سحر المصري

لقد أصبح الخوف رهاباً وزاد القلب رهفاً واحتياجاً.. وأنا بينهما أسير.. أخاف من عدم القدرة على تحمل الإنفصال الشعوري وتباعد الأحلام والرؤية أو اختلاف الطبع في الإنسانة التي ستصبح زوجتي.. أخشى من عدم استطاعتي تحمّل الغربة داخل البيت! الخوف عندى ليس من مسؤوليات الزواج والأسرة بقدر ما هو خوف من الإرهاق النفسي وغياب الإلفة والسكن الروحي فى شريكة الحياة!!”


بهذه الكلمات بدأ هذا الشاب كلامه حين سألته عن سر إحجامه عن الزواج حتى هذا الوقت.. وفيه من المزايا ما تتمنّاه كلّ فتاة من خُلُقٍ ودينٍ وعِلمٍ ورقيٍّ وفكر.. كان سؤالي مفتاح غارٍ يختلي فيه ليفكّر في مخاوفه فما إن أقدمتُ على فتح بابه حتى تنفّس الصعداء وأخرج مكنون نفسه.. وليس الوحيد الذي يعيش هذه الحال فهناك العديد من الفتيات والشباب الذين باتوا يخشون من الخوض في أمور الزواج فضلاً عن الإقدام على هذه الخطوة نتيجة أسباب كثيرة..

إنّ الحاجة إلى سكن نفسيّ في زوج المستقبل ضرورة مُلِحّة في كلا الجنسين وقد تكبر هذه الحاجة في ظل ظروف دون غيرها ولكنها سُنّة الحياة أن يبدأ الشاب ما أن يعي بالتفتيش عمّن تشاركه عمُره وتودّه وكذا الفتاة تنتظر مَن يقتسم معها حلو الحياة ومُرّها ويرحمها ويحبّها فتركن إليه كثيراً..

على أن هذه الرغبة تكون ممزوجة أحياناً بخوفٍ قد يصل إلى درجة الرهاب ويقف عائقاً يمنع من اتّخاذ القرار فيحجم الشاب والفتاة عن الزواج خوفاً ممّا سيؤول إليه مصيرهما بعده.. ولا ننكر الخوف العادي بحدود معيّنة وهذا أمر أكثر من طبيعي فأي حياة جديدة يُقدِم عليها الإنسان تنتابه تجاهها مخاوف وترقّب فلا يريد أحد أن “يفشل” خاصة إن كانت الحياة كلها مرتكزة على قراره كالزواج مثلاً.. ولكن إن استفحَل هذا الخوف فحينها يكون الأمر مَرَضياً وآثاره وخيمة..

والخوف منبعه أمور كثيرة منها:

- الخوف من المستقبل الجديد والمجهول مع شخص غريب.. فماذا لو لَم يكن هذا الشاب النموذج الذي تطمح في الإرتباط به؟ وماذا لو كانت هذه الفتاة دون مستوى رغبات الشاب ومتطلباته؟

- الخوف من تحمّل المسؤوليّة الملقاة على عاتقها تجاه زوجها وأولادها وبيتها فتخشى أن لا تكون على مستوى هذه المسؤولية.. وكذا الشاب قد يخشى أن لا يكفي بيته مؤونته ويقصِّر في حقهم خاصة إن كان ضيّق اليد..

- الخوف من مشاكل الزواج التي يمكن أن تؤدّي إلى خلاف دائم وصراعات مع الشريك في حال عدم الوصول الى صِيَغ تفاهم بينهما..

- الخوف من كثرة حالات الطلاق التي تحصل في محيط كلٍّ منهما خاصة الطلاق في السنوات الأولى من الزواج وما أكثرها..

- عدم الثقة بالنفس وبالإمكانيات وبالمهارات وبالقدرة على التأقلم في الحياة الجديدة ومواجهة المستجدّات فيها..

- المثالية وطلب الكمال في كل الأمور..

- الخوف من سوء فهم مبدأ القوامة عند الرجل فيكون الآمِر الناهي دون رحمة..

- عدم القدرة من الأساس على تحمّل نفقات الزواج وتبِعاته المادية من مهر وشقة وغيرها.. مع عدم وجود المُعين من أب أو قريب.. وفي أحيانٍ كثيرة يرفض الشاب الإعتماد – بعد الله جل وعلا – على أهل الزوجة في المساعدة لمروءته أو خوفه من التعيير في قابل الأيام..

إلى ما هنالك من أسباب أُخرى كثيرة تجعل الشاب أو الفتاة يتخوّفون من هذه المسؤولية والعلاقة الزوجية المستقبلية..
ولعلاج هذه الظاهرة لا بد من سلسلة خطوات للمقبلين على الزواج وللأهل لعلّ أهمها هي:

- الدعاء أن يطمئنّ القلب ثم طلب الإعانة من الله جلَّ وعلا ليتمّ التخلّص من هذه المشاعر السلبيّة..

- حسن التوكل على الله والإقبال بكلّ ثقة على هذا الأمر بعد الاستخارة والاستشارة والتحلي بحسن الظنّ بالله جل وعلا.. واليقين أنّ على المرء الأخذ بالأسباب وليس عليه النتائج..

- التفاؤل والنظر إلى الزواج نظرة ايجابية من أنه سنّة الحياة وفيه المودّة والسكَن والعفاف ومحضن رواحل الأمّة..

- الالتزام بالخطوات التي تعين على استقرار الزواج منها حسن الاختيار ابتداء ودراسة شاملة للشريك قبل الزواج.. ثم التعرف على كيفية معاملة الزوج وتخطي المشاكل حين تحصل والالتحاق بالدورات التي تُعنى بهذا الجانب..

- التحلي بالواقعية والإيجابيّة وعدم توقع المثاليات في الشريك والزواج والتفكير الدائم أنّ الصبر وحسن التبعّل فيه أجر كبير..

- محاولة الاختلاط ومناقشة هذا الأمر مع آخرين يعيشون حياة هانئة ومستقرة والابتعاد عن مناقشة أمور الزواج مع مَن  يعانون من مشاكل ومصاعب عائلية..

- دراسة سيرة الحبيب عليه الصلاة والسلام لمعرفة كيف كان زوجاً مثالياً وهو القدوة.. وكذلك دراسة الأمور الشرعية في مجال الزواج فحين نلتزم بما فرضه الله جلّ وعلا على أمّته فستكون الثمرة الرضا والسعادة في الدارين بإذنه تعالى..

- على الأهل أن يُحسِنوا تربية أولادهم خاصة الأبناء وتعويدهم منذ الصِغر على تحمّل المسؤولية وعدم الإفراط في التدليل لئلاّ يُحدِث هذا اضطراباً في شخصيّاتهم وقصوراً في تصرّفاتهم..

- وعلى الأهل كذلك عدم التشاجر أمام الأولاد لئلاّ تترسّخ في عقولهم صورة سلبيّة عن الزواج..

- دراسة مفهوم الزواج وماهيته وآثاره النفسية والجسدية حتى يقبِل الشريكَين وقد تفهّما الحياة الجديدة جيداً وأنها وإن كانت مختلفة عن الحياة السابقة بما فيها من أعباء وتكليفات إلا أن فيها من الخير الكثير..

- وأهم أمر السجود في السَحَر والابتهال إلى الله جل وعلا أن يلهم الرشد ويهدي إلى الصواب..

أختي الفتاة.. أخي الشاب.. إنّ الحياة الزوجية ليست ساحة صراع وقهر.. بل هي حياة جديدة فيها من السَكَن النفسي والمودّة والرحمة ما يجعل الإنسان يحطّ رحاله فيها عن طيب خاطر ورضوخ روح.. فما أجمل أن يجد المرء قلباً يحتضن وآلامه ويداً تربت على كتفه وصدراً حنوناً يحتويه ودموعه ونفساً تشاركه فرحه وخلجاته.. أفيبيع هذا كلّه من أجل وساوس تقهره وتُحيل حياته مرّة علقما؟!

وليس منا أحدٌ كامل فعلى كلٍّ من الشريكين قبول العيوب في الآخر ومحاولة تصحيحها بالحُسنى.. وكذلك توطين النفس أنّه بشر يخطئ ويصيب والموازنة بين سيئاته وحسناته.. فإمّا أن يتعايش مع الشريك ويرحم ضعفه وإمّا أن تكون فعلياً ساحة حرب لن يخرج أحدٌ منهما سالماً ولعل الخاس الأكبر فيها سيكون الأطفال إن قدّر الله جل وعلا لهما أن ينجبا.. وسيكون هناك مشاكل ولا بدّ فلكلٍّ شخصيته ولكن يمكن حلّها بكثير صبر وحكمة وتفكير وعزم وإرادة..

ونصيحة أخيرة.. لا تُكثِروا من التحليل والتفكير والاستنتاج لئلاّ تزيدوا الأمر تعقيداً.. فليكن الاختيار كما شرعه الله جلّ وعلا.. ثمّ  الاستخارة والاستشارة والتحقّق من دين وخُلُق وتكافؤ الشريك.. فإذا عزمت.. فتوكّل على الله!

 

 

مدونة الظلال الوارفة

JoomShaper