الکاتب : أسرة البلاغ    
إذا كانت السعادة في المنزل مطلباً ينشده جميع أفراد الأسرة، فلا شك بأن سيد البيت، وقائده تقع على عاتقه المهمة العظمى التي يضطلع بها لينشر أعلام السعادة في بيته، وهي مهمة ليست سهلة، ولا الطريق إلها ميسوراً إلا إذا عزم الأب على وضع خطط لقيادة المنزل، هذه الخطط من أولى أولوياتها إشاعة السعادة في أجواء منزله، فيحرص على غرس شجيرات السرور والهناء في قلوب أبنائه وبناته وزوجته.    
- مواصفات الأب الناجح:
العلم: فلابدّ أن يكون لديه قدر من العلم، إضافة إلى مواكبة الواقع المعاصر.
الأمانة: عليه أن يكون ملتزماً بالأخلاق في شكله الظاهر والباطن فيكون قدوة في بيته ومجتمعه، متحلياً بالأمانة، يسلكُ في حياته سلوكاً حسناً وخُلُقاً فاضلاً مع القريب والبعيد في كل حال وفي كل مكان، لأن هذا الخُلُق منبعه الحرص على حمل الأمانة بمعناها الشامل.
القوة: لأن قيادة الأسرة مهمة الرجل، وعلى كل العائلة الانقياد لأمره ليتربى الأولاد على الطاعة، وإن مَنَعَ شيئاً فعليهم الالتزام وإن خالفه بعض أولاده فيجب على الأُم أن تخبر الأب ولا تتستر عليهم لأن كثيراً من الانحرافات تحدث بسبب تستُر الأُم. العدل: والعدل مطلوب في المعاملة والعقوبة والنفقة والهِبَة والملاعبة والقبل، ولا يجوز تمييز أحد الأولاد وعاتب النبي (ص) رجلاً أخذ الصبي وقبّله ووضعه على حجره ولما جاءت بنته أجلسها على جانبه، فقال له: "ألا سوّيت بينهما"، وفي رواية "فما عدلت بينهما".
الحرص: والحرص الحقيقي المثمر إحساسٌ متوقدٌ يحمل الأب على تربية ولده وإن تكبّد المشاق أو تألم لذلك الطفل، وله مظاهر منها المتابعة والملازمة، لأنّ العملية التربوية مستمرة وطويلة الأمد، لا يكفي فيها التوجيه العابر مهما كان خالصاً صحيحاً.
الحزم: وبه قوام التربية، والحازم هو الذي يضع الأمور في مواضعها فلا يتساهل في حال تستوجب الشدة ولا يتشدد في حال تستجب اللين والرفق، وإذا كان الأب غير حازم فإنّه يقع أسير حبه للولد وينفذ جميع رغباته، ويترك معاقبته عند الخطأ، فينشأ ضعيف الإرادة منقاداً للهوى، غير مكترث بالحقوق المفروضة عليه.
الصدق: وهو "التزام الحقيقة قولاً وعملاً" في جميع المعاملات مع جميع الناس، وعدم إخلاف الوعد وشهادة الزور، وخيانة الأمانات.
الحكمة: وهي وضع كل شيء في موضعه، أو بمعنى آخر تحكيم العقل وضبط الانفعال، ولا يكفي أن يكون قادراً على ضبط الانفعال وإتباع الأساليب التربوية الناجحة فحسب بل لابدّ من استقرار المنهج التربوي المتبع لأنّ التناقض سيعرض الطفل لمشكلات نفسية.
إستراتيجية السعادة المنزلية التي سينفذها الأب الناجح؟
الأب الناجح هو الذي يوزع نظراته على جميع أفراد أسرته توزيعاً عادلاً، ولا ريب أن زوجته هي أوّل من ينبغي أن يشعرها بدفء السعادة، فلا يلقاها إلا مبتسماً حانياً متفقداً أحوالها ومطالبها، يشعرها أنها ملء قلبه وكيانه.
الأب الناجح هو الذي يعدل بين أبنائه، ويجلس معهم، ويحادثهم ويسامرهم، ويأخذ بأيديهم، ويتابع تصرفاتهم وأحوالهم في البيت والمدرسة والمجتمع، فيبارك أعمالهم الطيبة ويشجعها، ويسألهم عما أخطئوا مساءلة من يريد التعديل والتقويم، فيرشد المقصر، ويكافئ المجتهد، ويحسسهم بأن كل واحد منهم هو جنة قلبه، وموضع سعادته فلا يميل مع شخص على حساب آخر.
الأب الناجح يختار لأولاده المدارس ذات السمعة الحسنة والأصدقاء من ذوي السيرة الحسنة، ويسأل عن سلوكيات الجميع مرشداً وناصحاً.
الأب الناجح هو الذي ينظر إلى أبنائه نظرة متكاملة فلا يهتم ببناء بطونهم، وينسى عقولهم وأفكارهم، يجلس معهم يخطط لهم مستقبلهم، أو يشاركهم في وضع هذا المخطط.
الأب الناجح له لقاءات مع الأبناء منها ما هو فردي أو ثنائي أو جماعي، وله لقاء أو أكثر مفتوح مع أفراد الأسرة، ومن برامجه إقامة محافل للترفيه سواء في الطبيعة أو المجتمعات ذات الصلة بهذا الشأن.
الأب الناجح هو الذي لا يُؤثر دنياه على مصالح أبنائه العليا فيصرف جُلّ وقته خارج المنزل بذريعة تأمين مستقبل مالي عالٍ لهم، ولا يراه أولاده إلا على سرير النوم، أو طاولة الطعام، أو آخر الليل منهكاً تعباناً.
الأب الناجح في تربية الأبناء وبناء منزل سعيد رسالته صعبة، ومنهاجها كبير، فعلى الأب الناجح أن يكون على قدر المسؤولية المنوطة به، فإذا أخل بها ولو بشيء يسير يمكن تداركه ولم يفعل، فحينئذ يكون قد هدم حجراً من أحجار السعادة، وأثلم جسراً من جسورها، فإذا سارع إلى رأب الصدع، نجا وأنجى، وإذا أهمل وقصر، هلك وأهلك.
الأب الناجح يمد جسور العلاقات الاجتماعية بين أسرته وأسر أقاربه وأصدقائه، فيدعو الجميع إلى التزاور والتعاون والتلاقي.
الأب الناجح هو الذي يربي أبناءه على مسألة مهمة جدّاً وهي إشعارهم بأنهم أصحاب رسالة، وهذه الرسالة تقول للجميع: إنكم لم تخلقوا عبثاً وإنكم مخلوقون لهدف معيّن ومهمة محددة وبهذا لا يشعر أحدهم بالفراغ القاتل الذي هو أفعوان يقتل بسمه مشاريع السعادة كلها كما يحذر أسرته من غرور الشباب وفتنة المال، فالمال وسيلة وليس غاية.
توجيهات ومحاذير للآباء في معاملة أبنائهم:
1- ليعلم الأب أنه في بيته قائد لمدرسة تربوية لها منهج ووسائل كما أن لها محددات وأطر، ولكن مع ذلك فلا ينبغي الجمود والتشنج في تطبيق ضوابط تلك المدرسة، فهي مدرسة محببة للولد تسعد البيت وتنشئ الأسرة السعيدة.
2- يجب على الآباء تثقيف أنفسهم وتعليمها فن التربية وأساليبها ومداومة سؤال المربين والخبراء والعلماء في ذلك، كما يستحب لهم متابعة الإصدارات التربوية الحديثة والوقوف على ما ينفع منها.
3- تعلم الصبر على الأولاد من المهارات الأبوية الهامة، وقد حذر المربون من كثرة معاملة الأولاد بالغضب خصوصاً إذا كانت طبيعة الأب عصبية أو سريعة الغضب، وليحذر الآباء من ضرب أولادهم في لحظات الغضب فإن ذلك من الأخطاء الخطيرة التي لا تؤدي إلى تعليم ولا توجيه ولكنها عبارة عن إنفاذ غيظ فحسب.
4- ليعلم كل أب أن أبناءه يتعلمون بالحب قبل أن يتعلموا بالأمر والشدة، فاحرص أيها الأب على توليد المحبة بينك وبين أبنائك.
5- كل أب بحاجة إلى أن يخلو بولده كل مدة قريبة ليمازحه ويكلمه ويسأله ويتقرب منه ويسأله عما يحزنه أو يؤرقه أو لا يعجبه ويسأله عن آماله وأحلامه وطموحاته فلقاءات المصالحة والمصارحة هي تفريغ نفسي وجداني هام للغاية في تربية الأولاد، ولئن اشتكى معظم الآباء من عدم قدرتهم على التقرب من أولادهم فلأنّهم قد قصروا في لقاءات المصارحة تلك في الصغر فصعب عليهم ذلك في الكبر وبنيت الجدران بينهم وبين أولادهم.
6- هناك علاقة قوية جدّاً بين كون الأب ناجحاً وبين كونه زوجاً ناجحاً، فالزوج الناجح هو الذي يهيئ لأولاده البيئة الأسرية الخالية من المشكلات والمؤرقات والمنغصات والمؤثرات النفسية السلبية وهو الذي يعين زوجته ويساعدها على إتمام العملية التربوية بنجاح وإنجاز.

JoomShaper