أم عبد الرحمن محمد يوسف
تقول إحدى الزوجات في رسالة لها:
(لماذا أصبح شيئًا شائعًا للرجل الذي هو عمود المنزل، والذي له القوامة أن يكون غير مهتم بأي عمل في البيت وإن كان روتينيًا، مثل الإصلاحات الدورية؟ أنا لا أتكلم عن الأعمال المنزلية، فأنا أعلم أنها مسئوليتي، فلقد اتفقت أنا وزوجي على أن أمكث في البيت وأعتني بأبنائنا، وتقاعدت من وظيفتي وعملي عندما أنجبت, ولكني أتحدث عن أشياء عادية مثل تصليح الأثاث الخشبي في المنزل، والمساعدة في تعليق ورق الحائط المعد منذ أربعة أعوام, وأعمال الدهانات، وصيانة السيارة الخاصة بي، وتغيير المصباح الكهربائي، وإصلاح الغسالة أو إحضار شخص لإصلاحها. والمساعدة في الذهاب إلى محلات البقالة، مع مساعدتي في ترتيبه الأوراق الخاصة بعمله، لكي يخبرني بما أحتفظ به، وما ألقيه بعيدًا لعدم أهميته، لقد ساعدني ربما 4 مرات خلال 18 سنة زواج.
أقوم أنا تقريبًا بكل أعمال المنزل بالداخل والخارج طوال هذه السنين، والآن قد تعبت، وأشعر بالتعب والأسى والألم، لأنه يتغافل عن تلبية احتياجاتي ومشاركتي باعتباره شريكًا لي في الحياة وفي هذه الأعمال، إنه يجد لكي يقوم بالإنفاق علينا ماديًا، عندما يتواجد في البيت يكون لديه الوقت لمساعدتي، كي يبقى المنزل الذي يعيش فيه بيتًا جميلًا، إلا أنه لا يقدم أي مساعدة.
لقد تسبب ذلك في تألمي نفسيًا ومعنويًا، لأنه أحيانًا يكون في غرفة المعيشة يشاهد الأخبار بينما أقوم أنا بأي عمل منزلي روتيني آخر، أنا لست زوجة نكدية، فأنا دائمًا استمتع بالتجديد وعلاقتنا رائعة حتى وأنا في حالة الشعور بالغضب منه لقلة تعاونه معي، ولكنه لا يقدم لي أي مساعدة في المنزل، إنني بدأت أشعر بالإحباط) [بالمعروف، حتى يعود الدفء العطفي إلى بيتنا، د/ أكرم رضا، ص(259-260)].
أخي/ أختي الزوجة المسلمة:
إن المساعدة المنزلية حاجة من الحاجات العاطفية التي تحتاجها الزوجة، والمساعدة المنزلية تخلق شعور السلام في البيت, وتضفي عليه السعادة وهذه المساعدة تتضمن طهي الوجبات الغذائية, وغسل الأطباق، وغسل الملابس وكيها، وتنظيف البيت ورعاية الأطفال.
وفي بداية الزواج يبدأ الزوج تلقائيًا بالتعاون مع الزوجة في الأمور المنزلية, وهو يرحب بهذه المساعدة، ومع مرور الأيام وانشغال الزوج في العمل خارج المنزل، لا ينظر أي من الزوجين للمساعدة المنزلية على أنها مطلب عاطفي هام، ومن هنا تبدأ القنبلة الموقوتة في العد التنازلي.
وعند وصول الأولاد تكون هناك احتياجات كثيرة جدًا منها احتياجات لزيادة الدخل، وأخرى للمسئوليات المنزلية.
في حين تهتم المرأة وتركز على احتياجات الطفل الرضيع، يكون أيضًا رد الفعل لدى الأب وهو طبيعي أن يقوم بتقديم المساعدة وذلك بالحصول على أموال أكثر، وهو هنا بالطبع سيكون اهتمامه كله منصبًا على العمل والمال، فيبحث عن وقت إضافي في العمل، ويأمل أن يزيد راتبه.
وهنا تحدث خلافات كثيرة بين الزوجين وخاصة إذا كانت الزوجة عاملة، وتتعرض لنفس الضغوط التي يتعرض لها الزوج.
ويمكن ألا يحدث هذا، إذا نظر الزوجان إلى الموضوع نظرة حب وذكاء، ولكن بدون ذلك بالطبع ستكون موازين بنك الحب في مشكلة ومعاناة.
(إن معظم الأزواج لا يقومون بالأعمال المنزلية سواء أكانت زوجاتهم يعملن أو لا يعملن، والزوجات العاملات يعدن إلى بيوتهن مرهقات لا يستطعن القيام بالأعمال المنزلية على أكمل وجه، وتظل أعمال كثيرة في المنزل كما هي.
ومثل هؤلاء النساء لا يأخذن راحة حتى يوم الإجازة، فهن يقضين أوقاتهن في رعياة أولادهن وتنظيف المنزل وغسل الملابس، الآن هؤلاء النسوة يحتجن إلى مساعدة منزلية، فيلجأن إلى المساعدات الخارجية (الخادمات) حتى يستطعن التغلب على هذا الاحتياج العاطفي، إن قضية إدارة البيت وتلبية طلبات الزوج هي من أهم الطرق الممهدة لزيادة أرصدة الحب في بنك الحب الذي يمتلكه الزوج، والعكس صحيح، فمساعدة الزوجة أيضًا هي وسيلة لزيادة رصيد الحب في بنكها) [بالمعروف، د/ أكرم رضا، ص(240-241)].
المسئوليات المشتركة:
لكل من الرجل والمرأة دور ومسئولية في الأسرة (ومن مقتضيات العشرة بالمعروف تعاونهما في أداء هذه المسئوليات, ومن أهم المسئوليات الخاصة بالمرأة هي تدبير شئون البيت ومسئولياتها في تربية الأولاد.
وهذه المسئوليات, وإن كان العبء الأكبر منها يقع على المرأة؛ فإنها تعتبر من حيث مبدأ التعاون مسئوليات مشتركة بين الزوجين) [تحرير المرأة في عصر الرسالة، عبد الحليم محمد أبو شقة].
الحاجات العاطفية للمرأة والرجل:
الثقة والرعاية من الحاجات العاطفية للرجل والمرأة.
(فعندما تثق المرأة في قدرة زوجها فإنه يصبح أكثر رغبة في رعايتها وخدمتها، وكذلك عندما يقوم الرجل برعاية زوجته؛ فإنها تصبح أكثر قدرة على الثقة العميقة به وبإمكاناته) [حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري، ص(48)].
متعة المشاركة:
فالزوجان الناجحان يشتركان معًا في عمل بعض الأشياء الخفيفة كالتخطيط للمستقبل، أو ترتيب المكتبة، أو المساعدة في طبخة معينة سريعة، أو الترتيب لشيء يخص الأولاد، وغيرها من الأعمال الخفيفة، والتي تكون سببًا للملاطفة، وطريقًا إلى بناء المودة، (فيشعر كلا الزوجين بإرضاء والسعادة حين يرى شريك حياته بجانبه دائمًا يشاركه أفراحه وأحزانه، ولا يتخلى عنه، فالحياة الناجحة تقوم على الأخذ والعطاء، وعلى الحب وعلى الاطمئنان إلى أن هناك من يساند الإنسان، ولا يمكن أن يتخلى عنه مهما كانت الظروف) [المصدر السابق، ص(624)].
الرضا العاطفي:
يبدو جمال الأسرة في تعاون الزوجين على تكاليف الحياة، فمرة يضحي الزوج ويخدم زوجته، ومرة الزوجة تضحي وتخدم زوجها.
إن الخدمة ليست من اختصاص أحد، فالزوجان شريكان فيها.
إن (من أحب سلوك الملاطفة إلى الزوجات شعورهن شفقة الأزواج عليهن في خدمة البيت، وتقديم العون لهن في ذلك، فإن المرأة ربة البيت إذا أعطت جهدها, وبذلت طاقتها في خدمة زوجها وولده، ثم لم تجد تشجيعًا على ذلك, وتقديرًا لجهودها، فإنها تشعر بالإحباط وشدة الجوع العاطفي، ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم يراعي هذا، فكان لا يكلفهن مئونة نفسه، فقد كان يخدم نفسه، ويسارع في مساعدة أهله، حتى لربما وضع رجله لإحداهن لتصعد على البعير.
إن وعي الرجال بذلك وملاطفتهم للزوجات في المعاملة، وتقديم شيء من الخدمة، كل ذلك له أثره البالغ في سكون نفوسهن واستقرار عواطفهن بحيث تُقبل إحداهن على زوجها في غاية السعادة والرضا، حتى وإن كن في شدة من ضيق العيش وقلة ذات اليد) [أخلاق الفتاة الزوجة، د/ عدنان حسن باحارث، ص(141)، بتصرف يسير].
في مهنة أهله:
فعن الصديقة بنت الصديق زوج أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم، تحكي سلوكه في بيته تقول: (كان يكون في مهنة أهله) [رواه البخاري], (كان يخيط ثوبه ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم) [صححه الألباني في صحيح الجامع، (4937)].
وعن(وعن الأسود قال سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة) [رواه البخاري].
وعن عائشة قالت: سُئلت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته، قالت: كان بشرًا من البشر، يفلي ثوبه، ويجلب شاته، ويخدم نفسه) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (671)].
وفي الحديث دليل وترغيب في خدمة الرجل أهله (فهذا أكرم الخلق يخيط ثوبه ويخصف نعله، فلماذا لا تقتدي أخي الزوج به صلى الله عليه وسلم فتشارك أهلك في مهنة البيت، كغسل الأواني وغير ذلك حتى لو لم يكن بصفة دائمة، واضعًا نصب عينيك قول عائشة رضي الله عنه (كان النبي في مهنة أهله) فإن هذا له بالغ الأثر في المودة والرحمة بين الزوجين) [ماذا وراء الأبواب، أم سفيان، ص(73)].
هذا وهو من هو، نبي الله، ورئيس دولة المسلمين، ومع ذلك يجد الوقت في خدمة ومهنة أهل بيته، فما أعظمه من معلم.
وأدعوك أخي الزوج أن تبدأ إن لم تكن كذلك (وتشارك بإرضاء نفس زوجتك بقليل من العمل, وأعتقد أنها لن تدعك تفعل؛ لأنها ستقدرك وتحترمك وتسارع في فعل الشيء، ولكن وهي سعيدة بك جدًا، وقد زال عنها كل تعب، وعلمت أنك تقدر خدمتها في البيت، مجرد تقدير منك، بعمل قليل تدوم لك السعادة وتسلم لك القيادة) [العشرة الطبية، محمد حسين، ص(135)].
دور الزوج:
على الزوج التعاون مع زوجته في المنزل عن طريق:
1. توفير خادمة لها، قدر استطاعته وذلك بشروط:
ـ إذا كانت ممن تُخدم في بيت أهلها.
ـ إذا كانت الزوجة مريضة.
ـ إذا كا الزوج ميسورًا يستطيع أن يأتي لها بخادم.
2. التعاون بنفسه مع الزوجة في مسئوليات البيت:
فعندما لا يستيطع الزوج توفير خادم للبيت، فإنه يتعاون مع أهله قدر الاستطاعة, ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله وكذلك الصحابة، فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فعلى أي زوج آخر دونه أن يستن بسنته صلى الله عليه وسلم.
ونلفت الانتباه إلى أن (مساعدة الرجل أو الأولاد الذكور في أعمال البيت يبدو غريبًا على كثير من الناس، فقد توارثنا مع الأسف أن من المعيب أن يشراك الذكور في أعمال البيت، وأن مثل هذا يُعد عارًا ينتقص من قدر الرجال.
ويكفي في تصحيح هذا التصور الخاطئ والمنحرف عن هدي الإسلام، ما سقناه من سنة رسول الله صلى الله عيه وسلم حيث كان في خدمة أهله) [تحرير المرأة في عصر الرسالة، عبد الحليم أبو شقة، (5/132)].
3. التخفف من الطلبات، وعدم اللوم على التقصير:
ومن المعاشرة بالمعروف أن لا يكثر الزوج من طلباته من زوجته المتعلقة بخدمته وخدمة البيت، وأن لا يحاسبها الحساب العسير إذا قصرت في ذلك.
4. تحديد مسئوليات البيت:
هل أخبرتِ زوجك أن الذي يجعلك تحبينه أكثر؛ هو أن يساعدك في الأعمال المنزلية؟
إن المساعدة المنزلية يمكن أن تكون مصل أي حاجة عاطفية أخرى، تحتاج إلى أن نذكر بها الطرف الآخر.
وقبل أن تتحول الأعمال المنزلية إلى مسار خلافات بين الزوين نقترح (فرض سياسية الاتفاق المشترك والجلوس معًا، لحل مشكلاتنا الأساسية والمطلوب الآن:
1. أمسية هادئة، واستعداد نفسي.
2. ورقة وقلم.
3. ابتسامات وصبر.
وفي هذا الجو يحدد الزوجان الأعمال على كل واحد فيهما، والمهمات المنزلية يمكن تقسيمها إلى:
1. مهمات تحبها ولا تحتاج مساعدة.
2. مهمات ترضاها، وتحتاج مساعدة الطرف الآخر.
2. مهمات ترى أنها مسئولية الطرف الآخر وحده.
4. مهمات الطرف الآخر، وأنت مستعد لتقديم مساعدة، ثم يقوم كل طرف بإبداء موافقته أو عدم موافقته على هذه البنود, وبذلك تصبح المسئوليات محددة وكل طرف يتولى مسئولية ما وافق عليه من أعمال.
وبذلك يهتم الزوجان بمشاعر بعضهما، ويرغبان في إسعاد بعضهما أيضًا وعلى الزوجين مراعاة ما يلي عند التفاوض الزوجي:
1.      كن مرحًا ولطيفًا خلال النقاش.
2.      أظهر الأمن أولًا وابتعد عن التهديد
3.      الطريق المسدود لا يعني انتهاء النقاش، ولكن تأجيله حتى نتجنب الاصطدام.
4.      احرص على أن تضع نفسك مكان الطرف الآخر.
ويمكنك عمل قائمة خاصة للأطفال في الأعمال التي يمكنهم أن يقوموا بها؛ ليتعلموا تحمل مسئوليات المهمات المنزلية) [مستفاد من بالمعروف، د.أكرم رضا].
ماذا بعد الكلام؟
5.      حاول أن تساعد زوجتك في بعض أعمالها المنزلية؛ حتى تشعرها باهتمامك بها، وحرصك عليها، ومراعاتك لتعبها ومجهودها، واطلب منها أن تستريح ولا تقوم بأي عمل منزلي إذا كانت متعبة، وقم أنت بهذا العمل بدلًا عنها، فإن هذا يزيد المودة والرحمة بينكما، ويبقى نهر الحب جاريًا لا يجف ويزيد رصيدك في بنك الحب لدى زوجتك.
6.      (عملك القليل في المنزل كملح الطعام، فشارك في البيت بقليل من العمل إكرامًا وعرفانًا لعظيم خدمة الزوجة لك، تستزد منها العمل، بلا تبرم ولا كلل، ويصح لك منها الجسم والنفس بلا شكوى) [العشرة الطيبة، محمد حسين، ص (423)].
المراجع:
بالمعروف حتى يعود الدفء العاطفي إلى بيوتنا، د.أكرم رضا.
تحرير المرأة في عصر الرسالة، عبد الحليم محمد أبو شقة.
حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري.
أخلاق الفتاة الزوجة، د.عدنان حسن باحارث.
ماذا وراء الأبواب، أم سفيان.
العشرة الطيبة، محمد حسين.

 

مفكرة الإسلام

JoomShaper