عبدالعظيم نصر المشيخص
القرآن الكريم قد ترك بلا شك في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) وصحابته الكرام رضوان الله عليهم، الأثر الأكبر من معالم التربية الإسلامية، التي أمر الله نبيه (صلى الله عليه وسلم) أن يربي بها صحابته الأجلاء، وقد شهدت بذلك عائشة زوج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقالت في وصفه: (كان خلقه القرآن)، بل إن شهادة الحق تبارك وتعالى قد سبقت كل شهادة، قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا) (الفرقان/ 32)، فها هنا إشارتان تربويتان هما:
1- تثبيت الفؤاد وترسيخ الإيمان.
2- تعليم الترتيل، في قراءة القرآن الكريم، وفيها نزلت التوصيات التربوية صريحة من الله إلى رسوله الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم)، وذلك قوله تعالى: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَجعَلَ بِهِ) (القيامة/ 16)، وحياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سلمه وحربه في حِلّه وترحاله في داره وبين أهله وصحابته والناس جميعاً، كلها تشهد بما شهدت به نساؤه وأصحابه، أنّه كان خلقه القرآن الكريم، فكان القرآن له الأثر الكبير في صقل سلوكيات المجتمع الإسلامي الذي عايشه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والأئمة الهداة والصحابة الميامين، والعلماء.
والسر في ذلك أنّ للقرآن أسلوباً رائعاً ومزايا فريدة في تربية المرء على الإيمان بوحدانية الله وعالم الآخرة، كما وأنّه يفرض الإقناع العقلي المقترن بإثارة العواطف والإنفعالات الإنسانية، فهو بذلك يربي العقل والعاطفة جميعاً، متماشياً مع فطرة الإنسان في البساطة وعدم التكلف، وطرق باب العقل مع القلب مباشرة.
بحيث يبدأ القرآن الكريم من المحسوس المشهود المسلم به: كالمطر، والرياح، والنبات، والرعد، والبرق، ثمّ ينتقل إلى إستلزام وجود الله وعظمته وقدرته وسائر صفات الكمال، مع إتّخاذ أسلوب الإستفهام أحياناً، إمّا الربانية: كالخضوع، والشكر، ومحبة الله، والخشوع له، ثمّ تأتي العبادات والسلوك المثالي تطبيقاً عملياً للأخلاق الربانية العالية.
ولعل أوضح مثال على هذا الأسلوب التربوي يتضح في سورة (الرحمن) حيث يذكرنا الله تعالى بنعمه ودلائل قدرته، بادئاً من الإنسان، وقدرته على التعليم، إلى ما سخر الله له من شمس وقمر ونجوم وأشجار وفاكهة وثمار ونبع، إلى ما خلق من السماء والأرض، وعند كل آية عدة آيات إستفهامية تضع القارئ أمام الحس والوجدان وصوت القلب والضمير، فلا يستطيع أن ينكر ما يحس به ويستجيب له عقله وقلبه، وقد تكرر هذا الإستفهام (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (الرحمن/ 13)، إحدى وثلاثين مرّة في هذه السورة المباركة، وفي كل مرة يثير إنفعالاً يختلف بحسب الآية التي تسبقه.
- السنة المطهرة مصدر ثانٍ للتربية الإسلامية:
كما تعتمد التربية الأسرية على معالم السنة المطهرة التي هي مصدر ثانٍ من مصادرنا التربوية، بحيث ترتشف التربية الإسلامية منها معالمها ومناهجها وضوابطها الشرعية والأخلاقية والعلمية، لأنّها هي بذاتها في تعريفنا لها: إنّها الطريقة والأسلوب والنهج، وعند الأصوليين، هي ما نقل عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) من قول وفعل وتقرير، فهو حجة على جميع العباد، فما تركه النبي (صلى الله عليه وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام) من أقوال، وأفعال، وصفات، ونهي، وأمر، وما أحب، وما كره، وغزواته وأحواله وحياته كلها عند المسلمين مصدر تربوي كبير ونهج قويم.
لذلك نجد في شخصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مربياً عظيماً ذا أسلوب تربوي فذ، يراعي حاجيات الطفولة وطبيعتها، ويأمر بمخاطبة الناس على قدر عقولهم، أي يراعي الفروق الفردية بينهم، كما يراعي مواهبهم وإستعداداتهم وطبائعهم، يراعي في المرأة أنوثتها، وفي الرجل رجولته وقامته، وفي الكهل كهولته... فيجود بالمال لمن يحب المال حتى يتألف قلبه، ويقرب إليه من يحب المكانة لأنّه في قومه ذو مكانة، وهو في خلال ذلك كله يدعوهم إلى الله وإلى تطبيق شريعته، لتكميل فطرتهم وتهذيب نفوسهم شيئاً فشيئاً، وتوحيد نوازعهم وقلوبهم، وتوجيه طاقاتهم وحسن إستغلالها للخير والسمو، من طاقات العقل، وطاقات الجسم، وطاقات الروح لتعمل معاً ضمن نطاق واحد ونحو هدف واحد أسمى، لذلك أدرك العلماء هذه الحقيقة فألفوا كتباً كثيرة حول هذه الحقيقة التربوية في نهج رسول الإنسانية محمد (صلى الله عليه وسلم).
المصدر: كتاب الإنحرافات الإجتماعية مشكلات وحلول
www.balagh.com
الأسرة من منظور قرآني
- التفاصيل