سحر يسري
إنه لسان حال الكثير من فتياتنا الصغيرات، تنطق به تصرفاتهن التي لا تروق للكبار غالبًا، وهو أيضًا التفسير المنطقي لكثير من موجات التمرد التي تعتري البنات كما تعتري البنين في فترة المراهقة، ومع التدقيق ومحاولة تفسير حالة التمرد تلك، نجد أن وراءها حاجة فطرية في نفس الفتاة إلى الشعور بالتقدير والاحترام ممن حولها.
وتظهر الحاجة إلى التقدير لدى البنين والبنات بقوة أثناء مرحلة المراهقة والبلوغ، وهي من أبعد الحاجات النفسية تأثيرًا على الإنسان، لأن تلبيتها تؤدي إلى شعور المراهق والمراهقة بالقبول الاجتماعي، والاحترام لدى الآخرين، وافتقادهم لها يجعلهم متوترين قلقين، وقد يؤدي إلى سلوكيات مرفوضة من كل منهما.
أمي أنا كبيرة!
إنّ كثير من الآباء والأمهات يرون أبناءهم أطفالًا على الدوام، ولا يفهمون مشاعر الأبناء أثناء مرحلة المراهقة إذ يتحولون من الطفولة إلى الرشد، ويحتاجون إلى الكثير من الفهم والدعم الأسري حتى تمر هذه المرحلة بسلام، والفتاة في هذه المرحلة تعتبر التعامل معها كطفلة يتضمن تقليلًا من شأنها ويشعرها بأن الكبار لا يشعرون بها كفتاة تسير بخطوات حثيثة نحو الرشد.
والولد ليس أفضل مني!
والفتاة على وجه الخصوص قد تواجه تدني الإحساس بالتقدير والاحترام لسبب آخر، وهو أن تنشأ داخل أسرة تعتنق الثقافة الذكورية التي تمجِّد الولد الذكر على الدوام، وتمنحه الكثير من المميزات والصلاحيات وقدرًا أكبر من التقدير، بخلاف الفتاة التي لا تتمتع بكل هذه المميزات، ورغم أن التربية السليمة تقتضي أن كل فرد من أفراد الأسرة يجب تفعيله وتكليفه بالمسئوليات المناسبة له، إلا أننا نلاحظ في هذه الأسر أن الولد إذا قام بأحد الأعمال داخل المنزل أو قضى حاجة من حاجات الأسرة تزفه الأم بالدعوات، والثناء على رجولته وكفاءته، بينما أخته تقوم بكل واجباتها المنزلية، وما تكلفها به الأم من أعمال، ولا تقابل بكلمة ثناء، ولكن باعتبار أن ذلك في حقها فرض، ولا شكر على واجب!! [بناتي حياتي، أسماء محفوظ، ص(39)، بتصرف].
والفتاة باعتبارها عضوًا في المجتمع تحتاج لمكانة اجتماعية مرموقة، لا تشعر فيها بالتفرقة تُعامَل فيها معاملة الكبار، كما أنها في حاجة نفسية إلى الاستقلال الشخصي والاقتصادي، والتخلص من عالم الطفولة بتكوين الأسرة، والبيت السعيد، في ظل نظام الزوجية، فهي تنظر بنظر الشباب المتطلع إلى حاجاته المقبلة، لا ذكرى الكبار لحاجاتهم الماضية؛ لهذا تسعى لتأكيد شخصيتها واستقلالها، وللتجديد في حياتها، ولا يسلم للمجتمع سلوك الفتيات إلا بالاعتدال في التعامل معهن: للسلامة من انحرافاتهن، وما يمكن أن يصدر عنهن من سوء الخلق، فيُمزج أسلوب التعامل معهن بلطف وسياسة، مع إتاحة الفرص الاجتماعية الكافية والمشبعة: لتنمية الطاقات، وبروز القدرات ضمن مفهوم الحرية المشروعة في التصور الإسلامي.
كيف يُعَامل المراهقون في الإسلام؟
وهدي النبي صلى الله عليه وسلم في تربية المراهقين والمراهقات هو القدوة لكل مربي، فقد كان يعاملهم كأشخاص كبار قادرين على تحمل المسئوليات الكبيرة، فيمنحهم هذا التقدير نضجًا، ويرفع تقديرهم لأنفسهم أيضًا، فنراه صلى الله عليه وسلم يكلف عليّ بن أبي طالب بالنوم في فراشه ليلة الهجرة، وعبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما مسئولًا إعلاميًّا ينقل لهما أخبار مكة وهما في غار ثور، وأسماء بنت أبي بكر توصل لهما الطعام كل يوم وسط أخطار بحث قريش عنهما، وتتصدى للباحثين عنهما في مكة أيضًا، وهكذا كان معظم أبطال الهجرة في مرحلة المراهقة.
وعندما هاجر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على المدينة كلَّف الفتى الفذّ "زيد بن ثابت" وهو في الخامسة عشرة بتعلم السريانية حتى يقوم بترجمة كتب اليهود التي ترد عليه صلى الله عليه وسلم. [بناء مستقبل الأمة، شريف عبد العزيز، ص(66)، بتصرف].
والسر في بروز هذه النماذج ونضج واستواء شخصياتهم بهذا الشكل الرائع أن شعور- الفتى - أو الفتاة المراهقة بالقبول لدى الآخرين ركيزة هامة لقبولها هي للآخرين، وأخذها بتوجيهاتهم، ويأتي الوالدين والمحيط الأسري في مقدمة هؤلاء (الآخرين)، وفي سبيل تحقيقهم لهذا المطلب لابد لهما من الفهم الجيد لطبيعة المرحلة التي تمر بها الفتاة من حيث تكوينها الجسمي، وقدراتها العقلية، والتحولات الوجدانية التابعة لذلك، ومن ثمّ إشعارها بأنها مقبولة لديهم بكل ذلك.
تربية الفتاة على احترام النفس!
(إن احترام النفس هو حجر الزاوية في التربية الصحيحة، فإذا انضم إليه شيء من تقدير الشخصية كانا معًا من أفضل وسائل التربية، وفي الجانب الآخر: نجد أن الإهانة والتحقير والإذلال من أهم أسباب تمرد الأبناء والبنات، وبعث روح القسوة والانتقام في نفوسهم، والإسلام في نظامه الأخلاقي يحترم الفرد حتى وإن كان جنينًا في بطن أمه، ويمنع كل ما من شأنه الحطُّ من شخصية المسلم، أو إهانتها.
فالاحترام والاعتبار ضروريان لإشعار الفتاة بالقبول، لأنها ترفض أن تكون منبوذة أو مكروهة من والديها، أو أن تعامل معاملة الأطفال حيث لا يكون لها وزن أو قيمة، هذه المعاملة تجعلها تحس بالدونية والامتهان، وتؤدي إلى تكوين حاجز نفسي بينها وبين والديها، ولذلك لا يستطيعان التأثير فيها بحال من الأحوال، وإذا كان انخفاض تقدير الذات كارثة، فإن ارتفاع تقدير الذات فهو وقاية من هذه السلبيات مادام المربي محافظًا على توازن بينهما.
إنها كائن رقيق:
والفتاة خاصة يجب أن تعامل في هذه المرحلة برقة كبيرة، وباحتراز شديد حيث تكون في مرتبة بين الأخت والبنت الصغيرة، فمرة يعطيها الوالدان من العطف والحنان ما تحتاج إليه البنت، ومرة يعاملانها بود معاملة الصديقة والأخت، كل ذلك باحترام لشخصيتها وآرائها وأفكارها.
فعلى الوالدين تقدير مشاعر الفتاة المراهقة، وتوفير مظاهر الاعتراف بشخصيته عبر مواقف اليوم والليلة، بمدحها على الآراء الصائبة التي تبديها، والثناء على تحسن قدراتها، وتميزها في ما هي مميزة فيه بالفعل، والإصغاء إليها باهتمام إذا تحدثت، ومناقشة ما تعرضه من آراء مهما بدت لنا تافهة أو مكررة أو غريبة؛ فهذا الأسلوب يعلمها احترام الآخرين، ويوصل لها رسالة مؤكدة أنها تحظى باحترامنا أيضًا. [العشرة الطيبة، أ.محمد حسين، ص(408)].
- تحديد دور للفتاة داخل البيت، وتكليفها ببعض المسئوليات مثل أن تضع ميزانية لنزهة الصيف، أو تعد قوائم المشتريات المنظمة، أو القيام ببعض الأعمال التي تخص إخوتها الصغار، وغير ذلك، من شأنه أن يشعر الفتاة بذاتيتها وكيانها البارز المستقل، وأننا نثق فيها، ولم نعد ننظر إليها كطفلة، كما تشعر أنها شريكة في البيت، وليست مضطهدة فيه؛ فيزداد انتمائها وارتباطها بأسرتها ووالديها.
- من أهم المواقف الفارقة في تربية الفتاة هي الكيفية التي يقابل بها الوالدان أخطائها، ذلك أن التعامل الجيد مع أخطاء الفتاة من التبصير والتنبيه، ثم التدرج في العقوبة، واستخدام المناقشة والإقناع من شأنه أن يغرس في نفسها قيم ثابتة تمنعها من الوقوع في الخطأ مرة أخرى، كما أنها لن تحب أن تخسر المكانة التي تحظى بها عند الوالدين من احترام وتقدير لشخصها برغم وقوعها في الخطأ البشري الوارد. [الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة، حنان الطوري، ص(140)].
- تشجيع الفتاة على القيام بعمل اجتماعي تطوعي، سواء بشكل فردي أو مؤسسي لخدمة مجتمعها ودينها، ومثل هذه الأنشطة بمثابة أمصال الصحة النفسية والاستواء الخلقي والسلوكي للفتيات والشباب في مرحلة المراهقة؛ لأنها تفرغ ما لديهم من طاقة في أعمال متعدية النفع لهم ولغيرهم، مثل مساعدة المحتاجين، والسعي على اليتيم، وزيارة المرضى ومواساتهم، وتوزيع المساعدات على الفقراء في المناسبات المختلفة، كل ذلك يثبت القيم الصالحة والأخلاقيات الفاضلة، في نفوسهم بفعل الممارسة العملية لتلك القيم، كما أنها تشعرهم بقيمة ذواتهم وأن لهم دورًا إيجابيًا في المجتمع الذي يعيشون فيه.
وأخيرًا:
لعلنا بعد أن عرفنا أهمية إشباع حاجة الفتاة إلى التقدير والاحترام يكون لدينا تفسير واضح عن السؤال التالي: لماذا تنجذب الفتاة إلى محيط آخر غير محيط الأسرة، ويكون له التأثير الأكبر على أفكارها وسلوكها؟
قد يكون هذا المحيط هو مجموعة الرفيقات، أو بعض الأقارب؟ أو معلمة الصف، وربما غير ذلك، ونادرًا ما يكون عامل الجذب الخارجي هذا صالحًا، إن كل ما يجذب الفتاة إليه هو أنه المصدر الذي يشعرها بالتقدير والقبول!
لذلك علينا أن نبذل كل ما نستطيع للحفاظ على بقاء الأسرة هي مصدر الأمان والثقة للفتاة، وإليها يرجع انتماؤها وارتباطها الأول، وبذلك تظل هي الموجِّه الأول لأفكارها وهي مناط تقويم سلوكها، إذا أخطأت، وكل ذلك لن يكون إلا ببث الحب والاحتواء، مقرونًا بالاحترام والتقدير لكيان بناتنا الحبيبات.
المصادر:
-   بناتي حياتي، أسماء محفوظ.
-   العشرة الطيبة مع الأولاد، أ.محمد حسين.
-   الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة، حنان الطوري.

JoomShaper