أم عبد الرحمن محمد يوسف
أخي/أختي الزوجة:
اجلسا في حديقة وتأملا ما فيها من أزهار وأشجار وأوراق الأشجار، ماذا تحتاج لكي تنمو، وكيف يكون حالها مع اختلاف فصول السنة.
إن العلاقة الزوجية تشبه إلى حد كبير الحديقة، ولكي تزدهر لابد أن تُسقى بانتظام وتعطى اهتمامًا خاصًا، فلابد من رش البذور الجديدة، وقلع الحشائش الضارة.
فهي تحتاج إلى رعاية دائمة، وفي الوقت نفسه يمر عليها فصول ومتغيرات، ولكي يبقى سحر الحب حيًا بين الزوجين لابد من فهم فصول الحب.
ربيع الحب:
(هو وقت البراءة حيث يبدو الحب أدبيًا، ويبدو الحبيب كاملًا، ويبدو كل شيء في الحياة ناجحًا بلا عناء.
صيف الحب:
في هذا الفصل من فصول الحب ندرك أن الحبيب ليس كاملًا إلى الدرجة التي ظننا أنه عليها، فهو إنسان يخطئ ولديه نقص في بعض النواحي.
كما أننا نكتشف أننا لسنا سعداء دائمًا.
وهنا يرتبك بعض الأزواج فلا يبذلون الجهد من أجل علاقة الحب مع شريك الحياة، وفي ذات الوقت يريدون أن يبقى للحب ربيعه، إنهم لا يدركون أنه لكي يبقى للحب ربيعه لابد من العمل الجاد تحت شمس صيفه الحارة.
خريف الحب:
حين نرعى حديقة الحب في صيف، فإننا نحصد نتيجة هذه الرعاية في خريف الحب، حيث نعيش حبًا أكثر نضجًا مع شريك الحياة، حبًا يقبل ويفهم نقائض شريك الحياة ونقائصنا، وعندها يمكننا أن نستمتع بالحب الذي منعناه.
شتاء الحب:
يتغير طقس الحب, ويأتي شتاء الحب، حيث اشهر الشتاء الباردة، وعندها يكون وقت الراحة حيث نعيش آلامنا وننظر في أنفسنا بحثًا عن الحب والإنجاز في الحياة، إنه شتاء الحب حيث الشفاء من كل الأوهام, وبعده العبور من شتاء الحب إلى ربيعه مرة أخرى، الربيع حيث الأمل وازدهار الحب من جديد) [حتى يبقى الحب، د/ محمد محمد بدري، ص(325-326)، بتصرف يسير].
دورة الزواج:
إن فصول الحب هذه تشبه إلى حد كبير ما يسمى بدورة الزواج.
وهي عبارة عن مراحل نمر فيها جميعًا دون أن نشعر، وإليك هذه المراحل:
1. الانجذاب: وهذا يكون عند بداية التعارف بين الخطيبين، فيحدث بينهما قبول وميل أو لا، وهنا أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالنظر بين المخطوبين حتى يتحقق هذا الانجذاب والقبول فقال صلى الله عليه وسلم، لمن خطب امرأة من الأنصار ولم ينظر إليها: (اذهب فانظر إليها ذلك أحرى أن يؤدم بينكما) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (96)].
2. التقدير:
وفي هذه المرحلة يرى كل واحد منهما أنه قد فاز بهدية جميلة، ويكتشف كل واحد في الآخر ماكان يبحث عنه، ويكون ذلك في فترة العقد، ويفرح ويقدر كل عمل يقوم به الطرف الآخر، فإن أحضر الزوج وردة، فإنها تكون أجمل وردة في نظر الزوجة، وإن أهدت الزوجة برفان للزوج فإنه يكون أجمل برفان امتلكه وشمه في حياته، وهكذا تكون العلاقة بينهما رضا وقبول حتى بالقليل.
3. الارتباط بالزواج:
ويكون الارتباط بالزواج، فلا علاقة بين رجل وامرأة إلا داخل مؤسسة الزواج الشرعي، وفي الزواج يجد الشريكان بعض الاختلافات، ويتم النزول إلى أرض الواقع، فالحب في الزواج أقل خيالية وأكثر عمقًا.
4. التعود:
يتعود الزوجان في هذه المرحلة على بعضهما، ويقل التجمل في القول والفعل فالزوجة مثلًا يقل حرصها على الظهور بالشكل اللائق أمام الزوج، والزوج أيضًا يقل اهتمامه بنفسه وبزوجته ويبدأ في الانغماس أكثر في العمل وتحمل المسئولية.
5. المقارنة:
يبدأ الزوجان في المقارنة بين علاقتهما سابقًا وعلاقتهما الآن، والمقارنة الخارجية بين أشخاص آخرين، فتقول الزوجة لزوجها ليتك مثل زوج فلانة يفعل كذا وكذا، وهو أيضًا يقارنها بغيرها من النساء هل رأيتِ فلانة إنها تفعل كذا وكذا وأنت لا تفعلين هكذا، ويدخل في دوامة المقارنات والتي قد تكون سببًا للأزمات بين الزوجين وسببًا أيضًا للألم.
فنسمع مثلًا زوجة تقول: أتمنى لو أن زوجي يقضي مزيدًا من الوقت مع أولادنا كما يفعل زوج فلانة، هكذا وكأنها تريد أن تقول أن زوجها لا يحب أولاده ولا يضعهم في أولوياته، كما يفعل الزوج الآخر.
وهذه المقارنات يمكنها أن تتسبب في إثارة غضب العديد من الأزواج، وقد تكون هذه الحادثة بداية النهاية لعلاقة الصداقة بينهما.
إن ظاهرة المقارنات والتحدث عن الأزواج، ومقارنة بعضهم ببعض ظاهرة منتشرة لا تكاد تخلو منها مجالس النساء.
إن معظم النساء اللاتي يقارن أزواجهن سواء السعيدات في حياتهن الزوجية أو الشقيات، للأسف لا يخلو حديثهن من الكذب زيادة أو نقصانًا.
فالمقارنة إيجابًا يشوبها الكذب خوفًا من الحسد.
والمقارنة سلبًا يشوبها الكذب أحيانًا، لتقنع الزوجة جليساتها بأحاسيسها وإن كانت زائفة وزوجها ليس بالسيئ تمامًا.
أخي/أختي الزوجة:
عندما تبدأ بالمقارنة بين إنسان تحبه وبين شخص آخر، فأنت قد فتحت الأبواب للمشاكل المحتمل وقوعها، لأن أغلبنا يريد أن يكون محبوبًا لدى الآخرين كما هو عليه، إنه لأمر يدفع للشعور بالإهانة أن نفكر أن شريك حياتنا يتمنى لو أننا كنا نشبه أحدًا آخر.
عندما يقوم شريك حياتك بمقارنتك مع شخص آخر فهو بذلك يعبِّر عن عدم رضاء مؤقت في مشاعره فقط، وبالتالي لن يكون سعيدًا بذلك عندما يتم مقارنته مع شخص آخر.
إن المقارنة بين الأزواج لا فائدة من ورائها، إلا عندما يكون القصد منها التعرف على الأخطاء، والسعي لمعالجتها وتوفير حياة زوجية كريمة، أما إن كانت المقارنة لفرض سلوك معين في علاقة المرأة بزوجها فهذا لن يؤتي ثماره.
6. الخروج:
في هذه المرحلة من الحياة الزوجية، يبتعد الزوجين نفسيًا وجسديًا وهما في نفس البيت، ومن الأزواج من يبتعد عن الآخر بالطلاق والفراق، أو يكون سبب البعد هو السفر أو الانشغال الشديد في العمل وغير ذلك من الأسباب.
7. الرجوع:
وقد يرجع الزوجان بعد الابتعاد ويبدءان مرحلة جديدة من الالتقاء والتفاهم والقرب والحب في أواخر العمر أو قبل ذلك.
الحب يكبر مع كبر الزوجين:
إن الحبيبين في مراحل الزواج الأولى قد لا يخطر في ذهنها أنه (يمكن لحبهما أن ينمو أكثر مما هو عليه، ويعتقدان بأن حبهما في قمته، إلا أن الحقيقة أن حب الأزواج يمكن أن يستمر في النمو، بتغيير في نوعيته، ويكبر مع كبر الزوجة، ومع مواجهتها لمشكلات الحياة وتحدياتها، ومع اشتراكهما معًا في التغيير والتكيف مع علاقتهما المتغيرة باستمرار، إن من الأزواج من يعاني من صعوبات في العلاقة مع شريك الحياة، حتى يصل إلى قناعة أن الحب قد اختفى تمامًا، ولكنهم بمرور الوقت, ومع مواجهة تحديات الحياة يكتشفان نوعية جديدة من الحب بينهما، نوعية ناضجة ومتميزة، نوعية تبني علاقة عاطفية أفضل، وتحقق للزوجين الحياة الطيبة) [التفاهم في الحياة الزوجية، د/ مأمون مبيض، ص(245-246)، بتصرف].
أنت جزء من إنسان آخر:
إن الحب في الزواج (له طعم مختلف، له شكل مختلف، له جوهر مختلف، إنه ذلك الحب الذي تداخل مع كل أنسجة الجسد والروح والنفس واستقر في كل خلية وأصبح يجري مع الدم، ومن شدة أنه داخلي ومنتشر مع الخلايا وفي أعمق الأعماق، فالإنسان لا يراه رؤية العين ولا يحسه على الجلد ولا يشمه بأنفه، ولكننا يمكن أن نراه بالقلب وندركه بالعقل في الأزمات، وحين تتهدد حياتنا، وحين يلوح ما ينذر بانفصالنا، هنا يفيض الحب من الداخل إلى الخارج فيملأ العيون وتنطقه الألسنة وتسمعه الآذان نشيدًا سماويًا خالدًا، يعبر عن حكمة الله في الزواج، وأنه ليس مثل أي علاقة، بل هو توحد، هو ضرورة حياة، وهو التعبير عن أسمى درجات الحب وأعمق درجات الارتباط الإنساني.
في هذا الحب العميق يرى الإنسان نفسه جزءًا من إنسان آخر، ومن خلال هذا الإنسان الآخر، إنه إحساس مختلف من الحب) [متاعب الزواج، د/ عادل صادق، ص(13)].
أعمال الحب:
ومن هنا على الزوجين أن يبذلا الجهد الإيجابي للحفاظ على إحساس الحب، ولا يكون ذلك إلا من خلال أن يتحمل كلا الزوجين مسئوليته عن سعادة الآخر واستقرار الحياة معه، والعمل الدائم على إغناء العلاقة الزوجية وتنمية المحبة فيها من خلال، أن يقوم كل طرف بما يُسمى "أعمال الحب" ويقصد بها (تلك الأعمال الإضافية التطوعية، التي تنم عن المحبة الكبيرة والتقدير العظيم للطرف الآخر، كمفاجأة غير متوقعة وهدية، أو مكالمة هاتفية يعبر فيها عن محبته، أو ورقة صغيرة في الكتاب فيها كلمة حب، وكثير من الأمثلة التي تخطر في ذهن عروسين جدد، ولكنها مع الأسف تغيب عن تفكير الأزواج) [التفاهم في الحياة الزوجية، د/مأمون مبيض، ص(244)].
إن مثل هذه الأعمال تشير إلى اهتمام كل من الزوجين بشريك حياته، وتؤكد أنه يفكر فيه ويرعاه، وهذا هو معنى الحب في كل فصوله.
الحب يحتاج إلى الوقت:
من صفات الأزواج والزوجات الرائعين في الحياة الزوجية أنهما يحافظان على حبهما الزوجي، ويحرصان على تنميته وتطويره، ليكون متوقدًا دائمًا، لأن هناك كثير من الزيجات تفاجأ "بموت الحب" بين الطرفين، فتصبح علاقتهما الزوجية علاقة جافة، ولولا الأبناء لما استمرا في زواجهما.
لقد سمعتها من أكثر من زوجة أنها تعيش من أجل الأبناء، فماذا يفعل الزوجان إذا تزوج الأبناء واستقلوا في بيوتهم، أو على أسوء تقدير إذا سافر الأبناء، وقد يسافرون سفر لا رجعة فيه وهو السفر إلى الله بالوفاة.
لذلك أقول لكل زوجين ابنيا العلاقة بينكما بعيدًا عن الأبناء ثم بعد ذلك ستكون المسئولية مشتركة بينكما تجاه الأبناء.
وهذا يحتاج إلى وقت، فالحب وبناء الحب يحتاج إلى الوقت، وقد نسمع هذه العبارة كثيرًا (لا أجد وقتًا كافيًا لأجلس معك) فكل من الزوجين مشغول بأعماله واهتماماته، ولا وقت لديه للطرف الآخر.
الخطأ هنا يقع من بعض الأزواج حين يجد أن علاقته حسنة بشريك حياته، فيتوقف عن استثمار الوقت في تقوية هذه العلاقة وتنميتها، بينما الواقع يؤكد أن نمو الحب بين الزوجين، لن يحصل ما لم يستثمر كل من الزوجين الوقت والجهد المطلوب في رعاية الطرف الآخر.
أنا أعرف أن الحياة بعد فترة من الزواج تصبح مثقلة بعبء السعي لتحقيق المستقبل وتحمل المسئوليات العائلية كما أن (تعقيدات الحياة وكثرة مشاغلها تحرم الكثير من الأزواج فرص المعايشة وقضاء الوقت المشترك، ومع أننا نسمع الزوج أو الزوجة يؤكد أن العلاقة بينه وبين شريكه أهم من ترتيب المنزل أو غيره، فإنه قد يجد الوقت لترتيب المنزل، ولا يجد وقتًا يقضيه بهدوء مع شريك الحياة، نعم إن عصر السرعة الذي نعيش فيه يضغط على الزوجين ولكن العلاقة الزوجية تتغذى بالوقت الذي يستثمره الطرفان في هذه العلاقة، ولابد من التروي في تنمية هذه العلاقة من خلال ما يبذل فيها من وقت) [التفاهم في الحياة الزوجية، د/ مأمون مبيض، ص(246-247)، بتصرف].
ماذا بعد الكلام؟
1. تمر الحياة الزوجية بفصول؛ فاحرص على الحب في كل فصول حياتك الزوجية.
2. العلاقة الزوجية تشبه الحديقة ففكر ماذا تحتاج الحديقة لكي تزدهر وتنمو؟
إنها تحتاج إلى أن تُسقى بانتظام وتحتاج إلى رعاية واهتمام، وبذر البذور الجديدة وقلع الحشائش الضارة، كذلك حياتك الزوجية تحتاج إلى رعاية واهتمام وأن تُسقى بماء الحب، وبذر بذور التفاهم، وتقلع عن التفكير السلبي مع شريك الحياة.
الحب يحتاج إلى الوقت، فامنح شريك حياتك جزءًا من وقتك واهتمامك لينمو الحب بينكما، مع مرور الوقت.
المراجع:
ـ حتى يبقى الحب د/محمد محمد بدري.
ـ التفاهم في الحياة الزوجية د/مأمون مبيض.
ـ متاعب الزواج د/عادل صادق.
المصدر: مفكرة الإسلام