إعداد: رنا عادل
يعدّ التخطيط الأسري من الأمور الهامة التي ينبغي على الأسرة أن توليها اهتماماً كبيراً؛ نظراً لما للتخطيط من أثر مباشر على وضوح الرؤية لمستقبل الأسرة ولما له من أثر كبير في إدارة شؤونها الكبيرة والصغيرة على حدٍّ سواء.
هذا ما أفادنا به الأستاذ الفاضل مراد حبايبة – اختصاصي الشؤون الأسرية ومدير أكاديمية التنمية البشرية واللغات الأجنبية –، وقد سألناه عن أهمية التخطيط الأسري، فقال:
يمكن أن نعرّف التخطيط الأسري بأنه “عملية تحديد الأهداف الأسرية خلال فترة زمنية معينة”، آخذين بعين الاعتبار وضوح الهدف والقدرة على وصفه وقياسه وتحديد الفترة الزمنية اللازمة للقيام به والإمكانات الضرورية لذلك.
وحتى يكون التخطيط الأسري ناجحاً ينبغي أن يتسم بالواقعية والبعد عن المثالية المفرطة، وأن يتصف بالمرونة، وأن تناط المهام بالأشخاص بما
يتناسب مع معرفتهم وقدراتهم وأعمارهم، مع وجود هامش معقول من الأمان في التخطيط للأمور.
وأوضح الأستاذ حبايبة أن للتخطيط الأسري مجالات عدة ضمن مدة زمنية محددة تطول أو تقصر، فقال:وللتخطيط أهمية كبيرة في النجاح الأسري، حيث إنه يساعد الأسرة على وضع رؤية واضحة لها، ويسهم في الوصول إلى الأهداف بتدرج وتسلسل منطقي، ويسهم كذلك في تحديد الأولويات الأسرية، ويجنّب الأسرة التضارب في الأهداف، ويسهّل عملية اتخاذ القرارات المختلفة، سواء قرارات الإنجاب، أو الدخل، أو النفقات، أو الاستثمار، أو قرارات التعليم والعمل وغيرها.

يمكن للتخطيط أن يتراوح في مدته الزمنية بين فترات زمنية بعيدة المدى تكون مدتها الزمنية خمس سنوات أو أكثر، أو متوسطة الزمن بين سنة وخمس سنوات، أو بين شهر وسنة، أو تخطيط شهري، أو تخطيط أقل من ذلك ليشمل التخطيط اليومي.

ويشمل التخطيط الأسري جميع المجالات التي تهم الأسرة ككيان واحد أو كأفراد، فيشمل النشاطات الدينية من عبادات؛ مثل الحج والعمرة، أو الصدقة التي تحتاج إلى تخطيط جيد، كما يشمل المجالات الصحية والجسمية؛ مثل التخطيط المتعلق بالإنجاب والرضاعة، واللياقة البدنية والعلاج الصحي.

وهناك التخطيط المهني والمالي: من حيث الدخل والاستثمار، والنفقات والمشتريات. ويشمل التطور الوظيفي، والدخل المتوقع، وفرص العمل، والسفر للعمل وإكمال الدراسة.

والتخطيط المعرفي والأكاديمي: المتعلق بالبناء المعرفي للأفراد فيما يتعلق بمختلف شؤون حياتهم.

والتخطيط للدراسة والتحصيل العلمي، وما يتطلبه من وقت وجهود.

والتخطيط الاجتماعي: مثل زواج الأبناء أو الإخوة، والأمور ذات الصلة بها.

وبعد أن تعرفنا على أهمية التخطيط وإيجابياته في حياة العائلة، كان لـ(الفرقان) لقاء مع السيدة أميمة مصباح فرح – المهتمة بشؤون التخطيط / عضو اللجنة الإدارية في فرع عمان النسائي، لتحدثنا عن تجربتها في هذا المجال، وكيف حققت أهدافها باتباع التخطيط الأسري.

السيدة أميمة؛ أم لخمس بنات وولد، وداعية متميزة في منطقتها، سألناها عن تجربتها في كتابة خطة العائلة، فقالت: كانت محاضرات التخطيط العائلي للدكتور جاسم المطوع، دافعاً لي لكتابة خطة لعائلتي، لتكون حياتنا الأسرية منظمة وواضحة وسعيدة، كما قمت بكتابة خطط إدارية لمصلحة عملي عندما كنت مديرة لفرع عمان النسائي التابع للجمعية قبل عشر سنوات.

الفرقان: كيف كانت جلساتكم لكتابة الخطة؟

أميمة: بدأنا خطتنا بجلسات حوارية جمعتني وزوجي وأولادي، استعرضنا فيها كل الأحلام التي نتمنى تحقيقها، والأهداف التي نسعى لتحقيقها على المستويات الدينية والاجتماعية والعلمية والمادية، وبعد ذلك كتبنا خطوطاً عريضة لتلك الأهداف والأحلام، وكنت أستشير زوجي من حين لآخر بكتابة التفاصيل والوسائل والمدة الزمنية التي نحتاجها لتحقيق الخطة، وكانت خطتنا العائلية لمدة عشر سنوات.

الفرقان: هل هناك رؤية واضحة لخطتكم؟

أميمة: نعم، “أسرة سعيدة مميزة” هي رؤيتنا الواضحة التي نتغنّى بها دوماً، سعياً لتحقيقها بكل الوسائل الممكنة من خلال متابعتها وتنفيذ ما فيها، إضافة إلى توفير سبل الترفيه الممكنة للأولاد والارتقاء بهم علميّاً ودينيّاً وأخلاقيّاً لنكون قدوة واضحة حيّة لجميع من حولنا.

الفرقان: هل واجهتم صعوبات في تنفيذ الخطة؟

أميمة: نعم، لا يخلو الأمر من الصعوبات خاصة في البدايات، وكانت بعض الظروف المادية والانشغالات من أكثر المعيقات في متابعة الخطة وتطبيقها، إلى أن التقيت بالدكتور طارق سويدان في إحدى الدورات التدريبية، وعرضتُ عليه خطتنا واستشرته بما يواجهني من معيقات فأشار عليّ بضرورة توزيع المهام مكتوبة على جميع أفراد الأسرة وتحديد الوقت لإنهاء المهمة (تفويض صلاحيات)، وكانت بفضل الله خطوة رائعة للخروج من المعيقات في فترة معقولة ومقبولة.

وقمنا بفضل الله بمراجعة خطتنا بعد (4) سنوات من كتابتها لنرى ما تم تنفيذه ليكون حافزاً لنا نحو الاستمرار والتقدم والسعي لتحقيق أحلامنا، وبناء على ذلك قمت بوضع خطة جديدة تم التركيز فيها على المحور الإيماني وخدمة العمل الدعوي وتطوير الذات وتربية الأبناء لزمان غير زمانهم، حيث نقوم بعقد جلسات حوارية إيمانية تجمع أفراد العائلة لمناقشة أمور متعددة والتعرف على طرق تفكيرهم ونوعية طلباتهم، إضافة إلى متابعة إيمانياتهم وعباداتهم.. ولمسنا آثاراً مجدية على المدى الطويل في تحسين سلوك الأبناء وإيجاد لغة الحوار البناءة في العائلة بدلاً من لغة الأوامر الصارمة الفاقدة للروح.

الفرقان: متى شعرتم بفرحة الإنجاز؟

أميمة: كان من ضمن أهدافنا في الخطة على الصعيد المالي إيجاد مشروع تجاري لزوجي يكفينا مؤونة الحياة، وكانت الصعوبة بالغة في تحقيق هذا الهدف ولكننا عقدنا العزم واتخذنا الوسائل المتاحة لدينا والتي نأمل أن نجدها، وبعد خمس سنوات من المحاولات تكللت جهودنا بفرحة الإنجاز وكان المشروع الذي حلمنا به وخططنا له أن ينجز خلال تلك السنوات الخمس.

ومن هنا أدركنا تماماً أننا في الطريق الصحيح، وأن أول خطوات التنفيذ بعد النية الخالصة التي نؤجر عليها هي الكتابة والتدوين؛ فالأهداف نوايا حسنة نزرعها ونرعاها، وليس شرطاً أن نقطفها نحن، فقد يأتي غيرنا (أولادنا أو غيرهم) ليتمم رسالتنا ويرعى ما بدأنا ليصدق فينا (مَرّ من هنا وهذا الأثر).

الفرقان: هل نشرت تجربتك للآخرين لتعم الفائدة من حولك؟

أميمة: نعم بالطبع، ألقيت العديد من المحاضرات في موضوع كتابة الخطة ومتابعتها وكيفية إنجازها، وكانت إحدى بناتي تساعدني في إعداد مادة البوربوينت ونقوم بوضع صور من خلال لقاءاتنا وأنشطتنا الأسرية لأُوضح للناس واقعية ما أقول، وبفضل الله قمت بتوزيع عدة نسخ من خطتنا العائلية على من حولي للاستفادة منها بناء على طلبهم، وأصبحت مرجعاً لكل من يعرفني في هذا الشأن، وهذا أمر دعاني لكتابة خطة على صعيد خاص جدّاً بي وبزوجي الكريم، كتبت فيها مشاريع كبرى أحلم بتحقيقها في مطلع عام (2020) وهي (إنشاء مدرسة خاصة، أو جامعة خاصة للبنات، أو مركز تدريب عالمي).

وبدأت بفضل الله ببث هذه الأفكار بين الناس، وأنا عازمة على اتخاذ الأساليب والوسائل لتحقيقها، والناس من حولي يسألونني عنها رغبة منهم بمشاركتي أحد هذه المشاريع.

الفرقان: كيف تنظرين الآن لما آلت إليه عائلتك الكريمة؟

أميمة: الحمد لله؛ نظرة رضى وأمل وتفاؤل.. راضية عن أولادي ومدى التزامهم ومشاركتهم الفاعلة في المجتمع وأطمح بالمزيد بإذن الله، سعيدة بزوجي وما قمنا به من إنجاز رائع بفضل الله أولاً، ثم بفضل ترابطنا وإحساسنا بالمسؤولية والرغبة في تحقيق أحلامنا وأهدافنا المتنوعة، وأنا الآن فَرِحة بإكمال دراستي الجامعية والدراسات العليا (الدكتوراه) خلال ثمان سنوات بإذن الله.

الفرقان: رسالتك في الحياة؟

أميمة: أن أكون كالسيدة خديجة رضي الله عنها (أن يتّجر الناس بمالي) بمعنى أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، وحتى نؤثّر في الآخرين لا بد أن نمتلك (مقومات مالية وفكرية وعلمية)، عندها سيتقبّلك الآخر ويقتدي بك وستمتلك قدرة على تغيير الناس نحو الأفضل بكل إيجابية.

الفرقان: نصيحتك لنا سيدة أميمة؟

أميمة: لا تؤخّروا ولا تستصعبوا كتابة الخطة ولا تستبعدوا تحقيقها، لا بد أن تبدأوا (همّك ما أهمّك)، ابدأوا الخطوة الأولى والله ولي التوفيق بعد اتخاذ الأسباب.. ابدأوا ولو بهدف واحد أو مشروع واحد بشرط أن لا تصغّروها بل اجعلوها أفكاراً كبيرة عظيمة، فالأفكار متوفرة في ذهن الإنسان المنظم، وما عليه إلا أن يصطادها ويدوّنها ويتابعها.

JoomShaper