د . يحيى عثمان
زوجي الحبيب.. تقبَّل هديتي.. زوجةً ثانية أستاذي الفاضل، أعرض عليك قراراً قد يكون غريباً بعد أن اتخذته، وأنا لا أطلب استشارتك، ولكن هي رسالة لقرَّائك؛ بهدف تعديل الرؤى لموضوع من الموضوعات المهمة التي قد تتعرض لها الأسرة المسلمة، كما يهمني أن أعرف تقييمك الموضوعي، ولعلي أقدِّم نموذجاً مختلفاً تماماً عما يدور في أذهان الأزواج حول الزوجة الثانية.أنا زوجة في منتصف الأربعينيات من العمر، ولله الحمد جميلة مثقفة، ولدي ثلاثة أبناء من زوج في أوائل الخمسينيات يشغل مركزاً مرموقاً، وتجمعني وزوجي منذ ارتباطنا من أكثر من عشرين عاماً قصة حب ونجاح، لدرجة أنه يصعب علينا جداً أي فترة فراق حتى ولو لم تزد على يومين أو ثلاثة كل شهر عندما تتطلب ظروف عمل زوجي الحبيب ذلك. على الجانب الآخر، أنا من عائلة ودودة جداً، صلة الرحم بها وثيقة جداً، ولي ابنة خالة تربطني بها صداقة متينة ودافئة، علاوة على صلة الرحم بها. وبالرغم من أنها كانت تفوقني جمالاً وتفوقاً دراسياً، فإنني لم أشعر حتى في فترات المراهقة بالغيرة منها؛ لأنها كانت تغمرني بحنانها وعقلها وقلبها الكبير، فقد كنا أيضاً زملاء دراسة، ولتفوقها الدراسي عُيِّنت معيدة بعد تخرجنا من الجامعة، وانكبت على دراستها، في حين تزوجتُ أنا مباشرة بعد تخرجي. أكملتْ هي دراستها حتى حصلت على درجة الدكتوراه، وفي سبيل ذلك اعتذرت عن عروض الزواج والتي بدأت تتضاءل مع تقدم العمر. وبعد وفاة والديها، وانشغال كل أخواتها في حياتهم الأسرية، لاحظت عليها العزوف والحرج من التواصل العائلي، ورغم إلحاحي عليها كثيراً، فإنها كانت تتعلل بالانشغال في عملها الجامعي. وفي ليلة كان زوجي مسافراً في مهمة خاصة بالعمل، وشعرت بافتقادي له رغم وجود أبنائي معي، وتذكرت وحدة رفيقة طفولتي وشبابي التي حُرمت من الزوج والأولاد، طلبتها للاطمئنان عليها، وبعد عدة محاولات جاءني صوتها يئن من الألم، ولم تستطع إكمال المكالمة فهرعت إليها بصحبة أكبر الأبناء.

وكانت في حالة من الإجهاد الشديد، وعلى الفور اتصلنا بالطبيب، وألححت عليها لاصطحابها معي للمنزل من شدة القلق عليها، ولاحظت عليها شدة الامتنان بوجودها معنا وبالحالة المعنوية المرتفعة لديها، ووجدتني دون تفكير أعرض عليها الزواج بزوجي! نعم عرضت عليها الزواج من زوجي، الذي أحبه ويحبني، ولا يوجد بيننا غير كل ود وامتنان، ولا نواجه أي مشكلة في زواجنا. ضحكت من كلامي، وقالت لي: أنا المريضة ولست أنت، واعتبرتها طرفة مني لأرفه عنها، ونكتة عابرة، وقبل أن تعي ما أقول بادرتها وكررت عليها هذا العرض، وكان ردها جزاك الله خيراً على هذا الفصل الفكاهي، واستأذنتني للنوم.

ولكنني كررت عرضي عليها مرة أخرى ولكن بصورة القرار، لما بيننا من علاقة خاصة، ولكنها ضحكت مؤكدة أنني أمزح. عدت إلى فراشي أستعيد حديثي وأكرره، وأتساءل: هل حقاً أنا على يقين بمشاعري، أم ستغلبني غيرتي؟

ولكن والحمد لله وجدتني أعود بذكرياتي لمرحلة المراهقة وأحلامنا الوردية عن الزوج والأولاد، ومشيئة الله أن أتزوج أنا وتظل هي محرومة وهي الأجمل والأكثر تفوقاً؟ ووجدتني أضع فرضية أن زوجي أمامه فرصة عمل تتطلب غيابه عن المنزل نصف ليالي الأسبوع، مقابل عائد ضخم جداً، وسيعوضني نصف دخله نظير غيابه، هل أوافق؟

ووجدتني أتذكر أن ما عند الله خير وأبقى، وكانت أسعد ليالي حياتي. طوال أسبوعين، كنت أعيد مناقشة الموضوع معها، وأركز على أنني سوف أكون سعيدة لو قبلت ذلك، كان ردها المتكرر: لماذا؟ وأنت جميلة وعلاقتك بزوجك رائعة وزوجك دائماً يتحدث عن سعادته بكِ.. فلماذا؟ كان ردي دائماً: كيف أنعم أنا بزوج ويمكننا أن نهنأ كلنا معاً؟

وحيث إن زوجي نِعْم الزوج، يسعدني كذلك أن أضاعف من سعادته بزوجة أخرى مثلك نعم الأخت والصديقة، قالت: ومن أدراك أن زوجك سيوافق؟

قلت: ومن يرفض زوجة ثانية مثلك؟ والحمد لله أقنعتها بذلك، لدرجة أنها قالت: بشرط، أن من العدل إذن أن يقضي معكِ والأبناء أربعة أيام، ثم يوماً واحداً معي وهكذا، كما اقترحت أن تقضي هي مع الأبناء يوماً كل أسبوع حيث أتفرغ فيه كاملاً لزوجي نقضيه كما يحلو لنا. شعرت بقمة الفرح تملأ قلبي، ولكنها أصرَّت أن أستشيرك قبل أن أفاتح زوجي فما رأيك؟

الحل ابنتي الفاضلة، جزاكِ الله خيراً،

لقد أعطيتِ نموذجاً عملياً لبعض الحِكَم والمقاصد الشرعية لتعدد الزوجات، لقد أصبح التعدد في عصرنا وواقعنا نموذجاً لبناء بيت على حساب آخر ولحساب زوجة خصماً وظلماً لأخرى. كما أنه ثبت في روع كل زوجة أن الزوج عندما يتزوج بأخرى فذلك لسببين؛ كليهما انتقاص منها كامرأة وطعناً بها، فقد يعلل الزوج زواجه الثاني بعدم قدرة الزوجة الأولى على الوفاء باحتياجاته الخاصة، وطبعاً ذلك جرحاً وطعناً في أنوثتها، ويتناسى الرجل أنه لا يتحرج أن يفصح عن مرضه مهما كانت خطورته، إلا أنه لا يمكن أن يقبل نفسياً أن يعلم أحد عن قصوره في علاقته الخاصة بزوجته، وقد يكابر حتى أمام زوجته، وقد يصل به الأمر إلى أن يوهم نفسه بأنه سليم، ولكن العيب في زوجته، ويعتبر مجرد طلب زوجته أن يعرض نفسه على طبيب متخصص في أمراض الذكورة إهانة وجرحاً لكبريائه، ورغم كل ذلك يعلن دون مراعاة لمشاعر زوجته أنها لا تستطيع تلبية احتياجاته الخاصة. وقد يبرر الزوج زواجه الثاني بسبب سوء عشرة زوجته الأولى، وأنها تسبب له المشكلات، وعقاباً لها وللبحث عن راحته فإنه تزوج بأخرى، وهذا طعناً في ذاتها وسيرتها.

هذا بالإضافة إلى أنه عادة ما يتصرف الزوج بسلبية تجاه زوجته الأولى، وهي التي شاركته قصة الكفاح، وضحت من أجل أن يصل إلى ما وصل إليه من قيمة اجتماعية ومالية، فيميل كل الميل إلى الثانية على حساب الأولى - بدلاً من أن يعوضها والأولاد خيراً عن بعض ما سيفقدونه نتيجة وجود الزوجة الثانية في حياته - فما بالنا إن كان مقصِّراً مع زوجته الأولى خاصة في حقوقها الشرعية، ويرى أن الزوجة الثانية مجدِّدة لطاقته التي ضاعت.. فتعاني الزوجة الأولى ليست من شريكة تقطف ثمرة كفاحها فقط، بل تجور على كل حقوقها. أيضاً الزوجة الثانية عادة للأسف لا تقدِّر مشاعر الأولى، وتتجاهل ما سببته من ضيق لها، فبدلاً من أن تسعى لتحسين علاقتها بزوجته الأولى وأبنائه، وتحثّ زوجها على العدل، نجدها عادة ما تتفنن كيف تستأثر بزوجها، وتحول بينه وبين القيام بواجباته، ليس فقط تجاه زوجته الأولى بل وحتى رعاية أولاده. تتلقى الزوجة الأولى نبأ زواج زوجها بأخرى بهذه الصورة السلبية، فتتولد لديها بجانب الغيرة الطبيعية كل المشاعر السوداوية، وتتعاون مع شياطين الإنس والجن للنيل من هذه الزوجة، متناسية أنها امرأة مسلمة من حقها الزواج، ولو كانت مكانها محرومة من دفء الحياة الزوجية لقبلت أن تكون شريكة في زوج بدلاً من آلام الوحدة. بكل هذه السلوكيات السلبية من ثلاثية الزواج الثاني، نحن رسخنا أسوأ صورة لأسمى علاقة، ناهيك عن أن عادة ما يكون اختيار الرجل للزوجة الثانية غير مناسب من الناحية العمرية. أليس نحن - كمسلمين - متكافلين؟ فكيف نترك الأرملة والمطلقة - إن كن لهن رغبة في الزواج - حتى وإن كان لديهن موارد الرزق المناسبة فمن حقهن على المجتمع أن يتزوجن ولا يُنبذن، إن كان هذا في حق الأرملة والمطلقة، فما بالنا بمن لم توفق بعد للزواج في مقتبل العمر، هل نتركها لتكمل باقي عمرها وحيدة؟

إذا كانت الصدقة بنصف رغيف أدخلت الجنة، فما بالنا بمن تتصدق بنصف زوجها؟ إن كنا مأجورين بفضل الله تعالى على مجرد طلاقة الوجه؛ «لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو تلقى أخاك بوجه طلِق»، فما بالنا بمن تُدخل البسمة في حياة أخت لها بل وأسرتها.. إن التكامل المعنوي أهم من التكافل المادي. أما وإن زوجة فاضلة في منتصف الأربعينيات سعيدة مع زوجها، ولكنها تستشعر بأن صديقتها محرومة؛ فنحَّت أثرة النفس وأبعدت الغيرة الأنثوية الطبيعية جانباً، وتصدقت بجزء غالٍ من حياتها في سبيل إسعاد صديقة عمرها وابنة خالتها؛ لتُدخل على قلبها بل وحياتها السعادة؛ فلها الأجر بفضل الله عظيم. تحية إجلال وتقدير، فلقد قدمتِ نموذجاً عملياً لمعاني الإيثار، ونموذجاً أرجو أن يحتذى به.

أنا على ثقة أن الله تعالى سيعوِّضك خيراً، ويبارك لك ليس في زوجك فقط، بل في أولادك، وكل حياتك، وستنعمين أنت وزوجك بحياة زوجية أفضل مما كنتما عليه، وأن الله تعالى سيبارك لكم جميعاً فهنيئاً، وجزاكِ الله خيراً.

ــــــــــــــــــــــــــ

مجلة المجتمع

JoomShaper