ميرفت عوف
"كل فتاة بأبيها معجبة " مقولة مشهورة، ربما تزحزح الإيمان بها إلى مستوى ليس يسيرا في السنوات الأخيرة، ففتاة اليوم، قد ترى في أبيها، الرجل الذي يرفض كل تصرفاتها وحركاتها. فلا يرضى لها جلوسها على التلفاز أو الإنترنت، ولا يريد لها أن تصاحب فتيات المدرسة، ولا يريد لها أن ترتدي هذا ولا ذاك، وربما ضغط عليها ماديًا، أو ضربها لإجبارها على تغير سلوكياتها، وبالتالي هي لا تريد لهذا الرجل أن يعرف عنها شيئا قد يعرفه كل محيطها دونه، وربما أصبح جهد بعض الفتيات ينصب في إتقان إخفاء شخصياتهن الحقيقة عن أبائهن على وجه الخصوص! فهن في فترة وجوده في البيت يكن كما يحب هو وليس كما طبيعتها !! وفي الحقيقة أنه مع تعاظم وتشابك أمور الحياة العصرية المعقدة لن تجد الفتاة رجلًا يحميها أكثر من والدها، وذلك إذا انتهج في تربيته وتعامله معها شرع الله الحنيف، فإن أحسن هذا النهج ضمن أن يكون أبًا نجى وابنته في الحياة الدنيا والآخرة. "لها أون لاين" تذكر آباء اليوم بآداب التربية و الحقوق الشرعية تجاه الفتيات اللواتي هم بأمس الحاجة إلى أب راع بحق الله –عز وجل- وتحاور الأستاذ في قسم الشريعة بالجامعة الإسلامية د. ماهر السوسي. - في البداية هل حدثتنا شيخنا الفاضل عن تكريم الفتاة في الإسلام؟

الإسلام رحب بالأنثى منذ ولادتها واعتبرها هبة من الله عز وجل، وفي قوله تعالي ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ﴾سورة الشورى، وقدم الإناث على الذكور للمبالغة في التصحيح لثقافة كانت رائجة في المجتمع العربي، وهو أن الإناث بلاء ونقمة فليست هي من النعم المستحقة للحمد. الإسلام أمر بإكرام المرأة، سواء كانت أمًا أو ابنة أو زوجة، ومن مظاهر التكريم الإسلام للبنت قول النبي صلى الله عليه وسلم :"من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه"رواه مسلم. - بعض الآباء يؤمن أن من حقه أن يعتدي على ابنته كيفما يشاء بحجة أنه أبيها، فيضربها ويهينها دون اكتراث بأنه آثم، كيف حدد الإسلام العلاقة بين الأب وابنته في إطار السلطة؟ من حق الأب على أبنائه التربية، لكن التربية لها أصول وضوابط شرعية، وللتربية وسائل متعددة، يكون الضرب في حالة الخطأ جائزا وهذا له ضوابطه. لكن إذا كان يضربها لأنها أنثى فقط، أو بدون مبرر شرعي فهو عاصي لله، لأن البنت كرمها الله -سبحانه وتعالى- من جملة بني آدم المكرمين الذين لا يجوز إهانتهم بدون مبرر شرعي، أو وجه حق. أذكّر هنا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: "استوصوا بالنساء خيرا"متفق عليه، وقوله عليه الصلاة والسلام "روَيْدَكَ بالقَواريرِ" جزء من حديث متفق عليه، أي رفقا بالقوارير، فالفتاة رقيقة النفس والأعضاء والإهانة والضرب يؤثر بها أكثر ما يتأثر الذكر. - فيما يتعلق بنفقة الأب على ابنته في جميع الحالات الاجتماعية، كيف حدد الإسلام مسؤولية الأب في النفقة؟ في جميع الأحوال من حق الفتاة على أبيها النفقة بحسب سعته، وعليه أن ينفق على أبنائه بحسب إمكانياته وبما يكفيهم، وكل من يمتنع عن الإنفاق عن أبنائه فهو يعصي الله. كما أوصي الإسلام بعدم البذخ في الصرف على الفتيات حتى لا يتسبب ذلك في إفساد الفتاة. - يعضل بعض الآباء بناتهن بسبب الطمع المادي أو لأسباب نفسية واجتماعية .. ما موقف الشرع من ذلك؟ العضل حرام، ومنع الفتاة من الزواج أمر محرم، ففي قوله – عز وجل- "وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ" الخطاب للأزواج لكنه ينطبق على الآباء، فالأب الذي يمنع ابنته من الزواج هو آثم وعاصي، فهذا المنع قد يدفعها إلى ارتكاب الفاحشة التي حرم الله، أو في أحسن الأحوال يمنعها حق منحه إياها الله -عز وجل- . - إذًا هل يجوز أن تتجوز الفتاة بولي غير أبيها، إذا عضلها وجاء خاطب صاحب الخلق والدين؟ يجوز ولا شي فيه، لكن هذا يحتاج لإثبات أن الأب قد عضل ابنته، ومنعها من الزواج دون مبرر شرعي، حتى إن لم يكن لها ولي يمكن للقاضي بنفسه أن يزوجها في مثل هذه الحال، بعيد عن أبيها؛ لأن القاضي في الإسلام ولي من لا ولي له. - مبدأ السمع والطاعة لأب تسبب في تعقيد نفوس الفتيات، ما سبب هذه القناعة لدي الآباء، وماذا نقول لمثل هؤلاء الآباء؟ جاء هذا من الجهل بالحقوق والواجبات من قبل الأب، الأب في الغالب يفهم أن حق القوامة حق سلطوي، وفي الحقيقة القوامة هي تكليف بقيام على رعاية الأسرة وحسن تصريف شؤونها، وهي مسؤولية يسأل عنها الرجل أمام الله سبحانه وتعالى. سيسأل الله تعالى كلًا منهما هل أدي ـ كلًا منهماـ ما عليه من واجبات تجاه الآخر، وهل منع كل منهما حقوق الآخر التي عنده، من أجل ذلك الحياة هي فرصة لأن نبرأ ذمتنا من حقوق الآخرين حتى إن كانوا أبنائنا أو آبائنا. - لماذا الفتاة إذا تعرضت لورطة أو اعتدى رجل على حرمتها تخاف في المقام الأول من والدها أن يعرف، وقد يعرضها ذلك لخطر شديد؟ وما السبيل لجعل علاقة الابنة في الأب هي الحامي الأول من تلك المواقف الحياتية؟ هذا سؤال مميز، يحتاج لمناقشة مستقلة، لكن أستطيع أن أقول أن الأمر متعلق بثقافة الأسرة العربية نفسها، ويتعلق بمدى فهمها لعلاقة الآباء بالأبناء، في الكثير من الأسر علاقة الأبناء بالآباء جيدة وليس علاقة تسلط وسلطة، والطرفان يتعامل كل منهما بود وحب وصدق وأمانة في مثل هذا الحالة لا يوجد الخوف سابق الذكر، ويمكن للفتاة أن تكون أكثر أمنا ومصداقية مع أهلها. لكن حينما تكون علاقة الأب ببناته علاقة تسلطية، فلا تشعر الفتاة بالأمان مع أبيها، وحينما تشعر أنه غير متفهم لظروف الحياة العصرية تخشى من أن تبوح له حتى إن كانت بريئة وهناك من يطاردها ويلاحقها. العلاقة تتعلق بمدى انفتاح الأب على أبنائه، مدي انفتاح الأسرة بعضها على بعض، ودفء العلاقة الأسرية مهم جدًا، والوضوح والصراحة والمكاشفة والشفافية مهمة جدًا. مهم جدًا أن يكون الأب صديقًا لابنته، والحوار المستمر بينهما أمر مهم جدًا. - يحرم الكثير من الآباء بناتهن من العاطفة، فلا هو يقول لها كلمة طيبة تسر نفسها ولا يهديها هدية تشجعها، وهذا قد يدفعها لإشباع عاطفتها بطرق غير مشروعة.. ما تعقيبك؟ هذه نقطة مهمة جداً، فحرمان الفتاة من العاطفة يتم تحت إطار الحجة أنه "عيب" ، الناس هنا ثقافتها ضعيفة جدا، تحتاج إلى إصلاح وإعادة ترتيب وتثقيف الناس، العيب أمر مهم جدًا لكن له حدود وضوابط، فما الذي يمنع أب أن يمدح أو يقول كلمة طيبة لابنته تشعرها بقيمتها كإنسانة. لا يصح أن نمنع الفتاة من مصارحتنا بالمشكلات التي تمر بها، فأي إنسان يستطيع أن يطرح مشاكله بطريقة لبقة ولنا في القرآن الكريم أمثلة كثيرة جدًا تعلمنا اللباقة في هذا المجال. الأمر يحتاج إلى انفتاح في الأسرة على بعضها، ويجب أن يتنازل الأب عن سلطته وكبريائه وغروره، ويحاور أبنائه.

JoomShaper