منيرة الرحيمي
شرع الطلاق في حالة مخصوصة للتخلّص من المكاره الدينيّة والدنيويّة، وبرغم أنّ الطلاق بحدّ ذاته يعدّ مشكلة اجتماعيّة نفسيّة لما يترتّب عليه من آثار سلبيّة اجتماعيّة ممثّلة في تفكّك الأسر وازدياد العداوة والبغضاء، وأخرى نفسيّة على الأطفال، إلاّ أنّه قد يكون الحلّ الأنسب في كثير من الحالات؛ حيث في عصرنا الراهن ومع طغيان الحياة الماديّة، والبحث عن اللذّات، وانتشار الأنانيّة، وعدم التوافق بين الزوجين، تعدّدت أسباب الطلاق، وبالتالي ازدادت معدّلاته مقارنة بأزمان سابقة كان فيها الإصلاح يأتي قبل أن يتمّ التفكير فيه.
ويرى الباحث في الإصلاح الاجتماعيّ وعضو جمعيّة إصلاح بيّن مستقلة "محمد بن صالح القرعاوي" أنّ الطلاق في كينونة وجوده يعتبر حلا " وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا[1]"  هذا إذا سلّمنا أنّ الطلاق قام على البغض والكره. لكنّه قال إنّ ما يحدث في هذا الوقت فهو هروب عن مواجهة المشكلات التي تعتري الحياة الأسريّة، ولو أدرك الزوجان أنّ حياة الإنسان في كبد لبذلا الكثير لمعايشة الواقع الذي يمران به. كما يرى أنّ الزوجين هما المسئولان الأوّلان عن حالة الطلاق لعدم بحثهما عن الإصلاح؛ ففي كتابنا الكريم قال ( إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا [2]) فجعل الإرادة مربوطة بالحكمين وبالزوجين لأنهما أقدر الناس على تفهّم مشكلاتهما وأبعادها، وأحرص الناس على عدم تقوّض عرى الزوجيّة وتشتّت الأبناء. ويشير القرعاوي أنّه وجد أنّ كثيراً من الخلافات الأسريّة التي تدخل للإصلاح  فيها يكون السبب قصور التفكير في حلّ المشكلات وبُعداً عن العقلانيّة؛ حيث يتمّ تعظيم السلبيّات بين الزوجين، وتكون هي محور النقاش، ويبدأ التراشق اللفظيّ، ويغيب العقل، ويحدث الشجار وإلقاء التهم، وتبرز المشاكل، فيما يتمّ تحجيم أو إلغاء الإيجابيّات التي لدى كلّ طرف للآخر، إضافة إلى انعدام جلسات الحوار والمصالحة بين الزوجين يكون مدعاة لتدخّل الأهل في المشكلات، ممّا يزيدها ويعقّدها. ويتابع القرعاوي أنّ هذا ما دعاه لتصميم نموذج يعتمد على كتابة الإيجابيّات والسلبيّات بين الزوجين بحيث يكتب كلّ طرف عن الآخر وفق منظوره، وبعد الانتهاء يتمّ تبادل النماذج وفق  آليّة معيّنة، ويشير القرعاوي أنّه لمس ارتفاعاً في زوال المشكلات حينما يكون الأمر مكتوباً وتتمّ مناقشته بينهما في جلسة هادئة. وحول معظم المشكلات التي واجهها في مساعيه في الإصلاح الزوجيّ قال إنّ الحالة الاقتصادية للأسرة تعدّ أهمّ الأسباب المفضية للطلاق، حيث تنعدم الشفافية بينهما فيما يخصّ وضعهما الاقتصاديّ أو تفهمهما حالهما الماليّة. ويضيف القرعاوي من الأسباب التي لمسها البغض بين الزوجين، ويحدث غالباً في بدايات الزواج، وكذلك عدم وضع المشكلات في إطارها الصحيح وتقديرها التقدير المناسب، وتدخّل أطرف أخرى، والخيانات الزوجيّة.


[1] ) النساء:130.

[2] ) النساء:35.

JoomShaper