سحر المصري
مودةٌ ورحمة.. وسكنٌ.. كلماتٌ على قلّتها تختصر منهج حياة بين شريكين ارتضيا أن يكونا نفساً واحدة.. يتشاركان الطريق في حياةٍ ممزوجة بالحب والأمل والسعادة والمسؤولية.. وربما الألم..
ولا بد من مقوِّمات عدّة لتستقيم الحياة بين الزوجين وتتَّسِم حياتهما بالراحة والسعادة والمشاركة النفسية والوجدانية ولعلّ من أهم هذه الأُسس: المصارحة الزوجية التي تولِّد الثقة والاستقرار وبانعدامها يعيشان في ريبة وترقب وشك وخشية من بعضهما مما ينذر بزلزال يهزّ أركان بيتهما فإن وقع تنتهي الحياة الزوجية بينهما لا محال. على أنّ لهذه المصارحة حدود وضوابط.. كما أن لها سلبيات وايجابيات..
فبعض الناس يتكلم بكل ما خطر له على بال فتتبعثر خواطره يمنة ويسرة وقد تصيبه في مقتل إن باح بما لا يفيد كأن يتكلم أحد الزوجين عن علاقاته السابقة أو معاصٍ ارتكبها وستره الله عليها فيفضح نفسه أو قد يُفشي أسرار أهل الطرف الآخر أو أهله هو فيعيب عليه الشريك فيتخاصمان.. أو قد يبوح بما يجرح الشريك فيشعر الأخير بالإهانة في الكلام وتبدأ رحلة مشاكل لا تنتهي. فيجب أن يتحلّى الزوجان بالحكمة والكياسة ولا يلقيان بالكلام على عواهنه خاصة إن كان أحدهما لا يتمتّع بقدر كاف من الحكمة والفهم والإدراك.
وفي الجانب الآخر فقد نجد بعض الأزواج الذين لا يتكلمون ولا يتصارحون بمكنون أنفسهم ما قد يؤدي إلى فجوة عميقة بينهم قد تكون نهايتها طلاق صامت أو خرس زوجي أو توتّر دائم وقلق وينشأ الجفاف العاطفي بين الزوجين ليفتش بعدها كلّ منهما عن نفسه خارج بيته.
إذاً.. المصارحة بين الأزواج تصحّ حين تكون في منطقة وسطى بين مطلقة ومقيّدة. ويجب أن يعلم كلا الزوجين ماذا يجب أن يخفيا عن بعضهما وبماذا يبوحان ملتزمين بآداب المصارحة وبذلك يلِجان إلى قلوب وعقول بعضهما البعض ليكتمل التفاهم والتقارب.
ولهذه المصارحة ايجابيات في الحياة الزوجية أوضحها علماء الاجتماع منها:
- إخراج مكنونات النفس وعدم تراكمها.
- التقريب بين وجهات النظر وأنماط السلوك.
- الشعور بالثقة المتبادلة.
- الوقاية من كثير من المشكلات وحلها فى مهدها قبل تفاقمها.
- إشعار لكل طرف بأهميته عند الطرف الآخر.
- تحقيق المودة والرحمة والسكن لكلا الزوجين.
وفي دراسة أُجرِيَت على الرجال وأُخرى على النساء نُشِرَت في موقع الكتروني ورد فيها ما يرغب كلّ منهما اخفاءه عن الآخر..
فأما الرجل فيفضِّل الاحتفاظ لنفسه بالمدخول المالي، أسرار العمل، علاقته بأصدقائه، علاقته بالنساء الأُخرَيات، الذكريات الماضية، الأمراض الصحية، مشاكل أهله، الزوجة الثانية، التبرعات والصدقات، والمشاريع المستقبلية أو الديون إن وُجِدَت.
بينما المرأة فتحب ان تُخفي عن زوجها مشاكل أهلها، الراتب، أسرار صديقاتها، الحب القديم، مشاكل العمل، الذهاب الى السوق، أخطاء وعيوب أطفالها، تصرفاتها الخاطئة، ثمن ثيابها، مساعدتها أهلها، صديقاتها المتميّزات وتناولها لحبوب منع الحمل.
أفكار عملية لتعزيز مبدأ المصارحة بين الزوجين:
·تعويد النفس على المصارحة
ان المصارحة تبدأ في سنّ مبكرة وعلى الأهل أن يبثوا في نفوس أبنائهم الرغبة في الحوار ويزرعون في أنفسهم الجرأة على الكلام فيما يحتفظون به في قلوبهم حتى اذا ما كبر الولد أو البنت ودخلا مرحلة الخطوبة كانا متعوّدان على فكرة المصارحة على الأقل فما أن يختلطا قليلا ويرتاحا لبعضهما حتى تبدأ رحلة المصارحة ليفهما بعضهما أكثر وتكتمل القصة بعد الزواج.
وأُخِص بالذكر الصبي ففي بعض مجتمعاتنا الشرقية يتربّى الولد على أنه لا يجب أن يحاور ولا أن يصارح الزوجة بمشاعره ولا أن يُظهِر حنانه لأن ذلك يُنقِص من رجوليته ويُذهِب هيبته أمامها.
· الالتزام بآداب المصارحة
للمصارحة آدابا عديدة يجب أن يلتزم بها الزوجان ليصلا الى نتيجة مقبولة لديهما ومنها:
v أن تكون المصارحة لينة رقيقة لا تؤذى شريك الحياة.
v اختيار الظرف المناسب للمصارحة.
v أن تحمل معنى النصيحة التي توجَّه بصدق وحب.
v أن يكون الأسلوب هادئا.
v أن لا يُلقي الطرف الأول بكل ما يضايقه في وجه الآخر دفعة واحدة فيُذهَل ويتّجه بعدها نحو سلبية أكبر.
v ومن المهم بمكان الابتعاد عن:
- المبالغة أو الخلط والعشوائية في الكلام
- اعلاء الصوت
- اظهار البرودة وعدم الاكتراث
- النظر الى الساعة او الرد على الجوّال
- ابداء الغضب والامتعاض
- مقاطعة الشريك
- استعمال الكلمات الجارحة
- تجاهل المشاعر
- اللف والدوران والتضليل
- التراكمات المزمنة حتى اذا ما تمت المصارحة انفجر كلّ منهما بسبب الضغط.
· تعزيز المرأة ودورها وكيانها
مشكلتنا في مجتمعاتنا العربية الشرقية أن الرجل هو دائماً صاحب السلطة وعلى المرأة أن تطأطئ الرأس له وتخضع – مرغمة أو راضية- لما يراه ويريده. ومن هنا تفقد المرأة – خاصة ان كانت أقل كفاءة ووعي وادراك ومهارة وعلم من الرجل – الثقة بنفسها والاعتزاز بما عندها وتصبح تبعاً للرجل لحاجتها الكبيرة لتقديره ورضاه وبذلك تتزايد التراكمات السلبية في حياتها والاحباط عندها. فلا بد هنا من محاولة تعزيز مكانة المرأة عامة وتشجيعها على التعلّم العالي. ويبدأ هذا الدور من الأهل مرورا بالمدرسة والمؤسسات الأهلية ولو أن هذه القضية قد بدأت بالانتشار في العديد من البلدان العربية الا أننا لا زلنا في حاجة الى دعم المرأة وكيانها لتصبح قادرة على اثبات ذاتها والايمان بقدراتها وتمتلك حينها الجرأة للمصارحة “الذكية” وعدم الرضوخ للرجل خوفاً أو تسليماً!
· الاختبارات بين الزوجين
يجتمع كلّ من الزوجين بشكل دوري ويقومون بعرض جدول يحتوي على أجوبة لأسئلة محددة:
*ماذا فعلت اليوم والبارحة والأيام الماضية في الأسبوع السابق لتحسين نمط العلاقة المشتركة؟
*ما الذي قصّرت فيه من جهة زوجتي؟
*ما الذي صدر من زوجتي وضايقني؟
الى ما هنالك من أسئلة يتفق عليها الزوجان ثم يكتبان الأجوبة خلال الأسبوع بمعزل عن بعض ثم يجتمعان ويستقرءان ما كتباه ويناقشانه ويفضفضان لبعضهما عن ما كان منهما فإن تعذّر الاجتماع الأسبوعي فليكن كل أسبوعين على أن لا يتعدى هذه الفترة حتى لا نصطدم يوماً ما بالكيس المدفون!
· إشعال الحب
الحب له طاقة عجيبة في التغيير والتقريب. فإن شئنا أن تكون المصارحة دائمة وعلى مستوى راق فعلى الزوجين أن يعملا على تزكية مشاعرهما وابقاءها ساخنة دائماً. والمداومة على اظهار مشاعر الحب بالأقوال والأفعال وتأكيد كلا من الزوجين في حياتهما اليومية على أن كل واحد منهما هو أغلى مخلوق على قلب الآخر ومشاركتهما الهوايات نفسها والاهتمامات ذاتها وبذلك يولّد الحب الحوار وييسّر سبل المصارحة.
· تدارس سيرة الحبيب عليه الصلاة والسلام
فلا أجمل من الاقتداء والتأسي والتعلّم من رسول البشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وفي سيرته عِبَر تترى وفوائد جمّة في كل أمور الحياة. وقد ورد فيها كيف أنه دعا إلى أن يصارح الأخ أخاه عن حبه له في الله فكيف إن كانا زوجين؟ وكيف تعامل عليه الصلاة والسلام في حادثة الإفك ولم يصارح أمنا عائشة رضي الله تعالى عنها بما يقول الناس وفي هذا إشارة إلى أن للمصارحة حدود ومقادير يجب أن نعرفها.
أخي الزوج.. أختي الزوجة..
الحياة قصيرة.. والمشاكل عديدة.. فلا أقل من أن نعيش حياتنا في ارتياح مع من نحب..
في أيديكما مفتاح السعادة.. فلا تبخلا بها على نفسيكما وعائلتكيما.. ابدآ منذ اليوم بالمصارحة بينكما.. ولكن.. ضمن الشروط!
مدونة الظلال الوارفة