محمد الكلدي : الزواج قرار مصيري ولا يجب اتخاذه على الإنترنت
الشيخ الكبيسي: يخدم الجادين .. لكنه قد يكون باباً من أبواب الفتنة إذا أُسيء استغلاله...
أمينة البلوشي/
تعتبر الانترنت - بحق - معجزة العصر، وذلك للنقلة النوعية التي أحدثتها في مجال الاتصال وجعل العالم قرية واحدة، فضلاً عن ذلك الكم الهائل من المعلومات غير مقيّدة، والتي يمكن الوصول إليها في أي وقت ومن أي مكان، إلا أن هذا المخلوق العجيب أخذ في السنوات الأخيرة يتجاوز حدود الدور الذي رسم له كشبكة للمعلومات والاتصال فقط، ليصبح في بعض الدول العربية "خاطبة " تجمع بين الرؤوس في الحلال، حيث أصبح هذا العالم الافتراضي قبلة لأغلب الباحثين عن الزواج في عالمنا العربي بعد أن تعذر عليهم الحصول على " شريك العمر " بالطرق التقليدية المتعارف عليها، أو الذين يبحثون عن مواصفات لا يجدونها عندهم، وهكذا انتشرت مواقع التعارف والزواج عبر الانترنت وأصبحت تستقبط الكثير من الرواد، منهم الباحثون عن الزواج والألفة بصدق، ومنهم الباحثون عن " الونس " وتضييع الوقت ومنهم دون ذلك .
فهل يمكن أن تحل الشبكة العنكبوتية محل الخاطبة التقليدية التي تسعى بين البيوت ؟ وما هي حظوظ الزواج عن طريقها من النجاح ؟ وقبل هذا وذاك ما رأي الشرع في الزواج على هذه الطريقة ؟ وهل يكون ارتفاع نسبة العنوسة سببا في لجوء الفتيات إلى الإنترنت بحثا عن فارس الأحلام ؟ أم أن غلاء المهور هو السبب في لجوء الشباب إلى مواقع الزواج الإلكترونية ؟.
في البداية، يقول محمد الكلدي، موظف، لا أعتقد أن هذا الاختراع سيُلغي دور الخاطبة التقليدية، فالخاطبة كانت مجرّد وسيط للتوفيق بين رأسين في بالحلال، وكانت تستمد المعلومات من العريس أو أهله ومن الفتاة أو أهلها، مع صورة شخصية للطرفين، ثم تبدأ المحاولة لنشر المودة والألفة بينهما وتقريبهما من بعض، فإذا قبل أحد الطرفين يبدأ الموضوع يأخذ منحى آخر، ويتحوّل دور الخاطبة إلى محاولة لتوطيد العلاقة بين الأسرتين للاتفاق على إتمام الزواج وما يتعلق به من شبكة ومهر وشروط، وأحيانا تكون بعض المعلومات التي تُعطى للخاطبة غير صحيحة، وهذا ليس عيباً في الخاطبة، بل في بعض الناس.

وأضاف: أما اليوم فقد تغيّرت الظروف، وأصبحت الانترنت " خاطبة إلكترونية" تسمح للطرفين بالتواصل مباشرة دون وسيط، لكنني شخصياً، وفي اعتقادي أن الإنسان يجب أن يُواكب تطوّر العصر في كل شيء ويُسايره، إلا في اتخاذ قرارت مصيرية مثل الزواج، فهذه لا يمكن اتخاذها عن طريق الانترنت، لأن الزواج رحلة حياة، ويحتاج إلى قدر كبير من التعارف والتوافق، وهو ما لا يمكن أن يتحقق من خلال الشبكة العنكبوتية .. لذلك لا أراها فكرة صائبة أن يقبل الإنسان على الزواج بهذه الطريقة.

ومن جانبها، قالت أروى، موظفة: أعتقد أن الزواج عن طريق الإنترنت سيكون فاشلاً لأنه يفتقر لأشياء كثيرة أهمها الصراحة، فكثير من الأشخاص الذين يتعارفون عن طريق الانترنت قد لا يصرحون للطرف الآخر بكل التفاصيل المتعلقة بهم.

وأضافت: الزواج مسألة ترتبط بالأرزاق، والنصيب المكتوب للفتاة في سيأتيها، لذلك لا أرى أن تلجأ الفتيات لمثل هذا الزواج، أو حتى تفكر فيه مهما كانت الظروف، لأنه ليست هناك ضمانات لصدق الشاب في العلاقات التي تكون عبر الإنترنت، فقد يبدأ العلاقة بالنفاق وإظهار أفضل ما لديه، ثم بعد الزواج تظهر الحقيقة، كما أن العادات والتقاليد تفرض علينا السؤال عن المتقدم وعن أخلاقه كأن نسأل زملاءه وكل من نعرفهم، أما في حالة زواج الإنترنت فكيف نسأل ونطمئن عن من ستقترن به اختنا أو ابنتنا ؟ الزواج مسؤولية ويجب أن نفكر بالمنطق والعقل وليس بالعاطفة، ثم إن مواقـع الزواج عن طـريق الانترنت تخدم فئات قليلة، ومن رأيي أن الطريقة التقليدية للزواج هي الأفضل لأن الزواج ليس فقط تقارب بين زوجين وإنما هو تقارب بين عائلتين.

وبدوره، رأى قاسم، طالب جامعي، أن الانترنت وسيلة جديدة على الناس وكل جديد يقابل بالرفض في البداية حتى يثبت فعاليته و فائدته، مضيفاً: "نحن مجتمع محافظ ونسبة كبيرة من شبابنا لم يقتنع بالزواج عن طريق الانترنت لأنه قد يتخوف من الفتاة التي تعرض الزواج عن طريق الانترنت، ولهذا يلجؤون للخاطبة لإيجاد شريكة حياته لأنها تكون على اتصال بأهل الفتاة وعلى معرفة بكل شيء عنها وعائلتها وهذا ما لا يعطيه الوسيط الالكتروني".

وقال: من وجهة نظري، اعتبر أن الزواج عبر الإنترنت أمر عادي، وقبل ذلك الزواج قسمة ونصيب سواء كان عبر الانترنت أو عبر الصداقات الاجتماعية أو عبر الأهل والإنسان لا يأخذ إلا نصيبه من الدنيا.

أما أبوطالب، متقاعد، فقال: إن بعض الناس يعتقدون أن سعي الفتاة للزواج ليس عيباً وأنه أفضل من أن تنتظر طويلاً حتى يفوتها قطار الزواج خاصة الفتاة التي لا تعمل، وتقبع في بيتها دون اختلاط مع المجتمع.

مضيفاً: أنا أؤمن أن المرأة خلقها الله مطلوبة بكل ما تملك من مواهب وطاقات، والرجل خلقه طالباً لها فهو الذي يجب أن يبحث عنها سواء بالطريقة التقليدية أو عن طريق الإنترنت، أما عن رأيي الشخصي حول الزواج عن طريق الإنترنت فأنا أرفضه تماماً لأنه يجلب المشاكل، وفي ديننا الحنيف المرأة جوهرة ثمينة لا تُعطى إلا لمن يستحقها، وهي غير معروضة للبيع في الأسواق أو في معارض ليطلع الناس عليها، لذلك لا يحصل عليها إلا زوجها الذي يبذل كل ما في وسعه للحصول عليها.

وتابع: لا أستطيع أن اقترن بامرأة تعرض نفسها في موقع على الانترنت، وكأنني أطلع على موقع لبيع السيارات المستعملة بثمن زهيد، أوكأنها سلعة انتهت صلاحيتها، إن أجمل ما في المرأة هو اعتزازها بنفسها وترفّعها وحياؤها.

واختتم قائلاً: بدلاً من التفكير في الزواج عن طريق الانترنت، يجب أن نفكر في طريقة لمعالجة العنوسة في مجتمعاتنا من خلال تقليل المهور والتساهل مع الشباب، لاعتقادي أن غلاء المهور هو السبب في توجه الشباب للانترنت بحثاً عن الزواج .

ومن ناحيتها، قالت نهى عبدالعزيز، موظفة، إن الزواج عبر الإنترنت موضوع غريب، لكنه قد ينجح إذا توافرت فيه شروط، أهمها حسن النية والصدق بين الطرفين، فإذا بُنيت العلاقة بين الطرفين على الحب و الصدق والتفاهم منذ البداية فلا ضرر في ذلك، بل على العكس قد يحل هذا الزواج مشكلة الطلاق المبكر الذي يحدث قبل الزفاف نتيجة عدم فهم الزوجين لبعضهما البعض.
وأضافت: هذا النوع من الزواج لا يُعتبر إهانة للفتاة كما يعتقد البعض، بل إنه ستر لها وطريق لتحقيق حلمها بدل أن تخلد ببيت أبيها دون زواج وتنجو من كلام الناس ومن نظرة المجتمع القاسية.

وبدوره، قال الشيخ طارق الكبيسي، مأذون الدوحة، إن الإنترنت صورة من صور العولمة التكنولوجية، وهي وسيلة عصرية يستخدمها الإنسان اليوم في كل مجالات حياته ويُوظفها في تسهيل وتيسير أمور حياته.
وأضاف: أما بخصوص الزواج عن طريق الانترنت، فإن هذا النوع من الزواج يختلف عما كنا نعرفه سابقاً، وهو أحد تجليات العصر، ويختلف عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث إن الزواج يحتاج إلى خطبة من ولي المرأة وإلى موافقتها وأخذ إذنها، كما يحتاج إلى إعادة النظر إليها في وجود أهلها وكذلك يحتاج أيضًا إلى عقد نكاح عند مأذون شرعي أو قاضٍ في أحد المحاكم الشرعية، إضافة إلى إثبات الشروط ومقدار المهر وحضور الشاهدين، فهذه الشروط قد لا تحصل إذا كان العقد عن طريق هذه الغُرف المُوجودة بالإنترنت.

وتابع: هذه الطريقة في الزواج قد تخدم الجادين ممن يريدون الزواج والستر، لكنه يُعتبر باباً من أبواب الفتنة إذا تم استغلاله بطريقة سيئة من قبل الفتاة أو الشاب، فقد تكون الفتاة كبيرة في السن ومطلقة ولكنها تخدع الشاب بكلامها ووصفها لذاتها، أو قد تغريه بما تملك من مال وثروة، والعكس صحيح كأن يستغل أحدهم الفتاة ويعدها بالزواج فتقابله بنية الزواج ثم تُفاجأ بأن هذا الشاب ما هو إلا ذئب مفترس، حيث إن هذه المواقع الخاصة بالزواج على الانترنت يدخلها الجميع والغالبية من العابثين الذين يبحثون عن اللهو وتقضيه الوقت لا أكثر، وهذا بالتالي يُؤدي إلى جرح الفتاة التي تظن أن هذا الشخص الذي يتصل هو إنسان جاد يريد الزواج والاستقرار، وقد يكون هذا النوع من الزواج مفتاحاً للزنا والعياذ بالله لأنه يسمح للطرفين بالتواصل المباشر.

واختتم: على من يريد الزواج، رجلاً كان أو امرأة، أن يتقي الله تعالى، ويُفوّض أمره إليه، ويُلحّ على ربّه الكريم في الدعاء، ويرضى بما يُقدره الله له ويقضيه، ويبحث عن الزواج بالطرق المشروعة المعهودة، فيُوصي من يثق بدينه وورعه وحفظه للسر بالبحث له في محيطه وفيما حوله، فعسى أن يكون لديه خبر عمن يصلح لما يُريد.

JoomShaper