالات:

ـ(لمسة مشاركة وضغطة حانية من زوجة لزوجها بعد عناء يوم عمل شاق كفيلة بأن تشعره بالامتنان وبعث الراحة في نفسه وتبخير كل معاناته.
ـ التقبيل عند مغادرة المنزل بين الزوجين سواء للسفر أو العمل يجدد العواطف بينهما.
ـ التقبيل أيضًا في المناسبات السعيدة.
ـ إمساك الوجنتين بكلتا اليدين أو مداعبتهما.
ـ لمس العنق بإحدى اليدين.
ـ مداعبة الشعر.
ـ لمس اليدين, كأن يضع أحد الزوجين يده على يد الآخر في السيارة مثلًا.
ـ العناق بمختلف حالاته يعتبر من لمسات الحب بين الزوجين خاصة.
ـ وضع اليد على الكتف لكِلا الطرفين يقرب بينهما.
ـ لمسة المواساة, إن إمساك الكتفين بكلتا اليدين يمثل أفضل لمسة يواسي بها الزوج زوجته أو العكس, إذا كان الملموس في حالة حزن وأسى وألم, وتعني هذه اللمسة, أني مساند لك, وفيها دعم نفسي للملموس في مواقف التعزية بالوفاة مثلًا). [مجلة الفرحة العدد 78، باختصار].

يتكلمون بلغات مختلفة

للإنسان أربع لغات في الحياة يختلف ترتيبها بين الرجل والمرأة.
ترتيب اللغات لدى الرجل:
"1. اللغة المادية (وخصائصها أنها: واقعية، موضوعية, محسوسة).
2. اللغة الفكرية (وخصائصها أنها: معرفية، خيالية، معتقدات).
3. اللغة الانفعالية (وخصائصها أنها: اتصال، تجاوب، رد فعل).
4. اللغة الروحية (وخصائصها أنها: مشاعر، أحاسيس، تواصل).
وعند المرأة ترتيبها كالتالي:
1.   الروحية.
2.   الانفعالية.
3.   الفكرية.
4.   المادية.
فالرجل يبدأ بما تنتهي به المرأة، والمرأة العكس, ولذلك استمعوا إلى شكواكم، تشكو المرأة من الرجل أنه:
ـ لا يفهم ما تريد أن تنقله إليه.
ـ لا يهتم بعالمها الداخلي.
ـ يحاول أن تكون كلمته هي الأخيرة والعليا.
ـ مادي.
ويشكو الرجل من المرأة أنها:
ـ انفعال له ساقان.
ـ تجد صعوبة في السيطرة (عقلانيًا) على انفعالاتها.
ـ تفعل ذلك عن قصد، لكي تُعقِّد الأمور.
ويخطئ الرجل عندما يطلب من المرأة التعقُّل أثناء النقاش, فهو يعني أن تبدأ من آخر ما تحب (اللغة المادية والفكرية).
ويخطئ الرجل والمرأة عندما يريد كل منهما أن يتكلم بنفس لغته, وهذا المستحيل بعينه.
ولسنا في مجال التحقيق في صحة الشكاوي, وإنما نريد أن يتواصل الحوار، فمن أجل أن تكسبي حوار زوجك انطلقي من العالم المادي, كيف؟
المسيه: خذي كفه بين كفيك, ضعي يدك على ذراعه, ضعيه بين ذراعيك, اخلقي ساعتها شعورًا بالحميمية المادية والثقة المتبادلة, وسوف تعبرين به من عالم المادة والفكر إلى الروح والانفعالات.
المسيه: عندما يحاول أن يثبت أنه على حق, وعندما يبدأ الشجار.
المسيه: عندما يعبر عن انفعاله إما بضرب الأرض برجليه, أو المنضدة بقبضته, أو بتحريك عينيه.
المسيه: عندما تشعرين بتوتره, وهو يقود السيارة في الزحام, ولا تعبري عن مخاوفك من الحوادث, لا تحكمي على طريقة قيادته, فقط المسيه.
المسيه: ضعي كفك على ذراعه أو فخذه ، ضعي رأسك على كتفه فسيهبط توتره, لقد عبرت به حواجز المادة والفكر إلى عالم الحب والانفعال والروحانية) [بالمعروف, د/ أكرم رضا ص155، 156].

أخي/ أختي الزوجة:

إن حاسة اللمس لها أهميتها في حياتنا, وفي الحياة الزوجية خاصة فكل موقف يحتاج إلى لمسة تعبر عنه, وتضفي هذه اللمسة أثرها العميق في حياة الزوجين واللمس هو من القواعد التي تجعل زوجك يواصل الحوار.
فاللمسة تنقله من اللغة المادية إلى اللغة الانفعالية.
وماذا بعد الكلام؟
عند التوتر المسيه (لغة مادية) يهبط توتره, امدحها (لغة روحية) يهبط توترها.
اقتربي من زوجك أكثر وأكثر عند الحوار والمسيه وهذه قاعدة من القواعد التي تجعل زوجك يواصل الحوار.
اجعلي لمساتك الحانية له في كل وقت علامة على حبك وتعلقك به، ورسالة دائمة إليه أنك تهيمين به ولا ترين غيره في هذه الحياة.
لا تقللي من شأن تلك اللمسات مهما كانت بسيطة أو سريعة، فالزوج يحتاج إليها ويحتاج إلى أن تشعريه بالثقة، وأنه يبذل كل ما في وسعه لإسعادك وإرضائك، وهذه اللمسات المعبرة عما في قلبك خير دليل على ذلك وأفضل علامة على اعترافك بتلك الحقائق التي تزيد من تعلقه به وخوفه عليك وتعمق مشاعر الحب والوئام بينكما، وتكون سببا من أهم أسباب استمرار السعادة الزوجية بإذن الله تعالى.

المراجع:

ـ الوابل الصيب من الكلم الطيب, ابن القيم.
ـ مجلة الفرحة, العدد 78.
ـ بالمعروف، د/ أكرم رضا.
ـ حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري.

 

 

أم عبد الرحمن محمد يوسف

المصدر: مفكرة الإسلام

JoomShaper