مي عباس
يتتبع كل أنثى.. يسيل لعابه وراء أي امرأة، مهما بلغت وضاعتها أو قبحها.. ولكن هذا الدوران المستمر وراء النساء والذي أضاع كرامته ولطخ سمعته، سرعان ما يتحول برودًا وانقباضا أمام زوجته..
يحلو للكثيرين تحليل هذه الحالة برمي التقصير على زوجته، وافتراض علة وهمية فيها تدفع هذا "المسكين" للبحث في الشوارع!
ولكن ماذا إذا كانت زوجته قد قاربت المحال في إرضائه وملء عينيه ولم تيأس بسهولة أو تهرب عند أول صدمة وخيانة؟
وماذا إذا كانت أجمل وأكثر أنوثة ودلالا من كل النساء اللاتي تتبعهن في الحرام؟
إنها حالة مرضية تنتشر أو تقل حسب قوة المجتمع وسلامته الحقيقية، ولقد رآها النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة المعراج، فيما رواه الهيثمي وغيره أنه "أتى على قوم بين أيديهم لحم ثـمين طيب ، إلى جنبه لحم غث منتن ، يأكلون من الغث المنتن ، ويتركون السمين الطيب . قال : قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يتركون ما أحل الله لهم من النساء ، ويذهبون إلى ما حرم الله عليهم منهن".
إنها صورة واضحة وبشعة لكل من تتبع الحرام والحلال بين يديه، لفساد دينه، وفساد ذوقه، وفساد فطرته.
وكأن هذه الصورة تصف حال المجتمعات التي بعدت عن ربها، واستشرى فيها حب الحرام، حيث يزهد الرجل في الحلال لا لشيء إلا لأنه حلال، وتتطلع نفسه للحرام فقط لأنه حرام.
إعلام إشاعة الفاحشة
ولا يسع أحد إنكار العلاقة الطردية الظاهرة بين نشوء وتطور وسائل الإعلام والاتصال المختلفة، وبين استشراء هذه الظاهرة المرضية، فقد لعبت الدراما المرئية على وجه التحديد دورًا خطيرًا في بناء الخيال الجنسي على تجميل الحرام، ورسخت في العقل الباطن والوجدان لذة اللحم الخبيث المنتن، وربطت الشهوة والغريزة الطبيعية بكل ما يُسخط الله، وبكل مناقض للفطرة، وبكل سيء وردي من الأفكار.. ربطت الإثارة ارتباطًا شرطيًا بالخيانة والاختلاس والعلاقات المحرمة، فنشأ على هذا الآلاف الذين لا يجدون في الحلال والمتعارف ما يثيرهم أو يعجبهم، فهم يلهثون دومًا وراء المحرم، وكلما زادت حرمته زادت لذته!
إنها نتيجة طبيعية لتكرار صور الخيانة والمحرمات في الأفلام والمسلسلات والدراما بشكل عام، وليست نتيجة طبيعية للشهوة الإنسانية التي ركبها الله في بني آدم.
بين الشهوة الطبيعية وانتكاس الفطرة
وينتج عن الخلط بين الأمرين اعتقاد البعض أن تتبعه للحرام واشتهائه له، وزهده في الحلال الطيب هو أمر جبلي، ومقتضى تزيين الشهوات من النساء للرجال، وهذا غير صحيح على الإطلاق.
فهناك فارق جلي، بل لا توجد مقارنة بين الرجل الذي يحب النساء ولكنه يشمئز من الحرام، فيحفظ بصره وفرجه، ويطلب إشباع شهوته في الحلال الطيب، وبين آخر منتكس ليس الأمر بالنسبة له قوة رغبة، أو محبة للنساء، وإنما محبة للحرام، واشتهاء للمنكر.. فلو تزوج وتسرى بعشرات النساء لم تسكن نفسه وتقنع، فهي لا تقنع إلا بالفاحشة.
إن الشيطان يزين الحرام، ويجمع كيده وخيله ورجله حتى يقدم اللحم الخبيث للرجل على أنه طعام شهي، وينفره ويزهده في الوقت نفسه فيما أحل الله له، ليستثير فجور النفس، ويودي بصاحبها إلى الخيبة، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}. الشمس: 7-10.
ولفظة "دسّاها" من مادة "دسّ" بمعنى إدخال الشيء في الشيء بضرب من الإكراه. كما قال القرآن عن الأعراب الجاهلية و دفن بناتهم: «أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ». و"الدسيسة" في اللغة بمعنى العمل المضرّ الخفيّ.
وفيه دلالة على أن متتبع الحرام يتكبد عناء قلب فطرته، في مقابل تزكية النفس ونمائها بالخير والمعروف الظاهر المضيء بعيدًا عن خفاء وذل وانحراف المعصية وظلمتها.
عاقبة الإسراف
ولا شك أن ظهور الفواحش الشاذة هو نتيجة منطقية للإسراف في الشهوات والغرق فيها، فقد وصف الله تعالى قوم لوط بأنهم قوم "مسرفين"، فطريق الخيبة يبدأ بالإسراف، بتزيين وغرور من شياطين الإنس والجن تظل النفس تلهث وراء المحرم، حتى تمل وتفتر عن المعاصي التي ألفتها، فتعمد إلى ما هو أشد نكارة وغرابة وقبحًا، فتظهر الموبقات التي يندى لها جبين الإنسانية، وترتعد أمامها الفطرة السوية، من شذوذ وزنا محارم وأنماط لا تخلو جعبة الشياطين من التفنن فيها.
وفي المقال القادم نتعرض إن شاء الله لواقع أكثر خصوصية، وما تواجهه كثير من النساء المتزوجات من عزوف الأزواج عنهن إلى الحرام بصوره ودرجاته المختلفة، وكيف تتصرف المرأة إزاء الخيانة.
خيانة الزوج.. الأسباب والمواجهة (1-2)
- التفاصيل