مهنا الحبيل
في الردّ المعتاد على الجدل الذي ينتشر حين حلول ما يُسمّى بعيد الحبّ- تُستدعى جدليّة في إطار حادّ، لكنْ سرعان ما تغيب خارج هذا اليوم، على الرّغم من أهمّيتها من كِلا الطّرفين المتحاورين، وهو: هل الحبّ ليوم أم للحياة.. ونحن هنا نطرحه في إطار العلاقة الزوجيّة؟
كثيرون يقرّون بذلك، أيْ أنّ رسائل الحبّ والمودّة الزوجيّة يجب أن تكون صِفاتٍ خُلقيّة لدى الزّوجين، والزّوج أولاً؛ لكون حراك المرأة العربيّة وانشغالها اليوميّ بشأن المنزل والأطفال يستدعي منه مسؤوليّة أكبر لتكرار المبادرة بالملاطفة والحبّ.. لكن حين نسأل هذا الزّوج عن مبادراته ونحن نسأله هنا..كم مرّة في العام أو الشّهر أو الأسبوع تُبادر برسائل حبّ..  ونقول حبّ أي حبّ الرّسائل الرّومانسيّة للزّوجة، إضافة لرسائل الودّ والتّقدير.
هنا نحتاج أن نطرح أسئلة المراجعة لمسيرة الحياة للرجل فيُقلب السّؤال في ضميره قبل أن يُرسل مئات التأفّفات والضّجر، والعتب أن لم يكن التوبيخ الوقح لزوجته – ونقول هنا لدى البعض وليس الكل – وهذا الأمر هو مدخل نجاح له ولحياته كما هو لرفيقة دربه، وأوّل ما يجب أن نقف عنده هنا هو سيرته صلّّى الله عليه وسلّم في هذه الرّسائل التي رُويت عنه في أحاديثه للسيدة عائشة -رضي الله عنها- كزوجة محبوبة، وكيف أنه يقدّم دروسًا في غاية الذّوق والرّقة، حتى إنه يجعلها تقضم من اللّقمة، فيقضم من حيث قضمت، وهي رسالة غاية في الحبّ والودّ والذّوق الرّاقي جدًّا..جدًّا مع الزّوجة، فضلاً عن سلسلة طويلة من هديه صلّى الله عليه وسلّم بهذا الشّأن.

وقد قرأنا في قضايا علاقات الزّوجين -خلافًا أو ودًّا-، وهي ما يتواتر عليه وعلى تأكيده الباحثون من دور هذه الرّسائل الحبّيّة الرّومانسيّة في تقريب العلاقات وتجاوز الصعوبات ومعالجة الإشكالات، ولسنا نقلّل من ضرورة تجاوب الزّوجة مع هذه الرّسائل، لكن من المعروف موقع الزّوج في زمام المبادرة، أمّا الأمر الثّاني فإنّ ما يدعونا للتّأكيد لأهميّة هذه الرّسائل هو ما أكّدته البحوث والاستطلاعات بل وآداب الإنسانيّة، من أنّ رسائل الذوّق الرّومانسيّ تَعبُر إلى مستقرّ القلب، وتأتي بتأثير كبير للزّوجة، وطاقة تجديد للودّ بين الزّوجين، وكأنّما تغرس شجرة، فتنمّيها عند كلّ رسالة، حتى تحتوي جذورها على قلب الزّوجة.

وهناك مستشارون ودورات عديدة تُعقد في البلاد العربيّة لهذا المنهج ضمن التّوجيه الأسريّ، وهذا أمر جيّد وموفّق، وقد اطّلعت على دراسات تؤكّد مساهمته في تخفيض نسب الطّلاق المروّعة لدينا في المملكة على سبيل المثال، ولكنّ الأمر ليس مرهونًا بالدّورة بل بتأمّل الزّوج في الفكرة والتّقدم لفعلها عبر كلمة يكتبها على كرت إهداء أو على ورقة وردة أو في رسالة جوّال، وكم هو جميل أن يُنّمي هو ذائقته وشاعريّته، فيطوف في كتب الأدب ودواوين الحبّ، ويختار بيتًا أو سردًا كمبعوث لعلائق الرّومانسيّة بينه وبن زوجته، ربّما كثيرون تطوف بهم الفضائيّات شرقًا وغربًا، وهو يقلّب النّفس في الوجوه ويتحسّر، خادعًا نفسه أمام تلك الخيالات لكي يحظى -ولو في أحلام اليقظة- بصحبة تلك الحسناء، فيمضي عليه الزّمن وقد ضيّع جنّته عند يديه، وبين عينيه، ولو أنّه حوّل تلك الرومانسيّة الخادعة إلى روح من حقيقة بينه وبين معشوقته التي وهبها الله له كزوجة، فيمنحها الوقت والودّ، فينتظم اللّقاء بينهما، فسيكتشف حينها أنّ جنّته في منزله، وكم ضيّع من هذه الجنّة!!

ولسنا نقول إنّ القاعدة ليس لها مخالف؛ فهناك من النّساء من لا تُحسن التّعامل مع الذّوق الرّومانسيّ إنْ صدر مع الزّوج، لكنْ هناك مساحة كبيرة من هذه القاعدة حين تتواتر رسائل الودّ لها تتجاوب بالضّرورة؛ لأنّها سعادة لها، وهي أيضًا مشاعر بالغبطة أنّ زوجها وعشيقها ممتلئ العينين والإعجاب بها، وهي فرصة العمر ومنحة المُنعم حين أنزل المودّة، وجعل كلا الزّوجين سكنًا لصاحبه – وانظرْ هنا عمق المعنى يسكن في ذات صاحبه، وصاحبه يسكن في ذاته -،  وبالتّالي فُرص الرّابطة متجذّرة فقط، أنت أوثِقْها بحبال الودّ والحبّ والغزل.. إنّها زوجتك محبوبتك حين تُسكنها قلبَك، فتَسْكُنك؛ فهي -حقيقة لا خيال- ملكة جمالك.

JoomShaper