تحقيق: ليلاس سويدان
أحيانا ما تتوقف المرأة بعد عمر من الزواج، لتفكر وتتساءل عما حققته لذاتها كإنسانة لها كيان مستقل عن كونها أمًّا أو وزوجة، وتبحث عن أحلامها الماضية وطموحاتها المهنية والعملية لتجدها ضاعت وسط أكوام المسؤوليات والانشغالات اليومية، فتنظر حولها لتجد أن حياتها الاجتماعية بدأت تتلاشى تدريجيا لكثرة ما ابتعدت عن أجوائها لتتابع شأنا أو مشكلة تخص الأبناء أو الزوج، أو حتى لمجرد شعورها بأن وجودها الدائم في المنزل مع أسرتها أمر ضروري له أولوية على أي مناسبة أو لقاء بصديقاتها، قد يكون متنفسا لها من ضغط الحياة اليومية.
عندما تجد المرأة أنها أعطت الجميع ولم تعط لنفسها شيئا، تبدأ بالبحث عن الأسباب التي أغرقتها في حياة كانت بها أما وزوجة اكثر من اللازم، وقد تبدأ بلوم نفسها على عدم الشعور بشيء من الأنانية الضرورية لكل انسان، وأحيانا تلوم زوجها وأبناءها الذين اتكلوا عليها أكثر من اللازم، مستفيدين من عطائها وحبها بحيث لم تجد وقتا لتفكر بنفسها.

ربما تكون مرحلة صعبة على المرأة عندما تكتشف أنها وقفت وراء الجميع لتسعدهم وتساعدهم لأن ينجحوا في حياتهم، ولم يفكر أحد بها. في هذا الوقت ربما لا يعوضها انجازها في تربية أولادها تربية صالحة، وشهادة زوجها لها بأنها لم تقصر معهم في واجباتها، عن ضياع أحلامها الخاصة، والساعات والسنوات التي ذهبت من دون أن تستمتع بحياتها كانسانة من حقها أن تمارس نشاطات وهوايات تسعدها مهما كانت بسيطة.
في هذا الوقت من يجب أن تلوم المرأة حقا؟ هل تلوم نفسها لأنها أحبت الجميع ولم تحب ذاتها أولا؟ أم تلوم من علمها أن سعادة المرأة يجب أن تكون فقط بسعادة زوجها وأبنائها؟ أم أن المرأة عندما تتزوج يجب أن تعطي بلا حدود لأن هذا هو دورها كأم وزوجة، ولا يحق لها أن تفكر بأنانية مادام أبناؤها بحاجة إليها؟
ثلاثة أسباب
المعالجة النفسية ألطاف العيسى قالت ان هناك ثلاثة أسباب في رأيها تجعل المرأة تغرق نفسها في الحياة الزوجية إلى حد نسيان ذاتها:
- السبب الأول هو غريزة الأمومة التي تدفعها لحب واحتضان الابناء والزوج أيضا.
ثانيا هي تفكر بما سيقوله الآخرون عنها لا ما ستقوله هي لنفسها، بمعنى أنها لا تسأل نفسها اذا كانت سعيدة أم لا وراضية أو غير راضية عما تفعله، يجب أن تحدد مفهوم السعادة بالنسبة لها وما الذي تريده، وأن تعرف ما الذي سيعطيه أو يحققه لها.
السبب الثالث هو أن المرأة محبة للتحكم ببيتها ومن فيه من زوج وأولاد، وتنسى وهي تتحكم فيهم إسعاد نفسها، بل تنسى نفسها تماما، لأنها تعلمت أنها غير مهمة. فهي مسؤولة عن أمها وأبيها وأخيها وزوجها وأبنائها وعن سعادتهم جميعا، بينما الرجل يعرف ما يريد ومسؤول عن نفسه فقط، فهو «شايل عيبه» كما يقال.
مشكلة بعض الأمهات أنهن يردن تقديم صورة جيدة للأسرة أمام الآخرين على حساب راحتهن، لأنهن يخشين أن يقول الضمير الجمعي أنهن غير جيدات أو متفوقات، لكن دور الأم الحقيقي في وقت من الأوقات أن تعطي النصيحة للأبناء فقط، وهم أحرار فيما يفعلونه ويتحملون مسؤوليته، وليس عليها أن تفعل شيئا بالنيابة عن أحد لأنه قصّر فيه.
مشكلة هذا النمط من النساء أنهن لا يشكرن أنفسهن عما يفعلنه ويشعرن بتأنيب الضمير والتقصير دوما. ثم إن مسالة التضحية وتحميل الذنب للباقين غير منطقية، فاذا كنت تريدين شيئا لنفسك افعليه، وإما أن تعملي شيئا للأولاد بمحبة أو لا تعمليه.
وتختم حديثها قائلة:
- المرأة تجعل نفسها ضحية بإرادتها، وأحيانا تغرق نفسها في السيطرة على المنزل لترضي غرورها بأن الجميع بحاجة إليها، مع أنها لو تخلت عن سيطرتها قليلا سيصبح الأولاد أكثر اعتمادا على النفس.
تنظيم الوقت
د. نضال الموسوي، أستاذة علم الاجتماع في جامعة الكويت، قالت ان المسألة هي مسألة تنظيم الوقت والانجاب، وأضافت:
- كثيرات من المتزوجات وصلن إلى أعلى المستويات وحققن الكثير بعد الزواج لأنهن منظمات. فلا بد للمرأة الذكية أن تقنن الانجاب لأن المسؤوليات تزيد كلما زاد عدد الأولاد، فمتابعة دراسة ولد أو اثنين غير متابعة خمسة!
وكما نعلم أغلب المسؤوليات تقع اليوم على عاتق الأم، لأن الرجل أصبح يمضي وقتا طويلا خارج المنزل، وربما يعمل في أكثر من وظيفة لتأمين حياة ذات مستوى معيشي مرتفع.
اليوم طويل وبإمكان المرأة التي تريد أن تفعل شيئا أن تنظم وقتها وتستغني عن مشاهدة عدة مسلسلات في اليوم أو الحديث لساعات في الهاتف لتفعل شيئا مفيدا لنفسها، كأن تدرس أو تلعب الرياضة أو تمارس أي نشاط تحبه.
غباء
الكاتبة دلع المفتي قالت ان كثيرا من الأمهات، إن لم يكن معظمهن، ينغمسن في أمومتهن الى درجة الغرق، وأضافت:
- الكثيرات لا يتنبهن إلى أنفسهن إلا بعد فوات الأوان، فبين تربية الأولاد ورعايتهم الصحية والجسدية والفكرية، ورعاية الزوج والاهتمام به (كما يجب)، والاهتمام بشؤون المنزل وأعباء الحياة، يمر العمر على الأم وقد دفنت فيه احتياجاتها واهتماماتها، وتناست طموحاتها وأهملت عقلها وجسدها وهيئتها، في سبيل أداء وظيفتها الأولى والأهم، أي الأمومة، إلا أنها عندما تصحو من غيبوبة الأمومة، ويكبر أولادها ويشق كل واحد منهم طريقه مستغنيا عن خدماتها، غالبا ما تجد نفسها وقد أصبحت منهكة ومستهلكة من دون طموح ولا وظيفة ولا هواية، وتجد ثقافتها ومعرفتها توقفت عند أول حفاضة غيّرتها لطفلها.
والأنكى والأدهى هو أن تفيق المرأة لتجد أنها لم تعد بالكفاءة المطلوبة، حتى لزوجها الذي رمى بكل ثقل مسؤولية الأطفال والمنزل على كاهلها لعمر بحاله، ثم بعد مضي الأيام راح يفتش عن واحدة أخرى تكون ندا له، بعد أن مل من تلك التي أهملت نفسها ومظهرها وعقلها وجسدها فداء له ولعائلته.
هذه ليست أمومة فائضة، واعذروني بل هو غباء. والمرأة الغبية هي التي ترمي بعقلها ومستقبلها وموهبتها وطموحها تحت قدمي رجل وتنسى نفسها. عليها أن تجد طريقة وسطى بين الاثنين، وألا تطغى أمومتها على كينونتها كأنثى وكفرد وانسانة في المقام الأول.
انغماس
الاعلامية حنان كمال قالت ان معادلة المرأة العربية غلط، لذلك هي تعطي الكثير وعندما تصحو تكتشف أن عمرها سرق منها:
- معظم النساء الشرقيات للأسف ينغمسن في الحياة الزوجية ارضاء للزوج الذي يريدها الأم والعشيقة والصديقة، وتنسى الواحدة منهن ذاتها كأنها ستحصل على جائزة تقديرية منه، وتأخذ دور الأم والأب لأن الزوج لا يشاركها في تحمل المسؤولية.
وبالطبع هي تحب استعراض عضلات همتها ونشاطها منذ اليوم الأول للزواج، وهو يشجعها على ذلك ,ثم تأتي لتكتشف فجأة وتقول «عمري راح» و«أنا لم أعش»، وتحمل الرجل المسؤولية لأنه هو الذي دفنها حية كما تعتقد، مع أنها هي التي لم تضع قواعد وخطة حياتها، بل أحيانا تبكي وتشعر بالوحدة والفشل لأنها حققت الكثير لأبنائها ولم تحقق شيئا لنفسها، وتحمل الأولاد فاتورة ذلك وتشعرهم بتأنيب الضمير لأنها لم تكوّ.ن لنفسها حياة اجتماعية.
أنا شخصيا أذهب إلى عملي وأجلس مع أبنائي ساعات معينة، وفي يوم إجازتي الذي قد يكون في منتصف الأسبوع أذهب إلى الصالون وألتقي بصديقاتي. فأنا أحب أن أعيش وفي الوقت نفسه أعطي للأولاد وقتا أستمع فيه لهم وأتحدث معهم وأخرج معهم في عطلة نهاية الأسبوع.
فالأم الصالحة ليست التي تلتصق بأبنائها طوال الوقت، فالولد يجب أن يخطئ ويتعلم من خطئه ويخوض التجارب في الحياة. كل امرأة يجب أن تقف مع نفسها، وأن تستقطع وقتا خاصا لتعيش حياتها. المشكلة أننا في مجتمعاتنا ليست لدينا ثقافة حلاوة العيش، أي لا نعرف كيف نعيش حياتنا.
حب
رشا الأخرس أم كأغلب الأمهات اللواتي يؤمن بأنه ليس من حق الأم أن تكون أنانية قليلا، فالأولاد لهم كل الحب والوقت وعن طيب خاطر:
- أحيانا أشعر أن العمر يمضي وأنني لم أفعل شيئا لنفسي ولم أمارس العمل الذي أحبه، أي الصحافة، فحياتي كلها من أجل أولادي الذين من أجل أن أؤمن لهم دخلا ثابتا أعمل عملا آخر أحبه أيضا، لكنني أعود منه الساعة السادسة مساء مجهدة ومرهقة لأهتم بهم وأرعاهم وأتابع دروسهم. لذلك عندما ينامون تكون طاقتي استنفدت تماما، وليس هناك مجال لممارسة أي نشاط، وبحاجة الى الاسترخاء فقط.
كنت أتمنى أن أمارس العمل الصحفي الذي أحبه كثيرا، وأن أجد وقتا أطول للجلوس مع أبنائي، ودوما لدي إحساس بتأنيب الضمير تجاههم يدفعني لتلبية جميع طلباتهم المادية. حتى الإجازة الأسبوعية التي يجب أن أرتاح فيها أخصصها لهم، لكنني لا أستطيع التوقف للتفكير بنفسي على حسابهم، وعزائي في أن أراهم ناجحين وسعداء، ولا أندم على اعطاء كل حياتي لهم.

 

جريدة القبس

JoomShaper