إيمان القدوسي
هذا المقال ليس مقالا للرأي وإنما خلاصة تجربة حياة ، حاولت وأبناء جيلي بناء وتأسيس أسرة إسلامية سعيدة وناجحة ، بعضنا وفقه الله والبعض أخفق بدرجات متفاوتة ، تدريجيا اتضحت الرؤية وتلمسنا جوانب الضعف والقوة وهنا أركز علي تأثير تكوين الأسرة وأسلوب حياتها علي تربية الأبناء ، وإن كانت نفس الأسباب المذكورة ستؤثر أيضا علي نجاح العلاقة الزوجية نفسها ونجاح أفرادها علي المستوي الشخصي والاجتماعي.
أولا : الالتزام الوسطي المعتدل:
من المسلم به أن الأساس الصحيح للأسرة هو التزامها التعاليم الشرعية ، ثم انعكاس ذلك في تربية النشء وتوجيههم ، وهذا ما نلاحظه بالفعل في كل الأسر الملتزمة من اهتمام بالغ بالتعويد علي الصلاة وتوضيح حدود الحلال والحرام وتحفيظ القرآن الكريم منذ الصغر وتشجيع الفتيات الصغيرات علي الإسراع بارتداء الحجاب وغرس خلق الحياء فيهن .
وهذا هو الأساس الأول للأسرة المسلمة الناجحة وذلك لما تبثه التربية الإسلامية من تربية للضمير واستقامة في السلوك ورقي في المشاعر ، وتنمية الجانب الروحي الذي لا تستقيم بدونه النفس البشرية ، وقد أثبتت تجارب الواقع أن خير الأمور أوسطها وأن التطرف أو التفريط ينتج مشاكل حادة وأن فقه الواقع ومراعاة مستجدات العصر تعتدل بهما كفة الميزان .
والحقيقة أن النظر للإنسان علي أساس بعد واحد هو تسطيح نظري يسبب مشاكل عديدة فالإنسان ( روح وجسد ونفس وعقل ) وكل هذه الجوانب يجب إشباعها والموازنة بينها في إطار المباح وهو كثير ، ويراعي فقه الواقع الظروف التاريخية والسياسية والجغرافية التي يحيا فيها المسلم ، والحمد لله لدينا من العلماء والفقهاء من نلجأ إليه فيما نختلف فيه أو يلتبس علينا فهمه .
ثانيا : الأسرة الممتدة :
تتحرك الأسرة الصغيرة في إطار اجتماعي أوسع يتكون من الأسرة الممتدة والأقارب والجيران والمعارف ، ليتنا نعيد اهتمامنا وتقديرنا للأسرة الممتدة ، أهل الأب وأهل الأم ، الأعمام والعمات والأخوال والخالات وجذورنا التي فيها الخير والبركة من الجدود والجدات ، تسربت روح الحداثة الانعزالية لكثير من فتياتنا ورغم التزامهن الهدي الظاهر للسلوك الإسلامي إلا أن روح الفردية والرغبة في الانفصال وتفكيك الأسرة الكبيرة سيطرت عليهن ، بمجرد زواج الفتاة تظهر حساسية زائدة ومفتعلة لأهل زوجها وتسعي بكل الوسائل والسبل في الانعزال عنهم ، ليتها تعلم أنها ستكون هي الخاسرة الأولي عندما تنجح في معركتها غير الشريفة ، فإن زوجها الذي باع أهله من أجلها سيبيعها بأبخس ثمن ، وما فعلته من حرمان والدة زوجها من ابنها ثمرة فؤادها سوف تذيقه لها الأيام مستقبلا ، وهي تحرم نفسها وأولادها من نعمة الثراء النفسي والاجتماعي للأسرة الكبيرة التي تشعرهم أن لهم أهلا وعزوة وتعطيهم نماذج متعددة للقدوة وتثري وجدانهم بكثرة الخبرات التي يتقلبون فيها ، الزوجة الشابة التي تستطيع الحفاظ علي علاقات طيبة بأهلها وأهل زوجها وتتغاضي عن صغائر الغيرة والخلاف تكسب كثيرا ، تكسب بركة الطاعة وصلة الرحم وتضع في صندوق الحياة رصيدا ضخما سوف تحتاجه يوما وترسي أساسا اجتماعيا غنيا لأولادها ، ثم تكتمل الصورة الطيبة بعلاقات حسنة مع الأقارب والجيران والمعارف وهذا هو رأس المال الاجتماعي الذي نوفره لأولادنا .
ثالثا : عادات الأسرة
للأسر العريقة عاداتها التي تتأصل بمرور الأيام ، هذه العادات هي بمثابة لاصق اجتماعي يربطهم بعضهم ببعض ويقوي مناعتهم ضد عوامل التفكيك والضعف ويعزز صلة الرحم ، مثل الاجتماع يوما محددا في الأسبوع في بيت العيلة ، والتزاور عند المناسبات والتشاور في الأمور الهامة مثل ( السفر وزواج الأبناء والبيع والشراء ) وبالنسبة للشباب بالذات فإن تعودهم علي المناسبات العائلية يوازن بينها وبين استغراقهم في العوالم الافتراضية الحديثة .
رابعا : التراتبية والاحترام :
لابد من التراتبية واحترام الصغير للكبير ، ووجود كبير للأسرة يفصل بينهم في المنازعات ويحتكمون له عند الخلاف ويحتوي مشكلاتهم عند اللزوم ، أما مسألة رفع التكليف تماما حتي ينادي الأبناء أباءهم وأمهاتهم بأسماءهم المجردة ويرفعون أصواتهم عليهم ويعاملونهم بندية وكأن الرؤوس تساوت فهو سلوك خاطئ يؤتي ثمرته المرة عندما يكبر الأبناء علي التمرد والعصيان ، وفي الحقيقة فإن الأبناء أكثر احتياجا لهذا الخلق من الأباء لأن من فطرة الإنسان احتياجه للقوة الضابطة والتوجيه فإذا افتقدها فهو يتخبط في سلوكه وحياته ويصبح مثل الملاح التائه في بحر الظلمات بغير بوصلة ولا هدف .
خامسا : المناخ العائلي المبهج النشط :
لكل أسرة مناخها العائلي الخاص فهناك أسرة صراعية تعلو فيها الأصوات ويسودها التصادم والشقاق ، وأسرة انعزالية يجمعهم سقف واحد بلا قلب ولا روح فكل منهم في وادي ، والمناخ الأمثل للأسرة هو الذي تسوده روح المودة والرحمة كما قال تعالي في كتابه الحكيم وتسوده السكينة ، ويخلو من التسلط حيث توجد مساحة للحرية ومسافة للتنفس والإبداع ويمارس كل أفراد الاسرة مناشطهم بحب وتقبل ولا يمنع هذا معاقبة المقصر وإلزامه الصواب بأكبر قدر من الحكمة وأقل قدر من القسوة والعقاب .
سادسا : تعدد الوظائف لكل أفراد الاسرة :
ربما يكون هذا الأساس هو حجر الزاوية للأسرة الناجحة ومعيار عادل لتميزها ونجاحها بالفعل ، فالإنسان لابد له من وظائف تستوعب طاقاته وتشعره ببهجة الحياة وتحقق له احتياجاته الفطرية من رغبة في تحقيق الذات وتقديرها ومن إشباع لحب المعرفة ، والمقصود بالوظيفة ما يعود بالخير والنفع علي الفرد والمجتمع ، وبالتالي فإن ربة البيت بما تقوم به من أعمال جليلة وحيوية في تربية النشء وإدارة الأسرة هي امرأة ذات وظيفة هامة تتحقق من خلالها وتشبع نفسها وتعود بالخير والنفع علي أسرتها ومجتمعها وكذلك الحال بالنسبة للطالب الناجح ، لاتقتصر الوظائف علي ذلك الجانب من مشاق المهنة وتأدية الواجبات والتكليفات ، فبعد انتهاء ربة الأسرة من عملها وعودة الأب من عمله والأبناء من مدارسهم يصبح المجال مفتوحا لممارسة الأنشطة الترفيهيه والهوايات والعمل التطوعي .
سابعا : التسليم بالتمايز والاختلاف بين أفراد الأسرة :
أحيانا تنشأ المشكلة من إصرار الأهل علي إقحام الابن في مجال دراسي لايناسبه أو عمل لم يؤهل له ، علينا أن نسلم بأن كل ميسر لما خلق له ، وعلينا النصح والتوجيه وليس علينا الإجبار والقهر ، وعندما نمنح العاطفة غير الخانقة والالتزام غير القاسي سنجد الابن يسعي لإرضاء أبيه والعمل علي إدخال البهجة والسرور علي نفسه .
المصدر: لها أون لاين