أمرية المريطي
يقدر الله لبعض الأبناء أن يموت آباؤهم ويحرموا من حنان الأبوة، فيطلق عليهم "أيتاما"، ونجد آخرين أيتاما وآباؤهم أحياء, إنهم أبناء ترعرعوا في أسر غاب فيها الأب واختار التنحي عن دوره كمربٍ، فلا يعرف عن أبنائه سوى أسمائهم. يحتل الأب مكانة خاصة إذ أنه يلعب دورًا رئيسيًا في تنشئة الأبناء، وتماسك الأسرة واستمرارها. وليس من باب الصدفة أن يطلق على الأب في مجتمعنا عبارة "رب الأسرة"، وإذا كانت الزوجة عمود البيت، فإن الأب سقفه، وكما لا يقوم بيت بلا أعمدة، فإنه إذا كان بلا سقف كان عرضة للعواصف والأنواء تعصف به وقد تهلكه.
تعاني العديد من الأسر في مجتمعنا ظاهرة غياب الأب عن أداء دوره الأسري تجاه الزوجة والأولاد,, وتنتشر قضية غياب الآباء عن المنزل لساعات طويلة، أو لأيام وأسابيع، وقد تصل في بعض الأحيان إلى سنيين، وأصبح يطلق عليهم الآباء "الحاضرون الغائبون".
"السياسية" تسجل شكوى زوجات وصرخات أبناء تساءلوا لماذا يتخلى الأب عن دوره ويتحول إلى ضيف لساعات قليلة على المنزل؟ فما خطب هؤلاء الآباء؟ وما هي أضرار هذا الغياب على حياة الأطفال؟
** لقمة العيش
تعد الظروف الاقتصادية التي تعانى منها غالبية الأسر أحد أسباب غياب الأب عن أسرته، فينشغل بعض الآباء بتوفير لقمة العيش للأسرة، ويتحول دورهم إلى ممول لميزانية الأسرة، وتوفير نفقاتها وما تحتاج إليه من مأكل وملبس، وترك الباقي للأم، وهذا ما حدث مع والد سحر، التي تخرجت من الجامعة، ولم يعرف أباها الذي يغيب عنهم لفترات، وقد يضطر إلى السفر خارج البلاد، بذلك تقول: "كان اهتمام أبي فقط بعمله، وكيف ينجح فيه، وكيف يوفر لنا المال لنعيش بأمان، ولم يسأل يوما عن أحوالنا".
تكثر هجره الآباء لمنزلهم من أجل العمل لفترات طويلة، حيث يخرجوا من الصباح ويعودوا في ساعات متأخرة من المساء منهكين من العمل وغير متفرغين لمشاكل أطفالهم ولا يهتمون بهم. وبات كل تفكيرهم بأن يعوّض العائلة بالمال عوضاً عن بقائه معهم.
** الأب الاتكالي
إذا كان غياب الأب بحجة طلب الرزق فإننا قد نعذره في هذا، ولكن هناك آباء يعيشون مع أبنائهم في المنزل نفسه، ولا يقومون بدورهم الطبيعي ليس لانشغالهم بعملهم وإنما لتخليهم عن واجباتهم ومسؤولياتهم الأسرية، وألقى بالمسؤولية تلك على عاتق زوجته، وهذا ما سردته لنا أم عبد الله التي قالت: إن زوجها لا يعرف في أي صف يدرس أبناؤه, والسبب -حسب كلامها- هو اعتماد زوجها عليهم في تصريف شؤؤن المنزل.
كما أن تقبّل المجتمع لظهور المرأة وتواجدها في الأماكن العامة التي كانت محصورة على الرجال فقط، إضافة إلى قبول الزوجة لهذه المهام وموافقتها على أداء هذا الدور بكل ترحاب كل هذه الأسباب جعلت الزوج يلقي بكثير من مسؤولياته على زوجة تستطيع أن تؤديها نيابة عنه دون الحاجة لحضوره وتواجده.
وتسرد لنا زوجة أخرى إهمال زوجها لشؤون المنزل، فتقول: إن زوجها يقضي يومه بين العمل والسهر مع الأصحاب، وكأنه غير متزوج، وأصبح المنزل مجرد فندق للطعام والنوم, وأنه لا يعطى منزله وأولاده الحق الكامل كما يعطي أصحابه فيقضى فترة الصباح في عمله، وباقي اليوم مع أصحابه في مقايل القات.
أحد ضحايا إهمال الأزواج للأبناء وقوت الأسرة، تقول بمرارة شديدة: إن القات كان السبب الرئيس وراء غياب زوجها من المنزل، فقد بات القات أهم له من أبنائه وأسرته، كما أن القات تسبب في فصله من عمله.
** زوجه أخرى
كثرة المشاكل بين الزوجين إلى حد أن يترك الزوج منزله، ويبحث عن زوجه أخرى، فيهتم بالبيت الثاني ويهمل الأول، ولا يعرف أي تفاصيل عن منزله الأول، وهذا ما حصل مع أحد الأزواج الذي ترك منزله وأولاده السبعة، واهتم بالزوجة الثانية أخرى وأهمل أولاده.
** غياب مادي
يشكي كثير من الزوجات استهتار أزوجهن وعدم قدرتهم على تحمل المسؤولية الأمر الذي يدفع الأبناء إلى تجميد سلطة الأب عن طريق التركيز على الأم في طلبهم لكل ما يحتاجون إليه، وهذا التغييب اللا إرادي للأب من قبل الأطفال يوازيه زيادة سلطة الأم.
وحتى إن الغياب يصل إلى عدم الاهتمام بنفقات الأبناء الأمر الذي أجبر بعض النساء على تحمل المسؤولية وإخلاء مسؤولية ذلك الأب، الذي أبى أن يتحمّل دوره على أكمل وجه، وهذا ما دفع أم يحيي على ترك منزل زوجها، واستئجار منزل آخر، فاضطرت إلى العمل خارج منزلها من أجل توفير حاجات ونفقات أبنائها الثلاثة، التي رفض أبوهم تحملها.
** قسوة الأب
يقسو بعض من الآباء على أبنائهم، وقد تتنوع أساليب وطرق القسوة، فكثير من الآباء يلجأون إلى الضرب والإهانة واختلاق المشاكل، والمصادمات في الساعات التي يعود فيها إلى المنزل، فتتحول تلك الساعات القليلة إلى جحيم، كرر بعدها الأبناء كلمة "ليته لم يعد". وقد تطال قسوة الأب أن يمنع أولاده من رؤيته عند عودة إلى المنزل، فكلما حاول الأبناء الاقتراب منه أبعدهم عنه.
وتتحدث إحدى الزوجات عن قسوة زوجها تجاه أبنائه وخلو مشاعره من الحب والحنان وعدم اهتمامه بهم.
** المرض
يعد مرض الأب مرضا نفسيا أو جسديا أحد أسباب غيابه التي يتقبلها كثير من الأبناء، فظروف مرضه هي التي أجبرته على ترك منزله ومكوثه في المستشفى، وقد يتقبل الأبناء ذلك الظرف ويتعاطفون معه.
** الأثر النفسي
يدفع الأبناء تكاليف غياب رب الأسرة عنهم سواء بعذر مقبول أم غير مقبول، فقضيّة غياب الآباء عن المنزل له أثر خطير على نفسية الطفل، وهذا ما يوضحه لنا الدكتور عبد الخالق خميس -رئيس قسم الاضطرابات السلوكية في مركز الإرشاد التربوي والنفسي بجامعة صنعاء، حيث يشير إلى أن غياب الأب رغم وجوده يؤثر في النمو العقلي والنفسي والانفعالي للطفل، كما يؤثر في النواحي الاجتماعية والدراسية ويجعل الأبناء يكتسبون طرقا وأساليب خاطئة؛ لأنهم بحاجة إلى التعلم من الأب.
ويضيف: أولئك الأبناء يعانون من الانطواء والحرمان والشعور بالوحدة، وقد يكون ذلك على شكل عدوان على الذات والمجتمع، ويؤثر غياب الآباء الحاضرين في ظهور بعض الاضطرابات السلوكية والنفسية والعقلية التي تظهر على شكل أعراض الشعور بالحزن والاكتئاب والقلق والخوف والانعزال.
صحيفة السياسية