الدكتور عثمان قدري - خاص أمهات بلا حدود
هذه امرأة يبدو عليها الحاجة إلى الاستقرار في بيت زوج مناسب ، يحفظها من أقاويل الناس إن بقيت دون زوج أو معيل ، فهي تعيش في وحدةِ ووحشة . . . أليس لها أب أو إخوة ؟! قد يكون . ., أليس لها أرحام يحوطونها ويدفعون عنها ويقضون حوائجها ؟! قد يكون . . . لكنَّ هؤلاء لا يملؤون مكان الزوج الذي يحدب عليها ، ويهتمُّ بها ، وتهتمُّ به ، يملأ عليها بيتها هناءةً وسعادةً ، وتحفظه في بيته وماله وولده . .
إلى أين تذهب ؟ وعلى مَنْ تعرض نفسها ؟!! فلتذهب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو أولى بها من الآخرين ، وأولى بها من نفسها . وهو الرسول والقائد . . .
دخلت عليه ، فقالت : يا رسول الله جئت أهب نفسي !!
ولم تزد على هذا فليست رغبتها بالمهر ولا الأثاث الفاخر ، ولا بشيءٍ من بهارج الدنيا . . سوى رجل يصونها . . وها هي تهب نفسها للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، إن أراد أن يستنكحها خالصة له من دون المؤمنين . . .
ووقفت أمامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ طويلاً ، وهو ينظر إليها ، مصوّباً ومدققاَ ، فهي تعرض نفسها عليه ، وله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يرى ، فقد تعجبه ، وقد لا تروق له ، فإن قال نعم فهي له . . ومن أدبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن لا يرفض هذا العرض بقول ، أو إشارة ، فهذا أدعى لحفظ ماء وجه المرأة وكرامتها ، وسكوتـُه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبلغ ردّ .
فلما طال مقامها ، قال رجل جالس في حضرة المصطفى ـ صلى الله عله وسلم ـ : يا رسول الله ، إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها . نظر إليه الرسول الكريم ثم قال : (( ادخلي إلى عائشة )) ، ثم قال للرجل : (( أعندك ما تدفعه مهراً لها ؟ ))
قال الرجل : لا يا رسول الله .
قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( اذهب ، فابحث ما تستطيع ولعلَّ أحداً ينفلك )) فذهب الرجل وعاد خالي الوفاض فقال :
والله يا رسول الله ما وجدتُ شيئاً فأنا رجل فقير .
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( اذهب فالتمس شيئاً ولو كان خاتماً من حديد )) .
يريد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الرجل أن يشعر بأهمية الزواج ، وأنّه حين يدفع مهراً لزوجته مهما قلَّ هذا المهر ، قد أصبح مسؤولاً عن بيته ، وعليه أن يتعب ويكدَّ في سبيله . . .
وكأن البحث قد أعياه ، ليس لأن المسلمين بخلوا عليه لكنْ ـ والله أعلم ـ ليعلم أن للزواج أعباءً ، ولحكمة يريدها الله سبحانه ، فعاد يقول حزيناً كاسف البال : لا ـ والله يا رسول الله ـ ولا خاتماً من حديد . . . وجلس لا يدري ما يفعل . . . كان عليه إزار ، والإزار ما يلفـّه الرجل على جسده ويربطه على خصره أو على أحد عاتقيه وليس معه غيره ـ أما الرداء وهو الثوب المخيط يرتديه الإنسان فلم يكن يملكه .
قال : يا رسول الله أُصدِقُها إزاري هذا . . فنظر إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : (( أتعطيها إزارك ؟! إن أنتَ جعلتَه عليكَ لم تستفدِ المرأة منه ، وإذا كان عليها فستظلُّ أنت دون إزار )) . ووجم الرجل ، وجلس مكانه بائساً وقد أسقط في يده . فلما يئس ولى مدبراً ، وفي قلبه جرح كبير وحزن شديد . .
ولكنَّ النبيَّ الرحيم والرسول الحاني كان يريد له أن يبني بيتاً مسلماً فيه زوجة محبّة فاضلة ، وبراعم مسلمة تكون عدة للغد المسلم المشرق . .
قال لبعض أصحابه : (( ادعوه لا يبتعد )) فأسرع أحدهم إليه فقال : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعوك . . فرجع مسرعاً مستبشراً . . . هذا أنا يا رسول الله ، هل دعوتني ؟ تبسّم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم قال : (( ما تحفظ من القرآن ؟ )) قال : أحفظ كذا وكذا ، وبدأ يعدد السور التي يحفظها . . . إذاً فهو ليس فقيراً ، ففي قلبه كنوز رائعة وفيرة ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( قد ملَّكْتُكَها بما معك من القرآن ، بارك الله لكما ، وبارك عليكما وجمع بينكما على خير )) .
وكان هناك أسرة مسلمة جديدة .
مَهر غالٍ
- التفاصيل