للمرأة دور فاعل في المجتمع والأسرة
موسى الأسود
تعد الزوجة مساوية للزوج في العلاقة الزوجية، حتى إن القرآن يسمي كلا منهما زوجا فالرجل زوج، والمرأة زوج، لان كلا منهما - وان كان فردا في ذاته - يحمل هموم الاخر وحاجاته، فهو زوج في الحقيقة. ونرى قوله تبارك وتعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة» الروم: من الآية 21، «والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لك من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات» النحل: من الآية 72، هذا الخطاب في الآيتين للرجال والنساء جميعاً، إذ لا دليل على اختصاص الخطاب بالرجال. وفي الآية التي خاطب الله تبارك وتعالى بها الرجال خاصة، ذكر بعدها ما يفيد تساوي الجنسين في العلاقة الزوجية، وذلك قوله تبارك وتعالى: «أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن» البقرة: من الآية 187، فالمرأة بمنزلة اللباس للرجل والرجل بمنزلة اللباس للمرأة، بما توحي به كلمة اللباس من القرب واللصوق والدفء والستر والزينة.
يقول المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث: وهذا التساوي في الاصل لا ينفي ان يختص الرجل ببعض ما يتميز به عن المرأة، مثل «القوامة» على الأسرة، كما قال سبحانه وتعالى: «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم» النساء: من الآية 34. ومن روائع البيان القرآني هنا أنه لم يقل «بما فضلهم على النساء» بل قال: «بما فضل الله بعضهم على بعض»، أي أن الرجل مفضل من بعض الأوجه، والمرأة مفضلة من أوجه أخرى، كالجانب العاطفي، والرجل هو الذي يدفع المهر ويؤسس البيت وينفق عليه، فإذا حاول أن يهدم الأسرة فانما يهدمها على أم رأسه! وقد أرشد القرآن إلى أن الحقوق بين الطرفين مساوية للواجبات إلا ما استثني، وذلك في قوله تبارك وتعالى: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة» البقرة: من الآية 228، وجاء عن ابن عباس: «أتجمل لامرأتي كما تتجمل هي لي»، واستدل بالآية الكريمة. وقد فسر الإمام الطبري الدرجة في الآية بمزيد من الأعباء المطلوبة من الرجل، وفسرها غيره بدرجة القوامة على الأسرة، وكلاهما تفسير صحيح. والنبي صلى الله عليه وسلم يحمل كلاً من الزوجين المسؤولية، كما في حديث ابن عمر المتفق عليه «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها».
مسؤولية المرأة
ومسؤولية المرأة في بيت زوجها توجب عليها أن يكون لها دور توجيهي وإرشادي تجاه زوجها، يقوم على النصح له وحب الخير والسداد له، ودعوته الى الخير وأمره بالمعروف اذا قصر فيه، ونهيه عن المنكر اذا وقع فيه، فهذا واجب على كل مسلم تجاه المسلم، حتى الابن مع أبيه، والتلميذ مع أستاذه، والمحكوم مع الحاكم، وكذلك الزوجة مع زوجها، ولكن في حدود وضوابط معينة ذكرها العلماء في مظانها،
والله تبارك وتعالى يقول «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» التوبة: من الآية 71، والعلاقة الزوجية لا تسقط فرضية الأمر والنهي بل تؤكدها. وقد كانت المرأة من نساء السلف تقول لزوجها إذا خرج من البيت للتجارة والضرب في الأرض: «يا أبا فلان، إياك وكسب الحرام فإنا نصبر على الجوع والطوى، ولا نصبر على حر النار وغضب الجبار»! ولو وجدت المرأة زوجها يقصر في أداء الصلاة المفروضة، فالواجب عليها ان تأمره بالرفق وبالموعظة الحسنة بأن يحافظ على صلاته، ولو وجدته يشرب الخمر، فعليها أن تنهاه عن أم الخبائث وتنصحه بأن يحافظ على دينه ونفسه وماله وولده باجتناب هذا الرجل من عمل الشيطان، ولو وجدته يهمل رعاية أولاده أو النفقة عليهم، فليزمها أن تنصحه وتحضه على أن يقوم بواجبه.
سلطة مقيدة
إن قيل: هل للزوج سلطة على زوجته والى أي حد؟ فالجواب: ان للزوج سلطة «القوامة»، ولكنها ليست سلطة مطلقة، بل هي سلطة مقيدة بأحكام الشرع ومقتضيات العرف. فأحكام الأسرة مقيدة في القرآن الكريم بقيدين:
أحدهما: «رباني»، وهو ما سماه القرآن «حدود الله» وقد تكررت كثيراً في شأن الاسرة.
والثاني: «إنساني»، وهو ما سماه القرآن «المعروف» وهو ما تعرفه الفطر السليمة والعقول الرشيدة وأهل الفضل من الناس. نقرأ في القيد الأول قوله تعالى في شأن الطلاق: «تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون» البقرة: من الآية 229، وفي مقام آخر بقوله: «وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون» البقرة: من الآية 230، وفي سورة الطلاق بقوله تبارك وتعالى «وتلك حدود الله، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه» الطلاق: من الآية 1. وفي القيد الإنساني بقوله تبارك وتعالى: «وعاشروهن بالمعروف» النساء: من الآية 19، وقوله تبارك وتعالى «وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف» البقرة: من الآية 233، وقوله: «فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف» الطلاق: من الآية2، وقوله: «وللمطلقات متاع بالمعروف» البقرة: من الآية 241. والأصل «أن يتم أمر الأسرة بالتشاور فيما بين الزوجين، والتشاور لا يثمر إلا خيراً»، وقد أشار إلى ذلك القرآن في قضية فطام الطفل الرضيع، كما قال تبارك وتعالى: «فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور، فلا جناح عليهما» البقرة: من الآية 233، فإن اختلفا فالزوج هو صاحب السلطة في إطار المعروف، ولا يجوز له أن يفرض على المرأة أهواءه باسم الطاعة الواجبة، فإنما يطاع في المعروف لا في غيره، بدليل قوله تعالى في بيعة النساء لرسول الله صلى الله عليه وسلم «ولا يعصينك في معروف» الممتحنة: من الآية 12، وفي الحديث المتفق عليه: «إنما الطاعة في المعروف».
للتواصل
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
التساوي بين الزوجين في الحقوق والواجبات الزوجية
- التفاصيل