أ. صالح أحمد الشمري
ليس سرًّا أن قرار اختيار شريك الحياة يُعَدُّ من أولى القرارات الهامة في حياتنا.
هي صفحة جديدة بعنوان جديد نسطِّر فيها أحداثًا، وأحيانًا البعض منا يضع نقطة في أول الطريق أو في منتصفه، ويبقى الكثير -وهم الأصل- يتفاعلون مع واقعهم حلوًا كان أو مرًّا، وبالرغم من كل هذه الأهمية، فإن الواقع يشير إلى تساهل كبير منا حوله، فلا الأُسَر اهتمَّت بتهيئة الأبناء لطبيعة تلك المرحلة وتداعياتها، ولا المتزوِّجون أنفسهم قد بذلوا الأسباب وأخذوا الزاد لمواصلة الطريق، وبلوغه بيُسر وسلام، والأعجب من ذلك أن تسمع من القَصص ما يوضِّح لك كيف انبرى بعض الآباء لاتخاذ القرار عِوَضًا عن ابنهم المتزوِّج، فيختارون له هذه، ويتركون تلك، وهذا خطأ بيِّن، فإن ناقشت أحدهم وأوضَحت له خطأ تصرُّفه، ردَّ عليك بأن الولد لا زال قليل الخبرة، وبحاجة إلى مَن يسانده!
أرأيت لو أن سباقًا من سباقات "رالي" السيارات ذات المسافات الطويلة، ثم قرَّرت أيها الأب بأن يشارك ولدك في هذا السباق، فاخترت له سيارة، ثم هيَّئتها وتأكَّدت من صيانتها وسلامة الأداء، ثم أحضرت له لباسًا خاصًّا بهذه المناسبة، فركب الابن السيارة، وانطلق مع أول صافرة تُؤذن بالبَدْء - ألا توافقني أيها الأب، بأن هذا من ضروب الخيال؟!
ماذا لو تعطَّل فجأة أحد الإطارات؟
ماذا لو واجه في طريقه بعض العوائق أو الحواجز؟ كيف سيتعامل معها؟
كيف سيصل في سباقه بأمان نحو الهدف أو نقطة الانتهاء؟
هكذا هي الحياة: إذا كلما أراد أحدنا أن يدخل مرحلة جديدة، تطلَّب الأمر منه بأن يتهيَّأ نفسيًّا ومعرفيًّا، وأولى تلك الخطوات الخاصة بالتهيؤ هي الدعاء، نعم الدعاء أن تدعو الله بأن يرزقك المرأة الصالحة، ولا مانع أن تضيف ما تحب من وصف إن كنت تريدها متعلمة جميلة، أو غير ذلك من الأوصاف، ولا تعجب، فأنت تطلب من الملك - جلَّ في علاه - كما أنك بالدعاء ترد بعض ما قدِّر عليك، حتى في مسألة الاختيار؛ كما جاء في الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا يرد القدر إلا الدعاء)).
بل إن من الذكاء أن تدعو الرب - سبحانه - بأن يبارك لك في ما تبذله من جهود لإتمام حفل الزواج، ولا تعتقد بأن هذا الأمر أمر عابر، بل هو من الضرورات التي غَفَل عنها الكثير، فما أن يبارك الله في جهودك وسعيك، حتى تجد السرعة في اختيار المرأة المناسبة، وسوف تجد المهر الميسور من وليِّها، وستلحظ سرعة في توفير مهر الزواج، وسهولة في سُبل سداده، فإن تم الزواج ودعاؤك لربك لم ينقطع، سترى دلالتك وهدايتك على أفضل العروض في الحجز، أو شراء ما تحتاجه من مستلزمات يوم الحفل أو بعده.
إن مما يعاب على الكثير من الأُسَر - وللأسف - اهتمامهم بالمظهر على حساب الجوهر، لا أعني: ما يتعلق بالزوجة القادمة، بل المرحلة التي تسبق حفل الزفاف، وهي فترة التجهيز؛ حيث ينصبُّ جلُّ اهتمامنا: على حجز المكان، وشراء كسوة جديدة، وكماليات، ونحوها، وإني لا أُقلِّل من دورها إطلاقًا، ولكن للمبالغة فيها، وإني أتساءل:
أين دور الجانب المعرفي لدخول هذه المحطة الهامة في حياتك أيها الشاب؟
فهل قرأت كتابًا موثوقًا به حول الزواج، وما أكثرها ولله الحمد؟!
هل عَرَفت ماهية هذه المرأة؟ وكيف تُفكر؟ وما يُسعدها؟ وما يسوءُها؟
لِمَ تجعل زواجك أمرًا عاديًّا كبقية الزيجات التي تتم؟
هل لديك ضمان من أحد بعدم نشوب أي خلاف يُفضِي بقدر الله إلى الفراق؟
هل وصلك العلم بأسباب الخلاف بين الزوجين لتتجنَّبه؟
هل عَرَفت كيف يشدُّ حبل الوِئَام بين الزوجين لتتمسك به؟
والأمر سهل ميسور، فحضور دورة تدريبية لمدة لا تزيد عن ثلاثة أيام كفيل - بحول الله - بتجنيبك الكثير من المزالق في الحياة القادمة، وقد تكون سببًا في جعْلك من السعداء، وقد لمَست حرص العديد من الجهات الخيرية وجمعيات النفع العام في إقامة العديد من الدورات الزوجية؛ لرفع سقف الوعي لدى المتزوجين الجدد، وهي نافعة لمن لا يقرأ، وإلا فبعض الكتب الموثوقة لا تقل نفعًا عنها.
لقد يسر الله لي المشاركة بتلك الدورات وقراءة بعض الكتب قبل دخول عش الزوجية، وقد لمسَت أثرًا عظيمًا في ذلك، ولا زلت أذكر أحد المدرِّبين المتخصصين حين قال: إن من النادر أن يمر علينا شخص مُقبِل على الزواج ويحضر هذه الدورات؛ فقد اعتدنا أن يكون الحضور من المتزوِّجين حديثًا، أو ممن مضى على زواجه فترة من الزمن!
إن من جملة ما أصاب العالَم من تغيُّرات، كان في الجانب الأُسري؛ فأمهات اليوم لَسْنَ كأمهاتنا في الماضي، والظروف اختلفت عن ذي قبل، ولن تستقيم لنا الأمور إلا بسلسلة من الوعي والمعرفة لا تنتهي.
القرار الهام في حياتنا
- التفاصيل