إسراء البدر
يستند العنف والقمع الذي تُمارِسه الأنظمة العربية تجاه شعوبها إلى موروثٍ ثقافيٍّ موجود في البنية النفسية والفكرية والقبلية في تلك المجتمعات بالإضافة إلى استبداد تلك الأنظمة, وهو ما يظهر في أساليب تعامل المواطنين مع بعضهم البعض, وتعاملهم كذلك مع أبنائهم, حيث يختزلون العملية التربوية في القمع والمنع, وهذا الأمر يُقلِّص مساحة الحرية والحوارات لفضّ النزاعات والصراعات الأسرية بما فيها خلافات الأبوين مع الأبناء, وهذا القمع غير المبرَّر من الأنظمة تجاه المواطنين هو نفس ما تُمارِسه العملية التربوية من المدرسة والبيت تجاه الطفل.
وقال الدكتور محمد باعبيد مدير مركز موارد المسلم للدعم الاجتماعي والاندماج بكندا لـ"الإسلام اليوم": إنَّ العنف المنزلي وباء منتشر في كل المجتمعات, بصرف النظر عن الخلفية الثقافية أو الدينية أو الاجتماعية, وإن مجتمعاتنا الإسلامية ليست استثناء, وأوضح أنَّ أكثر ضحايا هذا النوع من العنف هم النساء والأطفال, وهو مما يرفضه الإسلام.
فالدين الإسلامي قائم على عدم الاستغلال والاضطهاد, وتنفيذ القيم الإسلامية الموضحة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة للنبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم خير علاج للبُعْد والنَّأْي عن هذا الوباء الخطير؛ فالحياة الأسرية لا تستقيم إلا بتحقيق العدل بين كل أفرداها, ولكن للأسف الشديد هناك من يستمتع بقهر من يحبّ, ومن المهم أن يتعلم أفراد المجتمعات العربية طرق اللا عنف, والطرق الصحية للتواصل فيما بين الأزواج والأطفال.

وبين مؤسّس مشروع "أمان الأسرة المسلمة" أنَّ الشعوب العربية بحاجة إلى نشر ثقافة الإرشاد الأسري والنفسي؛ لأنَّ فيهما ما يساعد على اكتساب مهارات التواصل وفضّ النزاعات بطرق غير عنيفة, وهي الثقافة الغائبة للأسف لدى المجتمعات العربية.

والأحداث الثورية في المنطقة العربية تدلُّ دلالةً واضحةً على أنَّ الظلم والاستبداد مهما بدا قويًّا ومحاطًا بأدوات القمع, إلا أنَّه لا يصمد أمام إرادة الجماهير عندما تعِي مصالحها وتقف صفًا واحدًا أمام جبروت الطغاة, والعنف مهما كانت مبرراته فإنَّه يقود إلى الهاوية, لذلك فإنَّ الخروج من هذه الأزمات وحالات العنف في اليمن وسوريا وغيرهم من البلدان العربية تتمثَّل في قدرة الشارع العربي الثائر على الموازنة بين المقاومة السلمية للعنف المنظَّم من قبل تلك الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة, وبين الإعداد الكافِي لمرحلة ما بعد سقوط  تلك الأنظمة؛ لأنَّ التركيز فقط على مواجهة قمع تلك الأنظمة دون وضع الترتيبات لما بعد سقوطها سيتراكم وينتج عنه مزيد من الصراعات في المستقبل الذي قد يُفْضِي بالنتيجة إلى عدم القدرة على الاستجابة للاستحقاقات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية, وبالتالِي دخول هذه المجتمعات في موجات عنفٍ جديدةٍ لا يُحْمَد عقباها.

ويرَى مدير مركز موارد المسلم للدعم الاجتماعي والاندماج  بكندا أنّ النظرة العامة للمجتمع الكندي عن الثقافة الإسلامية ما زالت تتَّسم بسوء الفهم, خاصة عندما يتعلَّق الأمر بالعلاقة بين الرجل والمرأة, فالصورة السائدة في ذهن المجتمع الكندي بأن الإسلام يسمح للرجل باضطهاد المرأة, وأوضح أنه ضمن توجُّهات مركزه؛ تصحيح تلك المفاهيم الخاطئة بشأن العنف الأسري في المجتمعات الإسلامية, فنظم في هذا السياق مؤتمرًا بالتنسيق مع جامعة ويسترن اونتاريو حضره عدد من الباحثين من جامعات كندا المختلفة وبعض الناشطين والناشطات في مجال حقوق المرأة لوضع استراتجيات توازن لمعالجة موضوعية لظاهرة العنف الأسري في الجاليات الإسلامية شأنها شأن بقية الجاليات وبين عدم الإساءة للإسلام والمسلمين من خلال الترويج للأفكار الخاطئة التي قد توحِي بأن الإسلام يتسامح مع ظاهرة العنف ضد المرأة.

وعن أبناء المسلمين الكنديين القادمين من دول إسلامية أو الأطفال المولودين بكندَا, يرى د. باعبيد أن جزءًا كبيرًا من المشاكل التي يتعرَّض لها أطفال المسلمين في كندا لها علاقة بطريقة الاستجابة للصدمة الثقافية التي تواجهها الأسرة المسلمة المهاجرة, حيث إنَّ الاتجاه العام لهذه الاستجابات تأخذ طابع الانعزال عن المجتمع الكندي واعتباره (الآخر) الذي ينبغي الحذر منه, بينما يندفع الأطفال وخاصة من هم في سنّ المراهقة للذوبان ضمن ثقافة المجتمع الكندي الغربي وهذا الأمر يولّد حالة من الصراع الحاد بين الأجيال المختلفة في الأسرة الواحدة, وقد يؤدِّي الأمر في حالات ليست قليلة إلى تهور الأبوين في استخدام العنف لمنع أطفالهم من الذوبان في المجتمع الكندي, أو التراخي وعدم الاكتراث بهم, وفي كلتا الحالتين يتعرض الأطفال لخطر طمس الهوية الإسلامية لديه.

ودور "مركز موارد المسلم للدعم الاجتماعي والاندماج" الذي تأسَّس عام 2009, يصبّ في اتجاهين رئيسيين, الأول وقائي, ويركِّز أساسًا على توعية الأباء والأمهات حول آثار وآليات الصدمة الثقافية والطرق المثلَى للتعامل معها, والاتجاه الثانِي يتمثل في مساعدة الأبوين والأطفال في تطوير آليات لا عنفية وصحية لمعالجة الصراعات والنزاعات الأسرية وفي حالة تطور الصراع وهو تدخل سلطات حماية الأطفال أو الشرطة.

]

JoomShaper