د. حسان شمسي باشا
غالباً ما ينشأ الخلاف بين الوالدين والأبناء حول المواضيع التالية :
1 ـ قلة المذاكرة والدراسة :
ربما يطلب الوالدان منك أن تعطي دراستك مزيداً من الاهتمام ، وذلك عندما يلاحظان تراجع مستوى تحصيلك ، أو انخفاض معدلاتك في الدراسة . فلماذا تتأففين وتغضبين من ذلك؟! ..
والحقيقة أن كثيراً من البنات حولك يتمنين مثل هذا الاهتمام من أهلهن . ولو أنك نظَّمتِ وقتك ، وزدت قليلاً مستوى تركيزك واهتمامكِ بدراستك لاستطعتِ أن ترفعي مستواك في المدرسة ، فتحصلين على رضا الذات ورضا الوالدين .
2 ـ أنت تسهرين كثيراً :
ربما يتدخل الوالدان إذا وجداك قد أفرطتِ في السهر ، ولم تنالي حظاً كافياً من النوم ، وما ذلك إلا لخوفهما عليك من الإرهاق وضعف التركيز .
وتدخُّل الوالدين يُعدُّ واجباً عليهما تجاهك ، فلماذا تعتبرين ذلك تدخلاً في أمورك الشخصية؟! .
اشكري حرص والديك عليك ، واطلبي منهما برفق بعض التعاون ، كالإقلال من ضجيج الأطفال ، والتحكم في الأصوات المنبعثة من التلفاز وغير ذلك .
3 ـ عدم المشاركة في أعمال المنزل :
كثير من البنات والأبناء من يغفل عن المشاركة في أعمال المنزل ، كترتيب الأسرّة أو ترتيب الكتب والأوراق الخاصة بهم ، أو ترتيب ملابسهم في الخزائن ..
ورغم أن تلك الأعمال صغيرة نسبياً ، إلا أن قيامك بعمل شيء منها يسعد الأم ، ويعطيها بعض الراحة .
فقيامك بتحضير المشروبات الخفيفة للأسرة عندما يُطلب منك ذلك ، أو رعاية إخوتك الصغار ـ في وقت انشغال والدتك ـ يدخل البهجة والسرور في قلوب من يحيط بك في المنزل .
لا تدعي هذه الفرص تفوتك ، بل كوني البادئة بتنفيذها من غير أن يأمرك أحد بها .
لا تتضايقي أو تتفوهي بكلمات غامضة تدل على عدم ترحيبك بالقيام بها ، فقيامك بمثل تلك الأعمال يكسبك الخبرة في هذا المجال ، ويزيد عمق مودتك لأسرتك التي تحمل عنك أعباء الحياة منذ مولدك .
ولو أنك كنتِ ضيفة تقيمين مؤقتاً مع عائلتك لمنعك الحياء من الوقوف متفرجة دون تقديم أي عون لهم ، فكيف بل وأنت الابنة العزيزة لديهم؟! ..
هل تعتقدين أن مشاعر العطاء والسخاء واجبة على الأبوين فقط؟ أم أنه يجب عليك أن تبادليهم المحبة والعطاء! .
لا تستغلي عواطف والديك ، ولا تجعلي الأنانية تسيطر عليك .
كوني ناضجة رغم صغر سنك .. ومتفهمة رغم قلة خبرتك ..
قدِّري ما يقوم به والدك تجاهك بالقول والفعل والمشاركة1 .
4 ـ زيارات الصديقات :
قد ترفض والدتكِ زيارة صديقاتك في منازلهن ، ولا تمانع في استقبالك لهنَّ في منزلك .
حاولي أن تعرّفي والدتك على أمهات صديقاتك ، وربما تقوم والدتك بدعوة صديقاتك وأمهاتهن إلى منزلكم للتعارف .
فلا بدَّ للأم من أن تطمئن إلى أنَّ صديقتك على خلق ودين ، فهذا من حرصها عليك ، ومن محبتها لك ، وليس هذا تقييداً لحريتك أو وقوفاً ضدك .
تذكري أن وجودك مع والديك فرصة لك لكسب الخبرة والتدرب على التعامل السليم في كل زوايا الحياة .
فغداً إن شاء الله ستكون لك حياتك الخاصة بك ، ومنزلك الخاص الذي يضم بين جانبيه شريك الحياة والأبناء ، فتكونين أهلاً لتحمّل المسؤولية ، والسير في درب الحياة .
5 ـ كثرة استخدام الهاتف :
استخدمي الهاتف للضرورة ، وللأشياء المهمة ، وليس للعبث والتسلية ، فهذا ما يشغل خط الهاتف ، ويبدّد الوقت والمال .
6 ـ تصرفات مزعجة :
لا تتصرفي بما يزعج الآخرين كصفق الأبواب بقوة ، أو رفع صوت التلفاز وغيره عن الحد المقبول .
كيف تديرين الحوار؟ :
· تذكري أن اختلافهما معك في الرأي ليس هدفه إلغاء وجودك أو التحكم فيه ، إنما هو بدافع من الحرص عليك ، فأنت أمانة في عنقهما ، وهما مسؤولان عنك أمام الله وأمام الناس .
وحين تتفهمين هذا الأمر جيداً بواقعية وانفتاح ذهني سليم ، سترين أنك كنتِ على وشك ارتكاب خطأ فادح في حق والديك لا يجوز الإتيان به .
· احرصي على أن تبقي باب التفاهم والحوار بينك وبين والديك مفتوحاً ، وحبل المودة موصولاً .
· اسألي عن سبب رفضهما لهذا الأمر أو ذاك ، ولكن ناقشي الأسباب بهدوء وأدب .
· لا تنسي أنك تخاطبين والديك أو أحدهما ، فمخاطبة الوالدين تختلف عن مخاطبة الأخوات والصديقات .
· تحكَّمي في ألفاظك بحيث تكون موزونة وهادئة ، وبعيدة عن العصبية والخطأ . ناقشي والديكِ بالرفق واللين ، وكبح جماح العاطفة ، والعمل بما عليه الشرع والعقل .
· استفيدي من فترة المراهقة بتحسين قدراتك على التفاهم بالحوار المنطقي البناء وتجميل شخصيتك بإطار من سعة الأفق ورحابة الصدر ، وهذا ما يزيد من ثقة والديك فيك ، ويقلل حجم الخوف والقلق عليك .
وهذا ما ينعكس على محيطك الدراسي ، فيسهّل علاقتك بمعلماتك وزميلاتك .
· تذكري دوماً محبة والديك لك ، وإحاطتهما لك بالرعاية والدعاء المستجاب .
· انظري إليهما نظرة إنصاف وعدل وامتنان ، وقدّري لهما ما بذلاه ويبذلانه من أجلك إلى آخر العمر .
· حاولي أن تفهمي لماذا تقف أمك موقفاً سلبياً من هذه القضية؟ ما هي الأسباب التي دفعتها لذلك؟
· استمعي إليها جيداً .. وحاولي أن تفهمي موقفها من كلامها .. واشعر بها أنكِ تستمعين إليها ..
· أظهري تعاطفك معها حتى ولو كنتِ على خلاف معها .. ويمكنك أن تستعملي كلمات مثل : ((كلامكِ صحيح وأقدِّره لك يا أمي)) ، و((أنتِ على صواب وموقفك صحيح بالنسبة لك كأم)) ...
· بعد ذلك برِّري لها موقفك .. أخبريها بشكل مفصَّل ودقيق لماذا تفكِّرين في هذا الأمر .. ولكن استعيني قبل ذلك بكلمات تظهرين لها مدى حرصك على أحاسيسها .. استبقيها بكلمة ((أمي)) كأن تقولي لها : ((أمي .. أفهم كلامك وأقدِّره ولكن لدي رؤية أخرى للأمور أرجو أن تعطيني الفرصة لاشرحها لكِ)) .
· استبدلي بكلماتك القاسية كلمات أخرى لينة ولطيفة ..
وإن كان هنالك فارق كبير في العمر فلا تواجهينها بالقول : اختلافنا في الرؤية سببه اختلاف الجيل .. أنتِ من جيل وأنا من جيل!! .
· احرصي على اختيار الوقت المناسب لعرض الفكرة عليها .
· أظهري لها أنكِ قد تختلفين معها في الرأي إلا أنها تبقى أمك الغالية والحبيبة على قلبك .
· اخفضي لها جناح الذل من الرحمة .. وكلِّميها بكلمات مهذبة .. ولا تستعملي الأسلوب الاستفزازي ؛ فهي أمك التي أوصاكِ الله عزَّ وجل بألا تقولي لها (ﮪ)1 .
· إذا كان أهلكِ شديدين معك ، فتذكَّري أن دافع ذلك في كثير من الأحيان هو حرصهم عليك .
ولهذا أحسني ظنك في دوافع الأهل ، فهم لا يشدِّدون على أبنائهم كرهاً لهم ، أو انتقاماً منهم .
صحيح أننا نراهم يصرخون في أبنائهم ، ويثورون عليهم ، وقد يضربونهم .. ولكنهم إنما يفعلون ذلك لأنهم وجدوهم يقومون بعمل خاطىء ، أو فوجئوا بهم في حالة غير مُرضية .
هل وجدتم أهلاً يضربون ولدهم لأنه تفوق في دراسته ، أو يصرخون في بنت لأنها تؤدي الصلاة وتحافظ عليها؟! ..
إنهم يغضبون إذا وجدوا ولدهم يدخن .. أو ابنتهم تتحدَّث بطريقة غير مهذبة2 .
كيف تكسبين ثقة أبويكِ فيكِ؟ :
احرصي على أن يجدوك حيث يرجون .. وأن يفتقدوك حيث لا يرغبون ..
فحين يجدك الوالدان تعطفين على إخوتك الصغار ، ولا يجدانك تضريبنهم ..
وحين يجدانك تحافظين على صلاتك ، ولا تقصرين فيها ..
وحين يجدانك صادقة في كل أحاديثك ..
وحين يجدانك تؤدين واجباتك المدرسية ..
وحين يجدانك تتحلّين بكل خلق حسن ..
حينذاك تكسبين ثقة والديك .. بل وثقة الناس جميعاً .
كوني صديقة لأمك :
· اجعلي أمك صديقة لك ، مثلما على الأم أن تجعل من ابنتها صديقة لها .
· استشيري أمك فيما تريدين القيام به . قولي لها : ((ما رأيك يا أمي في هذا العمل؟)) .
· لا تسخري من رأي أمك ، أو فكرة من أفكارها ، أو كلمة من كلماتها ، حتى ولو كان رأيها خاطئاً أو كلمتها غير مناسبة .. بل وضّحي لها ما ترينه من خطأ بلطف وأدب .
· إذا أردتِ أن تشيري على أمك برأي فاحرصي على طريقة كلامك وقولي لها : ((هل تأذنين لي يا أمي أن أقول لك رأيي في ذلك)) .
· اعرضي عليها باستمرار مساعدتها في أعمالها المنزلية .
· إذا كنتِ في مجلس فيه أقاربك وامك تتحدَّث ، فلا تقاطعيها ولا تخطّئينها .
· احترمي وعودك لها ، فإذا وعدتِها أن تعودي إلى البيت في السادسة مساءً فاحرصي على أن تكوني في البيت في ذلك الموعد1 .
يقول الشاعر :
لأُمِّكَ حقٌّ لو علمتَ كبيرُ كثيرك يا هذا لديه يسيرُ
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي لها من جواها أنَّةٌ وزفيرُ
وكم غسلتْ عنكَ الأذى بيمينها وما حُجرها إلا لديك سريرُ
وتفديك مما تشتكيهِ بنفسها ومن ثديها شربٌ لديك نميرُ
وكم مرة جاعتْ وأعطتْك قوتَها حناناً وإشفاقاً وأنت صغيرُ
عليك يا بنتي أن تجعلي صلتك بأمك صلة خفض الجناح ، كما صوَّرها القرآن الكريم : (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ)2 .
لا تقولي إنَّ أمك لا تفهم تفكيرك .. فعليكِ أنت أن تجعلي أمك تفهمك يتوددك إليها وطاعتها وخفض جناح الذل من الرحمة ...
ولا شك بأن على الأم ـ في الوقت ذاته ـ أن تدرك أن جيلها يختلف عن جيل ابنتها .. ولكنه مطلوب من البنت أيضاً ـ حتى تجعل أمها تفهمها ـ أن تتودد إليها ، وتتقرَّب منها ، ولا تضيق بتأنيبها .
اختلاف المعاملة بين الأبناء والبنات :
لعلَّ بعض الآباء أو الأمهات يفرِّق في معاملته بين الولد والبنت بطريقة تثير الحقد والكراهية في قلب الفتاة تجاه أخيها .
وينسى هؤلاء الآباء وجوب العدل بين الأبناء ؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول :
((إنَّ عليك من الحق أن تعدل بين ولدك ، كما عليهم من الحق أن يبرّوك))3 .
ولكن العدل بين الأبناء والبنات لا يعني أن يُعامَل الفتى مثل الفتاة في كل الأمور ..
فالفتى في حاجة شديدة إلى الاحتكاك المباشر خارج محيط الأسرة ؛ كأن يرافق والده أو أخاه الكبير ، ليتمكن من تعلم تصريف أمور الأسرة الخارجية .
فلا تكوني ضيقة التفكير فتفسري اختلاف المعاملة على أنه تفضيل له ، وإهمال وتضييق عليكِ . فلا وجه للمقارنة بين الذكر والأنثى في كثير من الأمور ، فكل منهما خُلق ليؤدي وظيفة مختلفة عن الآخر ، ولكنها مكمِّلة لبعضها البعض .
إذا كان تفكيركِ سطحياً ستقولين : أنا أتعلَّم وأخي يتعلَّم ، أنا أعمل وهو يعمل .. أنا أكسب وهو يكسب ، واحياناً أتفوق عليه ، فلماذا يفضِّل أهلي أخي عليَّ ويفرِّقون بيني وبينه في المعاملة؟ .
فإذا كان هذا التفريق في خروج أخيك مع رفاقه من دون رقابة أو اهتمام من أهلك فهذا تقصير منهم في حق أخيك ، وليس تفضيلاً له . ولعلكِ تلفتين نظر والديك إلى مثل هذا الأمر .
تقول الأستاذة (نجنة جميل هاشم) في كتابها (أضواء على الطريق) :
((وأما إذا كانت نظرتكِ أكثر واقعية فإنك ستجدين الاختلاف واضحاً بينك وبين أخيك ، ولا دخل لوالديكِ فيه ..
فأنت تبكين لأبسط الأسباب ، لأن دموعك قريبة جداً ، ولا تجدين حرجاً في انهمارهما من عينيك ..
أما هو فقدرته على التحمل أكثر ، ويخجل أن يرى أحدٌ دموعَه حتى وهو في أشد المواقف صعوبة .
أنت تخافين وتصرخين مستنجدة به وبغيره حينما تشاهدين حشرة تمشي على الأرض ..
بينما هو يمسك بالحشرة ويداعبها ، ويركض خلفك بها ليزيد من رعبك وفزعك .
أنتِ العاطفة والأنوثة .. والرقة والحنان والأمومة ..
وهو العقل والرجولة .. والقوة والجرأة والقيادة .
أنتِ التي تحملين الطفل جنيناً في أحشائك ، ورضيعاً بين يديك تهبينه الرعاية والعناية والاهتمام .
وهو الأب الذي يدفع عنك وعن طفلك المتاعب والآلام وضنك العيش ، ويحمي بعد الله أسرتك ، ويذود عن داره وعن حدود وطنه كل طامع آثم))4 .
والأمثلة كثيرة وعديدة للفروق الطبيعية التي جعلها الله بين الذكر والأنثى ، تستطيعين اكتشافها ، وتزول من نفسك مشاعر التوتر والكراهية لما كنتِ تحسبينه تمييزاً من والديك بينك وبين أخيك .
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ نجاة جميل هاشم ، أضواء على الطريق .
1 ـ الإسراء : 23 . المرجع السابق نفسه .
2 ـ إسلام نجم الدين الشرابي ، كيف تتجنبين الخلافات مع أمك؟ .
1 ـ لحظات يا بنات ، محمد رشيد العويد .
2 ـ الإسراء : 24 .
3 ـ رواه البيهقي .
4 ـ نجاة جميل هاشم ، أضواء على الطريق .