سحر يسري
أعزائي القراء والمربين..
قد يكون هذا النداء عزيز جدًا على أسماعنا.. نادرًا ما يهتف به الأبناء .. بينما يتعب الآباء والأمهات من كثرة النداء والتحايل وتقديم الإغراءات والمراوحة بين الوعد والوعيد.. (هيا لنذاكر يا "وليد"..! الواجب يا "أمنية"..! هيا وإلا لن يكون هناك لعب بالكمبيوتر الليلة.. من ينتهي من واجباته أولًا سيحصل على وقت إضافي..! هيا من فضلكم!).
وهكذا الحرب سجال.. كل ليلة من أجل المذاكرة والواجبات..
واليوم.. نحاول أن نعرف لماذا تقل دافعية الكثير من الأبناء تجاه المذاكرة وأداء الواجبات المدرسية؟ وكيف نحول الدراسة إلى عمل شيق ومحبب إلى نفوسهم؟
تهيئة الطفل لدخول المدرسة:
مع فرحة الوالدين ببلوغ الطفل سن المدرسة، ومع إعدادهم لما يلزمه من ملابس وحقائب وأدوات، وتهيئة وسيلة المواصلات التي ستقله إلى المدرسة..
عادةً ما ينسون أو لا يتفطنون على أهمية إعداد الطفل ذاته وتهيئته نفسيًا لهذه النقلة الضخمة في حياته، والتي ستؤثر بالتأكيد على حياته ومستقبله، وحتى لو كان قد سبق للطفل الذهاب إلى دور الحضانة أو الالتحاق برياض الأطفال فإن انتظامه في المدرسة وما يصاحبها من رهبة وما يلزمها من جدية يحتاج إلى إعداد الطفل وتهيئته لذلك، وإذا تلقى الطفل تهيئة سليمة منذ البداية تتضمن الكثير من التحفيز وإثراء مشاعر حب العلم والنجاح؛ فإن ذلك سيكون البذرة الأولى لتنمية الدافعية نحو الدراسة في نفس الطفل. [محمد حسين: العشرة الطيبة مع الأولاد، ص:301]
ولأن مشاكل الاستذكار تعد من أكثر ما يواجه الآباء والأمهات من صعوبات، خصوصًا إذا كان الطفل سليمًا معافى، ومع ذلك لا يقبل على أداء واجباته واستذكار دروسه بهمة ونشاط..؛ لذلك نحاول أن نلقي الضوء على هذه المشكلة: (إهمال المذاكرة أو نقص الدافعية للتعلم) ما هي أسبابها، وما هي طرق الوقاية والعلاج..؟
وماذا نقصد بالدافعية؟
الدافع هو ما يدفع الإنسان إلى القيام بتصرف ما، فهو حالة داخلية تحرك السلوك وتوجهه.
فأي نشاط يقوم به الفرد لا يبدأ ولا يستمر دون وجود دافع، والأطفال مدفوعون للبحث عن المكافأة وتجنب العقوبة سواء كانت الحوافز والعقوبات مادية أو معنوية.
تطور الدافعية لدى الطفل:
يعتمد الأطفال في البداية على الوالدين للحصول على المحبة وغير ذلك من المكآفات، وهم يبحثون عن الاهتمام والثناء لما ينجزونه من أعمال، ثم يظهر لديهم التقييم الذاتي ( أي الاتجاه نحو الاستقلال)؛ فيعتمدون على أنفسهم في تقييم مدى نجاحهم في أداء المهمات.
ويحكم الأطفال على أدائهم تبعًا لمعايير معينة أو لتوقعات الآخرين، فيشعرون بالنجاح أو عدم النجاح.
والأطفال الأكبر (في مرحلة الطفولة المتأخرة) يكونون أكثر استجابة للحديث المنطقي فيما يتعلق بتوضيح أهمية التعليم لهم، فالتعليم مهم لأنه يساعدك في التعامل مع العالم وفي الحصول على عمل جيد، ومكانة مرموقة، كما أنه من الممتع أن توسع دائرة معلوماتك ومن الدوافع العامة للتعلم الحرص على مرضاة الوالدين والمعلمين... وهكذا.
كذلك إذا كانت البيئة المدرسية توفر مناخًا جيدًا ممتعًا للطفل؛ فسوف يتصرف وفق رسالة ذهنية تقول: ( كلما أتقنت عملي أكثر .. كلما استمتعت بوقتي في المدرسة؛ لذا سوف أبذل جهدي) فهذا الاعتقاد يعمل كدافع لسلوكه. وهناك دافع عام آخر للتعلم هو الوصول إلى الكفاءة والتفوق فيما يتعلق بالتعامل مع متطلبات البيئة. [د. صلاح عبد السميع عبد الرزاق: مقالة / ضعف الدافعية تجاه الدراسة: موقع: كنانة أون لاين]
أسباب ضعف الدافعية للدراسة:
- قد يأتي ضعف الدافعية للمذاكرة كاستجابة طبيعية لسلوك الوالدين ونظرتهم للتعليم، وسلوكياتهم نحوه، فمع دخول الطفل إلى المدرسة، يدخل على الوالدين أمر جديد، حيث تتوجه همة الكثيرين منهم إلى مجرد تعليم الصبي المعلومات وحفظها وتذكرها واسترجاعها عند الاختبار، ويصبح تحصيل الدرجات العالية في الاختبارات هي العلامة الأكيدة على نجاح عملية الدراسة ؛ فينتج عن ذلك أن ينحصر الطفل داخل توقعات الوالدين المرتفعة جدًا أو الكمالية. [محمد بن شاكر الشريف: نحو تربية إسلامية راشدة، ص: بتصرف93].
- والبعض الآخر لا يرى في طفله غير الفشل – نظرًا لاعتلاله صحيًا، أو انخفاض تركيزه عن أقرانه- فتكون توقعاتهم منه منخفضة جدًا، دون أن يبذلوا جهدًا كافيًا في محاولة رفع مستواه الدراسي.
- وقد ينشأ الطفل في بيئة تتسم بالإهمال وعدم الاهتمام أو المتابعة والتوجيه من قبل الوالدين، مما ينتج عنه تسيب الطفل وعدم تقديره للمسئولية وبالتالي يضيق ذرعًا بأداء واجباته الدراسية.
- وقد يكون جو البيت مشحونًا بالخلافات الأسرية الحادة مما يخلق جوًا غير ملائم لا يمكن الطفل من الاستذكار بهدوء فضلًا عن الاستمتاع بالمذاكرة.
- وقد يكون الجو المدرسي غير المناسب هو السبب وراء إحباط الطفل وانخفاض دافعيته نحو الدراسة والمذاكرة، ومحور المدرسة هام جدًا، إذ يقضي الطفل فيها ثلث يومه تقريبًا، ومنها يأخذ 17% من معارفه ولذلك يجب ألا تكون مصدر قلق و إزعاج له.
الوقاية والعلاج:
إحدى الدراسات تؤكد أن الانجاز الأكاديمي والدافعية يزيدان عندما يحس الأطفال بأن الآباء يتفهمونهم ولا ينتقدونهم، ويعطونهم حرية الاختيار في البيت؛ وطبقًا لهذه الدراسة سيكون مطلوبًا من الآباء أن يغيروا من توقعاتهم تجاه أطفالهم، وأن ينظروا للأمور من وجهة نظر الطفل.
- إذا كان الطفل يعاني إحدى مشكلات النمو، أو لديه عرض من أعراض فرط النشاط مع نقص الانتباه، فعندئذ يجب مراجعة الطبيب المختص ومتابعة حالة الطفل معه، لأن ضعف أداء الطفل الدراسي قد يرجع إلى أحد تلك الأسباب .
- إذا كان لطفلك طبيعة خاصة فيجب زيارة الطفل في المدرسة والتنسيق مع إدارتها ومعلميها وتعريفهم بطبيعة طفلك وما يضايقه في المدرسة وتنبيههم إلى أخطائهم.
- قد يكون الطفل طبيعيًا جدًا، ولديه استعدادًا جيدًا للتفوق، ولكنه محبط .. يعاني من تدني التقدير للذات، وهنا على الوالدين أن يراجعا أسلوبهما في التعامل مع الطفل وكيفية مخاطبته، وأن يمنحاه الثقة بالنفس التي يحتاجها للنجاح في حياته كلها وليس في دراسته فقط.
- لا تقارن طفلك بغيره لأن هناك فروق فردية بين كل إنسان وغيره فقد يكون أخوه أو صديقه متفوقًا في دراسته على ابنك، بينما لو دققت ستجد ابنك متفوق عليه رياضيًا أو فنيًا، ولتعلم أن المقارنة المستفزة تحبط الطفل وتجعله يعاند ولا يذاكر.
- اعلم أن هناك فرقًا كبيرًا بين استذكار الدروس وبين عمل الواجب المدرسي، والأول أهم وأشد تأثيرًا، والثاني يجب أن يكون محددًا وقصيرًا يناسب الطفل وذلك يكون بالتنسيق مع المدرسة والتشديد في هذا.
- اربط استذكار الدروس بشيء ممتع ومشوق للطفل كقبلة أو حضن دافيء أو جائزة أو ابتسامة أو كلمة ثناء وشكر، واربط إهمال الاستذكار بعكس ذلك كخصام ساعة أو إغلاق التلفزيون ساعتين أو غير ذلك.
عندما تجلس لتذاكر مع ولدك، علم الطفل أسلوب التعلم النشط، البعيد عن البطء والتراخي، وحاول أن تضع أهدافًا واقعية يستطيع الطفل أن يصل إليها، فمثلًا: لا تطلب منه أن يكتب الدرس عشر مرات مستهدفًا تحسين خطه بسرعة !!، أو أن تطالبه بحلّ عشر محافظات في ساعة واحدة..!
واحرص على أن تكون محاولاتك في رفع مستوى طفلك الدراسي متدرجة ومستمرة بشكل يومي.
- احرص على أن توفر لابنك جوًّا مناسبًا من الهدوء والارتياح والطعام المناسب مع السماح للطفل بمشاهدة التلفزيون أو اللعب أو الترويح كفترات استراحة قصيرة بين أشواط المذاكرة.
- ارصد جائزة على المدى القصير وجائزة على المدى البعيد من بداية العام الدراسي، فالتي على المدى القصير تكون مقابل كل مرة يجلس فيها الابن ليستذكر دروسه، أو لحل تمارين ولو لنصف ساعة متواصل، ثم يتم تقليلها شيئًا فشيئًا، والتي على المدى البعيد تكون في نهاية العام الدراسي عندما ينجح ويتفوق، كأن تعده بدراجة، أو جهاز كمبيوتر، أو رحلة ممتعة. [محمد سعيد مرسي:مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب المشكلات،ص:218].
وأخيرًا.. عزيزي المربي
اجعل مبدأك في معاملة ولدك هي الحب مع إشعاره بالكثير من التقدير والثقة، وليكن الأصل الذي يتربى عليه هو تقدير المسئولية والنهوض بها، وترك النتائج على الله تعالى فنتيجة الامتحان ليست هي آخر الدنيا، وليست هي التي تأتي له بالحب أو تتسب في كراهيتك له وسخطك عليه ما دام لم يقصر في أداء ما عليه من المذاكرة وبذل الجهد.
المراجع:
- دراسة حول تنمية الدافعية الدراسية لدى الأطفال: د.صلاح عبد السميع عبد الرزاق/ موقع كنانة أون لاين/على شبكة الإنترنت.
- نحو تربية إسلامية راشدة: محمد بن شاكر الشريف.
- العشرة الطيبة مع الأولاد: محمد حسين.
- مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب مشكلات الأبناء: محمد سعيد مرسي.
هيا لنذاكر يا أمي..!
- التفاصيل