منـــــال وهـــبــــي
"الشرع عطانا ربعة"بهذه العبارة خاطب سعيد زوجته فاطمة حينما اشتد الخلاف بينهما ،فسعيد ماهو إلا نموذج مصغر للعديد من الأزواج بمجتمعنا المغربي اعتاد لسانه النطق بهذه العبارات ، حتى صار الحديث عن تعدد الزوجات من قبل الرجال بحماس واستحسان سلوكا شائعا ومستحبا مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة...
نزعتهم الفطرية التي توحي لهم بأن التعدد حق شرعي وأنه هو الأصل استنادا على قول الله عزوجل في كتابه الكريم:" وانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " يقابلها نزعة من وجهة نظر النساء تلح على أن التعدد رخصة شرعية وليس حقا وأن الأصل هو الزوجة الأولى مالم يظهر مانع شرعي يحول دون ذلك ؟ما بين النزعتين ظهرت نغمة من نوع آخر تطالب بتقنين التعدد وكيفية تنزيله على أرض الواقع إيمانا منهم أن مبدأ الترخيص بالتعدد منهج شرعي لا محيد عنه إذا ما توفرت الآليات والبنية التحتية لذلك كي تضفي على التعدد شرعية مطلقة لا تشوبها شائبة؟
حاولت استقصاء بعض آراء مجموعة قليلة من النساء جمعتني بهن جلسة قصيرة في مناسبة من المناسبات... علي أضع صورة التعدد في إطارها الصحيح لمن يهمه الأمر؟
لم تذخر لطيفة 28 سنة ،ربة بيت ،أم لطفلين،جهدا في الإجابة عن سؤالي لها: إذا ما قرر زوجك التزوج من أخرى ماذا ستكون ردة فعلك؟:أش غادي ندير بنظرك؟"غادي نقتلوا ونشرب من دموا لهلا يحييه ويحيي الزمان" جاء جوابها عفويا وهي تضحك، ذهلت لما سمعت،و استرجعت أنفاسي بصعوبة : كيف لامرأة عاقلة تطلق العنان لعاطفتها لمجرد سماعها لخبر قرار زوجها التزوج عليها أن تتصرف تصرفا جنونيا يودي بحياتها إلى غياهب السجن.وبمصير مجهول لأطفال أبرياء...؟
في حين جاء تصريح خديجة 38 سنة، معلمة ،بأن هذا الأمر مستبعد كليا مادام زوجها غير قادر على الإنفاق على أسرته وأن راتبها الشهري هو بمثابة ضمانة لكي لا يقدم على هذا الفعل الشنيع حسب تصورها قائلة : "قدر يصرف حتى على دار وحدة بقى غير جوج ديور،والله كون ما المانضة ديالي لي معاوناه كون داه لواد.خليني ساكتة أختي قاليك المثل: أسيدي الفيل أش خصك قالوا فيلة وهي ديال راجلي" (ردت خديجة ضاحكة)، كانت خديجة واثقة من أن زوجها لا يملك القدرة على التعدد وأنها لاتخشى هذا الأمر مهما طال الزمن أم قصر...
وتعالت أصوات النساء في المجلس منددة بالتعدد ،إلا واحدة تقربت منها لمعرفة سبب صمتها المفاجئ أليست امرأة؟ بدافع فطري وغيرة دفينة ترفض التعدد كباقي قريناتها؟ أم أن في الأمر سرا معينا؟؟
السيدة "حليمة" سنها يقارب الخمسين بجانبها فتاة في مقتبل العمر حوالي 28 سنة ، أخبرتني السيدة حليمة على أنها "ضرتها" بعدما كنت أظن للوهلة الأولى أنها ابنتها ، وأنها هي من طالبت زوجها بالتزوج عليها بعدما عجزت عن إنجاب ولد يحمل اسمه ؟ الشئ الذي دفع بها إلى الإقدام على اختيار الزوجة المناسبة له لعجزها عن الوفاء بالتزاماتها كزوجة...
مما يجعلني أطرح مجموعة من التساؤلات تؤرق بال العديد من الناس في مجتمعنا المغربي على وجه أخص وفي الظرفية الراهنة:
هل تقبلين أن تكوني الزوجة الثانية لرجل متزوج ؟؟
وهل تقبلين بزوجة ثانية تشاركك زوجك؟؟؟
.....وسؤالي إلى الرجل.......
ما هي الأسباب التي تجعلك تفكر بالزواج من امرأة ثانية؟؟
تعتقد الكثيرات بأن المرأة مهما كان مستوى تفكيرها أو قناعتها لن ترضى أن تكون" ضرة" أو زوجة ثانية لرجل ما....ولكن هناك الكثير من النساء معذورات في اختيار شريك متزوج :
منهن من جار بها الزمن وفاتها قطار الزواج فلم يبقى لها سوى هذه الفرصة لتعيد لنفسها قليلا من جمالية الحياة...
ومنهن من يعشن في بيوت أهلهم حياة بؤس على مبدأ أنها عانس فتراها تقبل بأي شيء المهم الخلاص مما هي فيه...
ولكن هناك من النساء ممن ترضى أن تكون الزوجة الثانية طمعا في مال أو ارث وخاصة عندما تستغل نقطة ضعف الزوجة الأولى بمحاولة كسب حب الزوج لها نظرا لأن كثيرا من الرجال ممن يتزوجون بثانية محاولين بذلك سد ثغرة في علاقتهم الأولى عندما ينتابهم نفور وملل عاطفي من الزوجة الأولى ...
وقد لا تعرف ما معنى أن يتزوج عليها زوجها وما شعور الزوجة الأولى بهذا الموقف ..فهي لم تتزوج من قبل ولم تجرب شعور من تزوج عليها زوجها .. لذلك قد تقبل بذلك دون أدنى مراعاة لمشاعر الزوجة الأولى...
تعتقد الفتاة أنها لو كانت الثانية ستكون هي المدللة والمحبوبة، وقد يرضي هذا غرورها بأن الأولى بها عيب وهي كاملة.. الأولى جمالها عادي .. وهي الأجمل ، الأولى كبيرة بالسن.. وهي شابة صغيرة..، الأولى لا تنجب..
وهي لديها القدرة على الإنجاب..
لذلك نرى أن الزوجة الثانية في هذه الحالة غالبا ما تتباهى أمام الجميع أنها الزوجة رقم 2 فهي لا تخجل من ذلك، بعكس الأولى...
فهل هي معذورة في الإقدام على هذا الاختيار الصعب والمدان من طرف الزوجة الأولى في غالب الأحيان؟أم هي مظلومة ؟ من المجتمع الذي تعد بنظره "خاطفة الرجال"؟
فمتى سينصفها المجتمع وينظر لها بمنظور ايجابي وغير قاس ؟
لماذا يفتح الرجل بابه وقلبه لزوجة ثانية؟ وما الذي تضيفه الزوجة الثانية من رصيد معنوي في العائلة المستقرة أو غير المستقرة ماديا ومعنويا؟
على أي أساس يرغب الرجل في التعدد؟
العديد من الزوجات في مجتمعنا المغربي تلقي باللائمة على نفسها حينما يقرر زوجها التزوج عليها، وتعزو قراره هذا إلى نقص في شكلها " اوا بغى يتزوج وحدة زوينة أش بغى يدير بي أنا "؟ أوتتهم تصرفاتها،الشئ الذي يحبطها نفسيا وتعيش عزلة ووحدة مع نفسها ؟إن كان الأمر كذلك فلم قرر سيدنا علي بن أبي طالب التزوج على سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها كانت أبهى جمالا وأكرم أخلاقا لولا أن نهاه النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر عن ذلك... وفي هذا أعظم دليل على أن المرأة مهما كملت أخلاقها وحسنت صفاتها فإن الزوج قد يفكر في الزواج عليها ...
بل إن فطرته الرجولية هي الدافع الأساسي لرغبته في التزوج بأخرى وليس تقصيرا من الزوجة الأولى،فالزوج لا يبحث عن ثانية لضرورة وجود نقص في الأولى، بل على العكس، قد تكون الأولى حبيبة قلبه، ونور عينيه، ،إنما رغبة منه في التغيير وتلبية حاجات النفس التي تطمح دائما للمزيد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان لابن ادم واديان من ذهب وفضة لابتغى ثالث ولا يملأ جوف ابن ادم إلا التراب).. مالم يثبت مانع شرعي أو علة بالزوجة الأولى هي التي دفعته لذلك؟
وحتى لا يتهمني البعض بأنني أكيل الاتهامات للرجل؟ فهناك من الأزواج من أجبرته الظروف على العيش مع زوجة تحت سقف واحد ، رغم عدم وجود تكافؤ ثقافي بينهما أو انسجام عاطفي ، احتراما لحسن المعاشرة بينهما وإكراما لأبنائه خشية تشردهم وضياعهم.فصبر واحتسب،مصداقا لقوله تعالى: (ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)
ويبقى الإشكال مطروحا: هل يحل تواجد الزوجة الثانية أزمة حقيقية لدى الرجل في الوقت الذي يهز من صلابة زوجته الأولى،وقد يصيبها بالإحباط،أم أنه يقع في مزيد من التخبط، والصراع وسط مجتمع ملئ بالمتناقضات؟والى متى سيظل الأزواج يرفعون شعار:
زوجة واحدة لا تكفي
هسبرس