د.فاطمة عمر نصيف
الأنباء
الحلقة الولى
استهدفت العولمة في العقود الأخيرة من القرن العشرين الاجتماع والثقافة، وركزت تركيزا خاصا على الأسرة، ـ نواة المجتمع ـ وسعت جاهدة لضرب مواطن القوة في المجتمعات بفرض أنظمة وقوانين من شأنها أن تجعل النظام الأسري والاجتماعي واحدا وقد كان تركيز أعداء الإسلام أيضا على شخص «المرأة»، إذ انها حجر الزاوية في الأسرة وهي بيت القصيد واستخدموا الجمعيات النسائية التي يمولونها، ومؤتمرات المرأة والإسكان ووسائل أخرى كثيرة للوصول إلى غاياتهم وأهدافهم، كان من نتائج هذه المعاملة السيئة للنساء أن هبط مستوى تربية الناشئة وظهرت صور مشوهة للمسلمين فأساءوا بذلك للدين الإسلامي الذي ينتسبون له، مما جعل النظام العالمي الجديد يعمق وجوده في المجتمعات الإسلامية الأمر الذي دفع د.فاطمة عمر نصيف للكتابة في هذا الموضوع عبر كتابها: «الأسرة المسلمة في زمن العولمة» اذ نادت فيه بضرورة تنبه المسلمين والمسلمات من الأخطار المحيطة بهم، وحثهم على اتخاذ الخطوات اللازمة، ووضع الخطط المحكمة لمواجهة هذه التحديات، وغيرها من المواضيع التي تطرق لها الكتاب الذي تنشره «الأنباء» على حلقات.
الرسالة العالمية
الرسالة في اللغة: من أرسل وإرسال. ويقال تراسل القوم أي أرسل بعضهم إلى بعض.
الرسول: الرسالة والمرسل.
وأنشد الجوهري في الرسول:

ألا أبلغ أبا عمر رسولا
بأني في فتاحتكم غني

والرسول معناه في اللغة: الذي يتابع أخبار الذي بعثه.
قال تعالى: (إنّا رسول رب العالمين) أي ذوي رسالة رب العالمين.
والرسالة في الاصطلاح: هي الرسالة التي جاء بها خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام، وهي (الإسلام) وسميت الرسالة العالمية لقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، ولقد بعثه الله للناس كافة، قال تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا). وهذه الآيات تدل دلالة واضحة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعثه رب العالمين لكل الشعوب والقبائل بمختلف أشكالها وألوانها، بمختلف مللها ومذاهبها في شتى البقاع ومختلف الأزمان بالدين الكامل والتشريعات الصالحة لكل زمان ومكان، وهذا ما شهد به الحق تبارك وتعالى، فقد أكد ـ سبحانه ـ هذه الحقيقة في مواضع كثيرة وبأساليب عديدة وفي سور متعددة ومناسبات مختلفة، قال تعالى: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا).

فالدين الإسلامي هو دين الإنسانية العام ولا يقبل الله من الناس دينا غيره، وقد وعد الله بأن يظهره على سائر الأديان كلها ولو كره الكافرون. وهذه الدعوة العالمية تتطلب شخصية عظيمة، ورسولا كريما مصطفى مختارا يحمل من الصفات الإنسانية أجلها وأكرمها ليتحمل تبليغ هذه الرسالة العالمية.
فاختار الله محمد بن عبدالله سيد ولد آدم إماما للأنبياء وخاتما للمرسلين فكان خير خلق الله أجمعين.
فالنداء في قوله (يا أيها الناس) يؤكد على عالمية هذه الدعوة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم مكلف بتبليغ دعوة التوحيد لجميع الناس.
والغاية من بعثته هي إبلاغ رسالة ربه، ونشر رسالة الحضارة الإسلامية الكاملة الشاملة لجوانب الحياة المادية والروحية في توازن واتساق، ولأنها الرسالة العالمية ولابد وأن تبلغ لكل من يعيش على هذه الأرض.
قال تعالى: (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته). قيل معناه بلغ أي أظهر التبليغ. قال ابن عباس: المعنى بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك فإن كتمت شيئا منه فما بلغت رسالته.

وهذا توجيه للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته كافة بنشر رسالة الإسلام وإبلاغها للبشرية كلها، وأكد على هذا بقوله: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني).
وبهذه الآية يتوجب على كل مسلم مكلف ـ حسب قدرته ـ تبليغ ما جاءت به الرسالة العالمية لجميع الناس بكل الوسائل المشروعة المتاحة.
وقد خص القرآن أهل الكتاب (اليهود والنصارى) بالنداء. قال تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون).
وقد نفذ الرسول صلى الله عليه وسلم أمر ربه ودعا أهل الكتاب إلى دين الله، فكتب إلى الملوك والأمراء في الأمصار وأرسل لهم الرسل، فقد روى البخاري ضمن حديث طويل نص الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك الروم هرقل: «بسم الله الرحمن الرحيم.. من محمد بن عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين».

وقد أقر هذه الحقيقة الكثير من المستشرقين واعترفوا بها ونشروا اعترافاتهم للناس، ومن هؤلاء الكاتب الفرنسي الكبير (أديسون) الذي قال: وبلغ محمد الدعوة إلى أكثر ملوك الأرض، ذلك أن الإسلام لم يكن دينا للعرب، وإنما دين الإنسانية من أدنى الأرض إلى أقصاها.. ويستنكر المؤرخ الإنجليزي (أرنولد) قول من يزعم بأن الدعوة الإسلامية ليست دعوة عالمية فيقول: «ومن الغريب أن ينكر بعض المؤرخين أن الإسلام قد قصد به مؤسسه في بادئ الأمر أن يكون دينا عالميا برغم هذه الآيات البينات».

وتقول د.لورا فيشيا فاغليري الإيطالية «إن حكمة الله وحده كانت مسؤولة عن رسالة محمد، آخر الأنبياء الكبار حملة الشرائع، والنبي الذي ختم سلسلتهم إلى الأبد. إن مثل هذه الرسالة كان يتعين عليها أن تكون رسالة عالمية لجميع أفراد الجنس البشري من غير تمييز، وعلى اختلاف الجنسيات والأوطان والأعراق».

ولقد بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة بما ينفعهم في معاشهم ومعادهم. وعلينا نحن كمسلمين أن نقوم بهذا الواجب فنبلغ هذه الرسالة العالمية، ذات المعالم الواضحة والمبادئ العظيمة والأحكام القيمة، فهي الرسالة ذات الخصائص الفريدة التي تميزت بها على كل الرسالات، والتي من أهمها:

1 - أنها جاءت بتشريع واضح لكل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية، وبميزان دقيق يبين الحقوق والواجبات.
2 - أن قانونها منضبط، بميزان العدل الذي لا يحابي أحدا ولا يظلم أحدا.
3 - أن المساواة هي المنظور الواقعي الذي تتعامل به مع كافة الشعوب والأفراد الذين ينضمون إليها ويعيشون تحت لوائها.
4 - أن نظامها السياسي يقوم على الشورى والعدل والوفاء بالعهد.
5 - أن عمــــــارة الأرض ونفع الناس من أهم أهدافها.
6 - أن القوانين المالية تحكمها الدقة في الضبط والطهارة في التعامل على قاعدة «لا ضرر ولا ضرار».
ان العلم هو أول منطلقاتها، فأول الواجبات في هذه الرسالة القراءة. لقوله تعالى: (اقرأ)، ليخدم العلم الحضارة الإنسانية وليقبل الناس عليه بعقيدة وحب ليبرزوا في كل المجالات.
7 - أن الأخلاق الفاضلة هي المرتكز الأساسي في العقيدة والعبادات وكل العلاقات الاجتماعية وكل أنواع المعاملات.

هذه الخصائص هي التي أهلتها لأن تكون الرسالة الإنسانية العالمية والحضارة العلمية الأخلاقية التي تقدم للناس كل ما ينفعهم.

 

JoomShaper