يحيى الزهراني
عن عمرِو بن مَيمونٍ رضي الله عنه قال: «رأيتُ في الجاهليةِ قِردةً اجتمعَ عليها قِرَدةٌ قد زَنَت فرَجموها، فرَجمتها معهم» (أخرجه البخاري).
وللعلماء مع هذا الحديث كلام، ولي مع هذه القصة وقفات:
الوقفة الأولى: تحريم الزنا
الزنى حرام، وفيه تعدٍ لحدود الله تعالى، وهو جريمة بشعة، فيه اختلاط الأنساب، وضياع الأسر، وتفرق الأبناء، ولم يُحل في ملة قط؛ لفظاعته وبشاعته وقذارته، ولقد جاءت الأدلة من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة على تحريمه، وتجريم فاعله ومرتكبه.قال تعالى: }ولا تقربُوا الزّنى إنّهُ كان فاحشةً وساء سبيلاً{ (الإسراء32)، وانظر إلى قوله تعالى: }ولا تقربوا الزنى{، ولم يقل سبحانه: (ولا تزنوا)؛ لأن التحذير من قرب الزنا ودواعيه ودوافعه أبلغ في الزجر والنهي.
وعن أبي هُريرة رضي الله عنه، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزني الزّاني حين يزني وهُو مُؤمنٌ، ولا يسرقُ حين يسرقُ وهُو مُؤمنٌ، ولا يشربُ الخمر حين يشربُها وهُو مُؤمنٌ، والتّوبةُ معرُوضةٌ بعدُ" (متفق عليه).
قال ابن المنذر رحمه الله في كتاب الإجماع: "وأجمعوا -أي العلماء- على تحريم الزنا".
الوقفة الثانية: عقوبة الزاني والزانية في الدنيا
نظراً لأن الزنى كبيرة من كبائر الذنوب، وعظيمة من عظائم الخطوب، فإنه جل وعلا رتب عليه عقوبة في الدنيا، فالزاني إما أن يكون عزباً أو متزوجاً.
فإن كان عزباً وزنى فإنه يقام عليه الحد بجلده مائة جلدة، ويسجن ويبقى في غياهب السجن مدة من الزمن كما يحكم عليه القضاء، فإن تكرر منه الفعل فإنه يرجم.
قال تعالى: }الزّانيةُ والزّاني فاجلدُوا كُلّ واحدٍ مّنهُما مئة جلدةٍ ولا تأخُذكُم بهما رأفةٌ في دين اللّه إن كُنتُم تُؤمنُون باللّه واليوم الآخر وليشهد عذابهُما طائفةٌ مّن المُؤمنين{ (النور: 2).. أما إذا كان الزاني -الزانية- متزوجاً فإنه يرجم حتى الموت.
عن جابر بن سمُرة رضي الله عنه قال: رأيتُ ماعز بن مالكٍ حين جيء به إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، رجُلٌ قصيرٌ أعضلُ، ليس عليه رداءٌ، فشهد على نفسه أربع مرّاتٍ أنّهُ زنى فقال رسُولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: "فلعلّك؟".
قال: لا واللّه إنّهُ قد زنى الآخرُ، قال: فرجمهُ، ثُمّ خطب فقال: "ألا كُلّما نفرنا غازين في سبيل اللّه، خلف أحدُهُم لهُ نبيبٌ كنبيب التّيس، يمنحُ أحدُهُمُ الكُثبة، أما واللّه إن يُمكنّي من أحدهم لأُنكّلنّهُ عنهُ" (أخرجه مسلم).
عن عُبادة بن الصّامت رضي الله عنه قال: قال رسُولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: "خُذُوا عنّي، خُذُوا عنّي، قد جعل الله لهُنّ سبيلاً، البكرُ بالبكر جلدُ مائةٍ ونفيُ سنةٍ، والثّيّبُ بالثّيّب جلدُ مائةٍ والرّجمُ" (أخرجه مسلم).
ففي الزنا تحد لقوة الله وقدرته وجبروته وبطشه، وارتكاب نهيه، فمن حكمة الله تعالى أنه لا يأخذ بالذنب لأول وهلة وأول مرة، بل يملي للظالم؛ لعله يتوب ويرجع عن غيه وفساد قلبه، وانتكاس فطرته، فإن لم يعد فقد أنزل الله بالعالم اليوم بلاءً يعرفه كل إنسان.
هذا البلاء سببه جريمة الزنا واللواط والشذوذ الجنسي عند الجنسين، فما داء الإيدز إلا نذير للبشر، لمن شاء أن يتوب أو يقع في المقدّر، وكم هي الإحصاءات العالمية التي تشير إلى ارتفاع معدل الإيدز في العالم نتيجة ارتكاب فاحشة الزنا -أعاذانا الله منه- فهذه العقوبة الدنيوية؛ بسبب تعد الحدود الإلهية، وفعل الفواحش الشهوانية، والنزوات الشيطانية، وارتكاب الجرائم البشعة الجنسية.
فقارن أيها المسلم بين لذة دقائق أو ثوان، وعقوبة مئات السنين أو آلافها في نار جهنم؟
فائدة مهمة:
من وقع في فاحشة الزنا، ثم تاب وأقيم عليه الحد رجماً أو جلداً، فهذا الحد كفارة له يوم القيامة بألا يمسه العذاب بإذن الله تعالى، عن عُبادة بن الصّامت رضي الله عنه قال: كُنّا مع رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم في مجلسٍ، فقال: "تُبايعُوني على أن لا تُشركُوا باللّه شيئاً، ولا تزنُوا، ولا تسرقُوا، ولا تقتُلُوا النّفس الّتي حرّم اللّهُ إلاّ بالحقّ، فمن وفى منكُم فأجرُهُ على اللّه، ومن أصاب شيئاً من ذلك فعُوقب به، فهُو كفّارةٌ لهُ، ومن أصاب شيئاً من ذلك فسترهُ اللّه عليه، فأمرُهُ إلى اللّه، إن شاء عفا عنهُ، وإن شاء عذّبهُ" (أخرجه البخاري ومسلم).
الوقفة الثالثة: عقوبة الزاني والزانية في الآخرة
ونأتي إلى نهاية المشوار البشري منذ خليقته وحتى مماته، ثم بعثه ونشره وحشره، فالزاني في الدنيا إما أن يُرجم، وإما أن يجلد، وفي القبر مصيره تنور فيه نار محرقة تحرق الجلود والأبدان، وتتأثر منها الأفئدة والقلوب، وفي نهاية المشوار، استقرار في نار جهنم إلى أمد يريده الله عز وجل، لا يعلم مداه إلا هو سبحانه، فربما استمر مئات السنين أو ملايين السنين، ومع ذلك فالله عز وجل لا ينظر إلى الزناة يوم القيامة، ولا يلقي لهم بالاً، ومن لا ينظر الله إليه، فمن يرحمه! ومن ينقذه من النار! وغضب الجبار!
قال تعالى: }والّذين لا يدعُون مع اللّه إلهاً آخر ولا يقتُلُون النّفس الّتي حرّم اللّهُ إلّا بالحقّ ولا يزنُون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً. يُضاعف لهُ العذابُ يوم القيامة ويخلُد فيه مُهاناً{ (الفرقان: 68 - 79).
الوقفة الرابعة: أخذ الحيطة والحذر
فأخذ الحيطة والحذر هي السبيل بإذن الله تعالى إلى إصلاح المنزل وأهله، وفي مقابل ذلك الحذر من الشك، فإن الشك دمار ولا سيما إذا لم يكن له سبب، فعلى رب الأسرة أن يسعى جاهداً لتفقد أسرته، ولا يترك لهم الحبل على الغارب، تسرح الأم، ويسرحن البنات، بلا زاجر ولا رادع!
ولا شك في أن ذلك غش للرعية التي بين يديه، وسيعاقب عليها يوم القيامة عقاباً أليماً، عن معقل بن يسارٍ رضي اللّهُ عنهُ قال: سمعتُ رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "ما من عبدٍ يسترعيه اللّهُ رعيّةً، يمُوتُ يوم يمُوتُ، وهُو غاشٌّ رعيّتهُ إلاّ حرّم اللّهُ عليه الجنّة"، وفي رواية: "فلم يحُطها بنُصحه لم يرح رائحة الجنّة" (رواه البخاري ومسلم).
الوقفة الخامسة: التحذير من أقارب الزوج والزوجة
هناك من الأزواج من يدمر بيته بيديه، وذلك بإدخال أقاربه أو أقارب زوجته إلى بيته في غيبته، ولا ريب أن ذلك خطر عظيم، فهناك من الأزواج من يأتي بأخيه ليدرس عنده، أو يكمل جامعته، أو غير ذلك، ثم يقع ما لم يكن بالحسبان.
ولهذا جاء الشرع القويم، بالتحذير من مغبة وخطورة هذا الوضع القائم في كثير من بيوت المسلمين اليوم، بقصد العفة والشرف والثقة، وإذا بالأمور تنتكس فطرها، وتتغير أوضاعها، فيجد الزوج زوجته وهي بين أحضان أخيه والعياذ بالله، فيقول: معقول؟ أخي، وزوجتي، فنقول له: نعم أخوك وزوجتك، وما الذي يمنعهما من ارتكاب الفاحشة، إذا توفرت أسبابها، وأُغلقت عليهم الدور أبوابها، وكان الشيطان ثالثهما.
وقد ضجّت الصحف بخبر ذلك الرجل، الذي أنجبت زوجته خمسة من الأبناء، وكان أخوه يسكن معه مدة طويلة من الزمن في بيت واحد، وفي يوم من الأيام احتاج الزوج أن يذهب إلى المستشفى لإجراء بعض الفحوصات الطبية.
ويا للمفاجأة، فعندما كان مع الطبيب يتحدثان إذ دخل عليه أولاده عند الطبيب، فسأله الطبيب من هؤلاء؟ قال: أبنائي، قال الطبيب: لا يمكن؛ لأنك عقيم لا تنجب، وعندما أُخذت عينة من الأطفال والزوج وأخوه، اتضح أن الأبناء للأخ، وليسوا للزوج! وهذه قصة حقيقية وليست خرافية.
فلو أننا تتبعنا زواجر الشريعة، وحمايتها للأسرة المسلمة، وعنايتها بها، وأغلقنا باب الحرام ومداخلة لسلمنا من أمور كثيرة، ولهذا جاء في الحديث، عن عُقبة بن عامرٍ رضي الله عنه، أنّ رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "إيّاكُم والدُّخُول على النّساء" فقال رجُلٌ من الأنصار: يا رسُول اللّه أفرأيت الحمو؟ قال: الحموُ الموتُ" (متفق عليه)، أتدرون من الحمو: إنه قريب الزوج، فالأخ هو الموت هو المصيبة هو الطامة.
الوقفة السادسة: التحذير
من دواعي الزنا
للزنا دواع كثيرة، ومثيرات وفيرة، فمن أعظم ذلك:
- الخلوة بين الرجال والنساء الأجانب.
- ومن ذلك تعطر المرأة وخروجها من بيتها وهي متعطرة متطيبة.
- ومن ذلك سفر المرأة من دون محرم.
- ومن ذلك تحدث المرأة مع الرجال الأجانب بتكسر وميوعة وخلاعة.
- ومن ذلك ضحك المرأة في الهاتف مع الرجال الأجانب.
- مشاهدة النساء والرجال عبر التلفاز، فهذه المشاهد تسبب فتنة كبيرة، وعواقب وخيمة.
- ومن أعظم ذلك مشاهدة الأفلام الخليعة الفظيعة التي تجلب الشر للناس، وتحرك مكامن غرائزهم وشهواتهم.
- الخلوة بين الرجال والنساء في العمل، ولقد أثبتت الوقائع والحوادث خطورة الوضع القائم اليوم في المستشفيات وغيرها.
وختاماً:
يا أيها الزاني! أقلع عن الذنوب، فلعل الله عليك يتوب، أما تستحي حين زنيت بأمته! أما خفت حين انتهاكك لحرمته؟ أظننت أنك لا توقف بين يديه؟ أم زعمت أنك لا تعرض عليه؟ كلا، فإنك مسؤول عن ذلك، ومطلع على تلك المهالك.