القاهرة - دار الإعلام العربية
قديماً قالوا في أمثالنا الشعبية: «يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات»، كما غنوا وقالوا: «لما قالوا لي دا ولد انشد ضهري واتسند، ولما قالوا لي دي بنية انطفت الدار عليا».. هكذا كانت ثقافة مجتمعنا العربي بمختلف طبقاته الاجتماعية طوال عقود مضت تجاه أي بنت تولد، بل يصل الأمر في كثير من الأحيان لإحداث مشكلات اجتماعية كثيرة حال إنجاب الفتاة، والعكس تماما إذا كان المولود ذكرًا..
ورغم تغير هذه النظرة تدريجيا وازدياد الوعي الديني والعلمي لدى الكثير من المجتمعات، بعد مشاركة المرأة الرجل في الحياة الاجتماعية والسياسية.. إلا أن التساؤل مازال قائما: هل مازالت هناك رواسب ثقافية في مجتمعاتنا مازالت تؤمن بهذه المعتقدات البالية؟ هل الرجل الشرقي الآن يفضل أن يلقب بـ«أبو فلان» أفضل من أن يلقب باسم البنت؟..
وأخيرا: «أبوالبنات» حزين أم سعيد؟ هذا ما سنعرضه في السطور التالية:
تحكي زوجة تدعى مايسة من محافظة القليوبية على أطراف القاهرة أن زوجها طلقها؛ لأنها لا تنجب إلا البنات، وبدأ رحلة البحث عن زوجة أخرى تنجب له الولد، وبعد دراسة دقيقة استقر على زوجة أخرى كان كل إخوتها ذكورًا، معتقدًا بأنه من المؤكد أن تكون هي مثل والدتها وتنجب له الولد.
ولكن شاء القدر وأنجبت له البنت، صدم كصدمته الأولى، ولكن في هذه المرة صبر لعلها تنجب في المرة القادمة ولدًا، ولكن جاء المولود الجديد بنتًا، فجن جنونه، وأصبح يسيء معاملة بناته، وهو الآن أب لأربع بنات، وما زال يبحث عمن تنجب له الولد.
بنت تحكي تجربتها
(س) طالبة في الثانوية العامة، تقول: أنا بنت على 6 أولاد، وأعترف بأنني كنت بنتًا غير مرغوب في وجودها، وكم تمنى والدي أن أكون الولد السابع له؛ لأنه لا يحب أن تكون له بنت، ولكن عندما مرض والدي لم يجد بجواره غيري أقوم برعايته والعناية به.. فتمنى وقتها لو كلنا كنا بناتاً، وهو سعيد بوجودي بجواره.
نظرة موضوعية
ويتفق عطية -أب لولد وبنتين- أنه سعيد أن الله رزقه بنتين، وأنه لا يفرق في معاملته بينهما وبين أخوهما، بل يترك لهما حرية الخروج والاختيار، فهما مثل الولد؛ من حقهما أن يقررا حياتهما.
وفي الوقت نفسه يرى أنه فقط لا يتفهم المشاكل النفسية التي تمر بها البنات أحيانا أو استيعابها بشكل أكبر، عكس الولد الذي يتفهم تماما ما يفكر فيه لأنه عاش مثل هذا السن قبل هذا، ولذا فهو يجتهد أن يوفر لهما الاستقرار وأن يشعرهما بجو أسري دافئ، مشيراً إلى أن زوجته تختلف معه في هذه النظرة، فهي ترى أن ابنها أهم بكثير من وجود البنات، وتعمل على تدليله حتى لو على حسابهما.
أبو الولد
أما يحيى فهو أب لأربع بنات وولد، يقول: ولدي هو أكبر إخوته سنا، وعندما رزقني الله إياه فرحت أنني «أبوالولد»، وأنه سيحمل اسمي وسيكون سندي في الحياة وسندًا لأخواته وأمه من بعدي.. حاولت أن أعدل في تربيته مع باقي أخواته ولا أفرق في المعاملة بينه وبين أخواته البنات.
ولكن في أحيان كثيرة نظرا لما نعتقده من أفكار وثقافات كانت هناك ميزات تمنح له ولا تمنح للبنات، وإذا حدث خلاف بينه وبين إحدى البنات فهو دائما على صواب، دون أن أعلم الأسباب الحقيقية للخلاف.. وظل الأمر هكذا حتى فوجئت بأنانية شديدة منه وإنكارًا على عكس ما كنت أظن، وذلك عندما اشتد التعب بي، فلم أجد سوى بناتي وزوجتي بجواري، هن أحن على من الولد، ومن وقتها تعلمت أن العبرة ليست بالولد، بل العبرة بحسن المعاملة والتربية، ولم أصبح سعيداً بأن ألقب بـ«أبو فلان»، وكم أنا سعيد أن الله وهبني 4 بنات يملأن عليّ حياتي.
رزق البنات
هيثم -24 سنة- أوضح أنه لم يتزوج بعد، ولكن يتمنى أن يرزقه الله ببنت، بعدما لم يعد هناك مكان للأفكار البالية بضرورة إنجاب الولد، ويكمل كلامه بقوله: إنه سيكون أقرب لبنته من أمها، كما أنه لن يفرق في المعاملة بين الولد أو البنت؛ لأن ما كان يحدث من تفرقة هو من العادات البالية والتي ليس لها مكان الآن.
ويشاركه أيمن الرأي فيقول: أنا أب لثلاث بنات، ودائما أشكر الله عليهن، وأحمده أنه وهبني بنات ولم يرزقني ولداً، فالمعلوم أن الأولاد عندما يدخلون في سن الشباب يصبح خروجهم من البيت أكثر، على عكس البنت التي تصبح رقيقة على أمها وإخوتها وأبوها حتى الزواج.. فسبحان الله، نجد في قلوبهن رحمة وحبًا وحنانًا، وتجدهن أشد براً لأبويهن من الولد، وفي رأيي أن البيت الذي يخلو من بنت يصبح مقبرة بمرور الوقت.
أما محمد فيقول: أنا لم أتزوج بعد، ولكن من وجهة نظري أرى أن الحياة أصبحت مضغوطة اجتماعيا واقتصاديا، وبالتالي حتى لو كنت أتمنى أن يكون لي ولد فليس باستطاعتي أن أنجب أكثر من طفلين حتى أتمكن من تربيتهما، فقديما كان الأب ينجب خمسة أو ستة أطفال من أجل الولد، ويستطيع أن يصرف عليهم كلهم، لكن الآن أصبح الأمر صعبا جدا.
التنوع مطلوب
ترى د.سامية الجندي، أستاذ علم النفس بكلية الدراسات الإنسانية للبنات وعميدة الكلية الأسبق، أن ثقافة تفضيل إنجاب الأولاد على البنات تغيرت تماما في الحضر وعند المثقفين، ولكن مازالت الأسر المصرية تحب التنوع، ولا تكتفي بأن يكون كل الأبناء بنات فقط أو أولادًا فقط.
وأضافت أنها كأم تفضل أن يكون لها مولود ولد، على الرغم من أن تربية البنات أسهل بكثير من تربية الولد، لاسيما أن الولد في مجتمعنا الشرقي لديه حرية أكبر، بينما البنت مازالت حتى هذه اللحظة مرتبطة بالبيت، عكس الولد.
واعترفت الجندي أن المجتمع حتى وقتنا الراهن مازالت تحكمه النظرة الذكورية، والدليل على ذلك عدم تقبل الرجال فكرة مشاركة المرأة في الانتخابات، واختتمت كلامها بأنه سواء كان المولود ولدًا أو بنتًا فكلاهما مهم، فالبنت تشع حنانًا ودفئًا في أسرتها، والولد يمكن أن يُعتمد عليه في خارج المنزل بصورة كبيرة.
قوانين الأحوال الشخصية
من وجهة نظر مختلفة، ترى د. علياء المهدي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، أن تفضيل إنجاب الولد على البنت أمر مازال موجودًا وراسخًا في أذهان كل الأسر على حد سواء، مهما حاولنا أن ننكر هذا.
والسبب وراء ذلك المواريث، فبالتالي تفضل كل الأسر أن يكون لها ولد حتى لو كان معاقًا على أن يكون لها بنت حتى لو كانت عاقلة وسليمة، كون وجود الولد سيضمن ميراث الأسرة وعدم تدخل الأهل فيه، بينما البنت لا أحد يستطيع أن يحمي حقوقها في الميراث.
واختتمت كلامها بأن تربية كل من الولد والبنت مجهدة وشاقة؛ لأن مفاهيم المجتمع تغيرت، وأصبحت هناك متطلبات حديثة وحقوق البنت في الخروج والعمل..الخ.