حليمة مظفر
70 جلدة هي حكم قضائي صدر على مواطن أرسل لطليقته 181 رسالة على هاتفها الجوال، بجانب منعه من رؤية أولاده إلا بترتيب موعد رسمي، وطبعا الرسائل التي أرسلها الرجل لزوجته السابقة كان يرغب منها استعطافها محاولا مصالحتها وإرجاعها إلى عصمته، بعد خلعها له، بحسب ما نُشر في جريدة عكاظ منذ ثلاثة أسابيع تقريبا.
وأتساءل:كيف ستكون نظرة الأبناء لأمهم وما تأثير الحكم لو تم تنفيذه على نفسيتهم وشعورهم تجاه شكوتها لأبيهم في المحكمة؛ ليجلد 70 جلدة ومنعه من رؤيتهم ؟ وكل ذنبه أنه أرسل لها رسائل جوال محاولا مصالحتها !!
والحقيقة أن أكثر ما يفسد حياة الأطفال بين أبوين مطلقين، هي العداوة الشديدة التي تشطر نفسيتهم إلى نصفين، نصف مُتعب مجهد من هذا الاضطراب الأسري، ونصف يبحث عن سبب ومبرر لتعب دون ذنب.
ومؤسف فعلا أن يتحول أبوان كانا متزوجين ويتقاسما حياة وأطفال وعلاقة حميمة إلى "ديكين متصارعين"، كل منهما "ينشر غسيل" الآخر في أروقة المحاكم، ويحاول أن يذل الآخر وينتقم منه، بينما القرآن الكريم أشار إلى ذلك بإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وكلمة إحسان تنطوي تحتها الكثير من المعاني الرحيمة القائمة على احترام العشرة والمعاشرة، وما ذلك إلا لصالح الأطفال بينهما ونشأتهما، ولهذا لا أعلم، لماذا كل مطلقين لا يصبحان أكثر حضارة واحتراما؛ ويستبدلان هذه الحروب والعداوة بينهما بعلاقة صداقة قائمة على الإحسان، وهو ما يتوجب أن يكون بعد طلاقهما، ما دام بينهما شيء مشترك؛ ينمو ويكبر ويحتاجهما لرعايته، بدلا من أن ينشأ مضطربا متعبا ويكتب له الضياع.
أمر آخر أريد الوقوف عنده، يثير الاستغراب؛ فهو أن يحكم القاضي بـ70 جلدة على هذا الرجل لمجرد أنه حاول مصالحة زوجته وأم أولاده؛ أليس من باب أولى أن يحاول القاضي الإصلاح بينهما، بدلا من إشعال النار في نفسيهما ليحرقا أولادهما بها؟!
وإن كان هذا الرجل يستحق العقوبة فعلا، ألا يوجد لدينا عقوبة أخرى غير الجلد الذي بتنا نسمعه كثيرا مع كثير من الأحكام التعزيرية، يصل بعضها إلى آلاف الجلدات؟ فلماذا لا يستبدل الجلد بعقوبات بديلة هي الخدمة الاجتماعية، مثل تنظيف المساجد والحدائق ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة وملازمتهم أو كبار السن أو حتى تنظيف الشوارع وكنسها وغير ذلك؟! فهي أجدى من الجلد على كل أمر صغيراً كان أم كبيراً، حتى إن كثرة الأحكام بالجلد، وأخرجت قيمة الحكم من معنى التأديب إلى معنى الإذلال وتحقيق الوجع فحسب.
جريدة الوطن السعودية