وسام حمود

الأم هي المكون الأساسي لبناء الأسرة السليمة، وتقع عليها أكبر المسؤوليات في تربية وتنمية الأجيال وغرس القيم والأخلاق في نفوسهم.

انتشرت ظاهرة عمل المرأة وأصبحت الأم امرأة عاملة ورغم دخولها ميدان العمل ظلت تتحمل مسؤولية المنزل وأطفالها وزوجها كاملة، وهو عمل المرأة الأساسي الذي لا يوجد من ينوب عنها فيه فإذا ما غابت عن البيت تراه يتخلخل نفسياً قبل أن يهتز اجتماعياً، الأمر الذي أدى إلى أن تتنازعها قيمتان أساسيتان، القيمة الأولى: موقفها من بيتها وأطفالها وزوجها وضرورة القيام بواجباتها على أكمل وجه، والثانية: موقفها من عملها وضرورة تأديته على أكمل وجه لتكون عاملة على قدر المسؤولية تقوم بالمهام المسندة إليها وبين بيتها وعملها فتكاثر الصعوبات. وقد تتقاعس أحياناً عن أداء دورها الأمومي لتحيلَه إلى الآخرين. وهم كثر... إعلام وتكنولوجيا وخادمات وغير ذلك.
واليوم أصبح غياب الأم المتكرر واقعاً نلمسه في الوقت الحالي، بعض الأمهات يدركن حجم التقصير، ولكن ربما الظروف والالتزامات المادية، أو الرغبة في تحقيق الطموح والذات.
- هل عمل المرأة يعتبر من الضروريات أم إنه حاجة كمالية؟
- هل يعد خروج المرأة للعمل ضرورة أم إنه لإثبات كيانها في المجتمع؟
- كيف ينظر المجتمع إلى هذا الصراع القائم داخل المرأة، هل وقف موقف المتفرج منها أم راح يتهمها بالإهمال وعدم الشعور بالمسؤولية واللامبالاة تجاه بيتها وأطفالها، أم أوجد لها أسباب العذر تحت ثقل متطلبات الحياة؟
- هل تستطيع المرأة العاملة تعويض وسد النقص لدى أسرتها عند خروجها للعمل؟
- كيف تكون علاقة المرأة العاملة بأبنائها؟ وما تأثير ذلك على النواحي العاطفية والتربوية والتعليمية لديهم؟
أسئلة تتمحور حول هذه القضية من دون أن تتوصل إلى نتيجة مقنعة وفي هذا المنطلق طرحت «الوطن» هذه الأسئلة على العديد من ربات المنزل، والموظفات فكان لكل منهن رأي:
سعاد باشا (موظفة) منذ 15 عاماً، تؤكد أنها لولا وظيفتها لما استطاعت هي وزوجها شراء منزل، وهي مؤمنة بأن المرأة يجب أن تقف مع زوجها في كل المراحل، لأن الزوج ليس سوبرمان الذي يحلق ويأتي بحقيبة مملوءة بالنقود ليرميها بين أيدي أطفاله وزوجته، فهي كما لها الحق في الراحة، والاستقرار، والتوازن، هو أيضاً بحاجة إلى من يقف معه ويدعمه، وخاصة في ظل الظروف الاجتماعية، والغلاء الفاحش الذي نعيشه، سعاد لها ثلاثة أولاد تتساءل لو أنها غير موظفة كيف ستكون قادرة على تأمين متطلبات أولادها المدرسية، فمرتب زوجها لا يكفي لهم أبداً، ناهيك عن الأكل والشرب والاحتياجات الأخرى، كما ترى سعاد أنه إضافة إلى مساعدة الزوج، فعمل المرأة يضيف إلى حياتها الشيء الكثير، فهي بسبب العمل لا تتحول إلى امرأة تقليدية، تقتصر حياتها على مجالسة الجيران، أما بالنسبة للأطفال وتربيتهم فتقول سعاد إنها تحاول قدر الإمكان أن توفق بين عملها وأولادها حتى لو كانت متعبة، وهي تعلم بحجم المسؤولية الكبيرة، ولكن الزوج له دور أيضاً فعليه مساعدتها في احتوائهم واستيعابهم، وسماع مشكلاتهم.
نورا محمد تتحدث عن معاناة مختلفة تماماً، فهي مع عمل المرأة، ولكنها ترفض أن تعمل من أجل مساعدة زوجها فقط، فنورا موظفة من 10 سنوات، وطوال فترة عملها كانت تقدم مرتبها الشهري إلى زوجها بطيبة خاطر، ولكن للأسف هو لم يقدر وكانت النتيجة الطلاق، نورا لديها أربعة أطفال تتولى هي رعايتهم واحتضانهم، وتقول لو أنها غير موظفة من سيصرف على أطفالها، ففي وقتنا الحاضر لا أحد يتحمل أحداً، لا الأهل ولا غيرهم، فهي بعد طلاقها استأجرت منزلاً ضمت أولادها إلى حضنها، وتقوم بواجبها اتجاههم على أكمل وجه، كما أنها لا تكترث لكل ما يقال أو يتردد حول أنها تترك أطفالها ساعات العمل، فهم لا يعلمون كم قطعة تقطع نفسها من أجلهم، فهي تعطيهم ما تبقى من نهارها لساعات متأخرة من الليل، تأخذهم في رحلات ترفيهية، وتستمع كصديق لكل ما يقولون، وتتمنى في النهاية أن تكون فعلاً قادرة على قيادة دفة الحياة بشكل لا يؤثر عليهم في المستقبل ولكن هذه الظروف ماذا أفعل؟
تماضر (ربة منزل)، خريجة معهد تجارة، وأم لطفل واحد، تشكو من الملل وخاصة أن حياتها قبل الزواج كانت مملوءة، بالدراسة، والعمل، فقد كانت موظفة، ولكن زوجها اشترط عليها الاستقالة، والتفرغ له ولبيتها، فلبت بطيبة خاطر، لكنها لم تتوقع أن الوقت سيكون عليها ثقيلاً لهذه الدرجة، تماضر تؤكد أن المرأة يجب أن تكون عاملة، لأن العمل يحقق لها أشياء كثيرة ربما تكون غائبة عن بال زوجها، كالاختلاط بنماذج كثيرة من البشر، ما يجعل خبرتها واسعة في الحياة، وقادرة على التعاطي مع الأمور بشكل أفضل، تماضر ترى أن المرأة العاملة هي وحدها القادرة على التنسيق بين بيتها، وأطفالها، وزوجها، لأنه لا أحد غيرها يمكن أن ينظم الأمور، وليس بالضرورة أن تكون المرأة الموظفة فاشلة في حياتها الأسرية، والدليل أن هناك الكثير من السيدات في العالم، احتللن مكانة سياسية رفيعة، وغير سياسية، ولكنهن ليس فاشلات في الحياة المنزلية، فهذه ليست قاعدة.
جمانة (ربة منزل) وأم لثلاث صبايا وشاب، وهي جدة أيضاً، ترى أن الأمومة أهم شيء في حياة المرأة، والأبناء هم الروح، والقلب، فالأم تقوم بكل واجباتها تجاه أطفالها، وتشعر أحياناً بالتقصير، فكيف إذا كانت موظفة، فطبيعي لن تكون كالمتفرغة لبيتها، فهناك أمور وتفاصيل كثيرة عن أولادها ستغيب عنها، وستكون ممزقة بين البيت والعمل، وأحياناً عندما تكون متعبة من العمل تكون غير قادرة على الاستماع إليهم، وبرأي جمانة الأم خلال عملها هي مضطرة للتغيب عن أولادها لساعات، ما أدراها ماذا يفعل أولادها في هذا الوقت، وما أدراها مع من تتحدث ابنتها على الهاتف، وابنها يرافق من، إضافة إلى التقصير الذي يمكن أن يلحق بالزوج، جمانة تقول إنها ترفض مبدأ عمل المرأة المتزوجة، لأنها، تكون بجانب أبنائها ومع ذلك يقعون في المشكلات ويحتاجون إليها، وهذا الكلام عن تجربة، فهي ليست موظفة، ومع ذلك تعرضت مرة لأزمة مع ابنها الذي تعرف إلى مجموعة شباب كاد يضيع من ورائهم لولا حكمتها وزوجها، فكيف سيكون الحال لو أني لم أكن متفرغة له، كان سيضيع مني.
إذاً الظروف هي التي تفرض نفسها على حياة المرأة، فالكثيرات يعملن من أجل لقمة العيش، وكثيرات يعملن من أجل إثبات الذات، وأخريات يعملن من أجل مساندة رجل يستحق، ومع ذلك سيبقى الباب مفتوحاً لأسئلة لا يكف المرشد الاجتماعي، بل المجتمع بأكمله يطرحها.
هل المرأة خلقت لتكون لوحة على جدران المنزل، أم إنها مخلوق يستحق أن يكون روحاً تتحرك على الأرض، لتضفي أينما حلت بريقاً من الإبداع، والتعاون، وإن أردنا طرح أسماء لمبدعات، فكل صفحات «الوطن» لا تكفي.

صحيفة الوطن السورية

JoomShaper