تحقيق: وليـد الزعبــي - البعث
تؤكد جميع الدراسات والأبحاث أن مرحلة الشباب من أهم المراحل التي يمرّ بها الفرد، حيث تبدأ فيها شخصيته بالتبلور والنضوج بما يكتسب من مهارات ومعارف، ولا شكّ أننا عندما نتحدث عن الشباب، فإننا نتحدث عن المستقبل والتنمية، لما لهما من دور فاعل في بناء المجتمع وتقدمه، وبالتالي بقدر ما يكون بناؤهم سليماً بقدر ما يكون التطور في مختلف المجالات واعداً في المستقبل. وفي الواقع أنه على الرغم من الندوات والأبحاث والتوجهات للاهتمام بهذه الشريحة، فإن الشباب لا يزال يعاني مشكلات وصعوبات، إما لجهة التعليم أو العمل أو الصحة أو المشاركة على مستوى الأسرة والمجتمع، وفي ظلّ عالم الاتصالات الذي لا يعرف حدوداً، بدا وكأن بعض الشباب أصبحوا، وهم مسلوبو الإرادة، يتّبعون أنماطاً استهلاكية وسلوكية، ويحملون ثقافات وعادات وقيماً غريبة عن مجتمعنا، فتجدهم يعيشون داخل البلد، لكن بسلوكيات مجتمعات أخرى وكأنهم غرباء، وهنا الخطورة الأكبر. خلال تحقيقنا التالي، نعرض لبعض المظاهر العامة التي نشاهدها يومياً، كما نقدم ما خلصت إليه بعض المسوح حول مشكلات الشباب، إضافة لآراء المختصين والجهات ذات العلاقة.
مظاهر غريبة
كثرت في الآونة الأخيرة بعض المظاهر الغريبة عن مجتمعنا والتي لا تليق ببلدنا وحضارتنا، وقد كانت في بدايتها فردية محدودة، لكنها مؤخراً كبرت واشتدّ عودها حتى أصبحت بمثابة العادة أو العرف، التي يصعب الوقوف في وجهها. تتصدر الأولوية في تلك المظاهر، عادة التقليد لدى جيل الشباب، إذ نشاهد هذا أو تلك مثلاً وهو يلبس الجينز الضيق حتى لو كان لا يتلاءم وتضاريس جسده أو يُظهر عدم تناسقها، فيكون تشويهاً للجسد لا أناقة ولا حضارة، إضافة إلى ارتداء قطع محلية أو مستوردة عليها رسومات وكتابات تسوّق لثقافات بعيدة عن مجتمعنا، ليمارس الشباب بذلك دور اللوحة الإعلانية التي تروّج للإثارة والانحراف، وليكونوا قدوة هدّامة للجيل اللاحق خاصة، وللمجتمع عامةً.
أما الثانية، فهي ظاهرة تشبّه الجنسين ببعضهما، من حيث طول وقصر الشعر والماكياج ونوع اللباس والحذاء، وحتى طريقة المشي والجلوس وغيرها من التصرفات في الشارع والمدرسة والعمل والبيت، فكثيراً ما يُفاجأ المرء لدى اقتراب أحدهم أنه ذكر وليس أنثى وبالعكس.
أما الثالثة، فهي ارتياد الشباب بكثرة ما يسمى بـ «مقاهي الانترنت» لإضاعة وقت طويل في أماكن ليس هدفها الإسهام في اكتساب العلوم والمزيد من الثقافة، وإنما هدفها الأول والأخير مادي بإفساح المجال أمام الشباب لولوج مواقع مشبوهة وعلى الغالب جنسية. وفي هذا السياق فإن الموبايل أصبح موضة العصر ومكملاً للشاب، وبدونه يشعر بالنقص، إذ لا يعتبره وسيلة لقضاء حاجاته، وإنما يُعدّ مظهراً من مظاهر الترف والتسلية. إلى غير ذلك من انتشار ظاهرة التدخين وليس للسجائر فقط وإنما للنرجيلة، الأمر الذي لا يهدر المال فقط، وإنما يهدر الصحة ويبدد طاقات هذه الشريحة الهامة من المجتمع.
الأبناء والآباء لهم رأيهم
بعض من التقيناهم من الشباب تحدّث بأن هذه المظاهر ليست سلبية، وإنما هي من متطلبات العصر، والبعض الآخر تساءل: ماذا تريدوننا أن نفعل في ظلّ الفراغ الذي نعيشه، وفي ظلّ ضبابية المستقبل وفقدان الأمل بفرص عمل مناسبة؟!.. وطالبوا بإيجاد الحلول لمشكلاتهم قبل مطالبتهم بالتخلي عن مثل تلك المظاهر سابقة الذكر. عدد من الآباء أشار إلى أن الفضل السيىء في ذلك للشاشة «الفضائيات» ببرامجها السوبر ستار والأكاديمية منذ زمن والرومانسية العاطفية مؤخراً والتي تعلّم النوم واللبس والأكل والحب والاحتكاك بين الجنسين، وحتى غرس قيم غريبة عن مجتمعنا لتبدو وكأنها عادية من متطلبات الحضارة، كالإقامة مع الصديق والحبيب والحمل خارج إطار الزواج.. والمشكلة الأكبر في كل ذلك، هو أنه يُتابع بحضور ومشاركة الأهل وكأنهم يباركون ذلك دون أن يدركوا، وأشاروا أن المبشر على الرغم من كل ما يحدث أن ذلك لايزال إلى حدّ ما منبوذاً أو يواجه بشدة في مجتمعنا، إلا أن هناك خوفاً من أن يتحول مع مرور الزمن وباستمرار التسويق الإعلامي القوي له ليصبح عادة، وقد يحارب من يقف في وجهه تحت عنوان أنه متحجر أو غير حضاري أو عصري، مؤكدين أن ما نعيشه في عالم الاتصالات الذي لا يعرف حدوداً، ما هو إلا حرب على قيمنا وعاداتنا، وعلينا أن نتسلح بكل شيء لمواجهته.
ثقافة الاستهلاك
إن ما نشاهده من مظاهر التقليد لدى الشباب، يأتي تحت عنوان «ثقافة الاستهلاك» التي تُعدّ جزءاً من منظومة هيمنت الآن في العالم ما يُدعى «دول القلب ودول الأطراف»، حيث إن دول القلب ترسم وتخطط وتسوّق ما تريد، والتعامل مع كل شيء على أساس أنه سلعة، فلجؤوا إلى تسليع ثقافة الإنسان، وبشكل خاص المرأة، وركزوا على القيم أو المفاهيم الغرائزية الفردية بدلاً من الجماعية، وهذا الموضوع لأهميته كان محور ندوة نظمها اتحاد شبيبة الثورة قبل فترة، حيث تمت الإشارة إلى أن السلوك الاستهلاكي الفاخر هو واحد من أكثر مظاهر الاختراق الثقافي وضوحاً، وخاصة عندما تصبح معايير التفاضل بين الناس مبنية على ما يستهلكون من لباس وطعام، وما يتمتعون به من سياحة واصطياف، فمعايير التفاضل والتفاخر بين الأفراد لم تعد فيما يقدمونه من خدمات لغيرهم وما يؤدونه من واجبات، بل بما يحققونه من متع وملذات تُشبع شهواتهم وتبعدهم عن إنسانيتهم، فالطالب الذي يُفترض أن يفاخر بتحصيله الدراسي تجده مع الاختراق الثقافي يفاخر بما يرتدي من لباس وما يقود من سيارة، والموظف بدلاً من أن يفاخر أقرانه بما يؤديه من عمل، يفاخر بما تمتّع به في سهرته، والمدير بدلاً من أن يفاخر بما يحققه من إنجاز مهني، يفاخر بما يتمتع به من سلطة ونفوذ، إذ التلذذ بالاستهلاك والتمتع به يصبح معياراً من معايير التفاضل الاجتماعي، وهو من أخطر مظاهر الاختراق التي تهدد بنية الثقافة.
ولا شك أن الشباب في مجتمعاتهم جزء من سوق الاستهلاك، والذي تريد الشركات الأجنبية الحفاظ عليه، فالحديث عن الشباب يعني الحديث عن 50٪ من السكان، وهي شريحة ليست هامشية أو صغيرة الحجم، بل هي رأسمال الأمة وعدّتها وعتادها وحاضرها ومستقبلها، والخطورة أن قطاع الشباب هذا أصبح مسرحاً لتجريب الكثير من السلع الاستهلاكية وعرضةً لغزو مركّز من ثقافة الجينز والكوكاكولا والهمبرغر، الأمر الذي جعل معظم الشباب العربي يعيش في حالة من القلق والضياع والتشتت بين ثقافاتهم والثقافة الوافدة، وتتجه أصابع الاتهام إلى شركات التسلية ودورها في بثّ نوع من الثقافة الاستهلاكية، يؤدي إلى اتساعه أجواء مفعمة بالمرح، وفي باطنها إلى إخماد جذور الطموح عند الشباب.
ومجتمعنا يسير باتجاه أنماط من الاستهلاك تُفقده العقلانية والتوازن منها:
- ميل الأسرة السورية باتجاه المواد الغذائية والتغني بألوان شتى من الأطعمة التي ينتهي كثيرها في المكبات.
- دخلت السوق تشكيلة واسعة من السيارات والموبايلات ومساحيق التجميل، والإنفاق المرتفع على ذلك يكون داخل أوساط الشباب.
- موضة إجراء العمليات الجراحية التجميلية كتقليد للفنانين.
- التدخين السلعة الأكثر انتشاراً بين الشباب، وكذلك تدخين النرجيلة وتفشّيها الكبير داخل الأوساط النسائية.
ويعزز هذه الأنماط السلوكية الاستهلاكية، وسائل الدعاية والإعلان من أجل سلب المستهلك إرادته، وهذا ما يقع ضحيته الشباب دون أن يدركوا.
دعم استراتيجية الشباب
الهيئة السورية لشؤون الأسرة ليست بعيدة عن الموضوع، فهي تُعنى في تحليل الواقع الراهن للأسرة والسكان، وإجراء الأبحاث والمسوح للظواهر الاجتماعية والاقتصادية ذات الصلة، واقتراح الخطوات والإجراءات التنفيذية الممكنة على مجلس الوزراء، وبما يتناسب وأولويات الدولة، حيث تعمل بالتعاون مع جهات مختلفة باتخاذ خطوات هامة لوضع استراتيجية وطنية للشباب، وكون نجاح ذلك مرتبطاً بالدرجة الأولى بتوفر معلومات كمية وكيفية موثوقة لتشخيص الواقع وتقييم المشكلات والمعيقات المتعلقة بتمكين الشباب في مجالات التعليم والعمل والصحة والمشاركة المجتمعية. تمّ في عام 2008 إجراء مسح ميداني بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، استهدف الفئة العمرية من (15 - 24) سنة، وشمل عيّنة بلغت /6000/ شاب وشابة من المحافظات السورية كافة (ريفاً وحضراً)، فكان التقرير الكمي الذي قدّم أرقاماً عن مشاركة الشباب ومشكلاتهم، ومن ثمّ أُتبع بتقرير كيفي أخذ بالاعتبارالنتائج الكمية وحاول تعميقها والولوج إلى ما وراء الرقم لتفسيره، واختتم المشروع بملخص سياساتي يقتصر على النتائج والتوصيات المقترحة، موضحاً في بدايته أن الشباب من الفئة العمرية المذكورة يشكلون وفق تقديرات المجموعة الإحصائية لعام 2006 أكثر من خُمس سكان سورية، وهي نسبة لا يُستهان بها، الأمر الذي جعل هذه الشريحة محطّ اهتمام صانعي القرار على الارتقاء بواقعها وتلبية حاجاتها الأساسية، لكن على الرغم من كل الجهود المبذولة، إلا أن فئة الشباب في سورية لا تزال تعاني من العديد من المشكلات والمعيقات التي تحول دون تمكينها في مجالات الحياة المختلفة، وخاصة التعليم والعمل والصحة والمشاكل المجتمعية، مما يستدعي المزيد من الاهتمام الرسمي وغير الرسمي بهذه الشريحة، انطلاقاً من مسلمة مفادها أن عدم تمكين الشباب في المجالات المذكورة، سوف يترك آثاراً سلبية على جهود التنمية البشرية المستدامة.
مقترحات للتنفيذ
أما السياسات التنفيذية المقترح تضمينها في الاستراتيجية الوطنية للشباب في سورية، فهي في مجال التعليم، تفعيل التدابير والإجراءات القانونية للحدّ من ظاهرة التسرب والرسوب، وتأهيل البنية التحتية للمؤسسة التعليمية، وزيادة الاهتمام بالتعليم المهني والفني، وتعديل المناهج في المراحل ما قبل الجامعية وتطويرها، والاهتمام بالتربية الجنسية ونشر ثقافة التطوع، وتفعيل برامج محو الأمية وتحديثها. وفي مجال العمل والأوضاع المعيشية، اعتماد توجه النمو الاقتصادي المولِّد لفرص العمل والتشغيل للقادمين الجدد لسوق العمل، وتفعيل الإجراءات القانونية، وتعديل ما يجب تعديله منها، والتمكين الاقتصادي للمرأة، وبناء قدرات الشباب وتحفيزهم لبناء مشاريع صغيرة خاصة، وزيادة الاهتمام بحوادث العمل.
وفي مجال المشاركة المجتمعية، فكانت المقترحات بالعمل على توعية الشباب بحقوق الإنسان عموماً وحقوق الفئات الاجتماعية المهمشة «المرأة والأطفال والشباب الذين لديهم إعاقة» خصوصاً، وتوعية الشباب بأهمية مشاركتهم في اتخاذ القرارات المختلفة في المؤسسات الاجتماعية التي ينتمون إليها، والعمل على تمكينهم ليستطيعوا القيام بهذه الأدوار، ونشر الثقافة البيئية وقيم العمل التطوعي، وإيجاد السبل الكفيلة من أجل استثمار الشباب لوقت الفراغ على نحو مثمر، إلى غير ذلك من السياسات التنفيذية المقترحة في مختلف المجالات.
اختـــــــــــراقـــــات
سألنا الدكتور سليم نعامة، الأستاذ في كلية التربية بجامعة دمشق، عن أهمية شريحة الشباب والضغوطات التي تعانيها وطرق مواجهتها، فأشار إلى أن الشباب هم أمل المستقبل، وأية دولة لا تأخذ هذه الشريحة الفتية والمثقفة بالاعتبار، فمن الطبيعي أن يكون لديها إحباط في مشاريعها المختلفة، الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والحياتية بشكل عام، وما دام الشباب هم الأمل في البناء والتقدم والتطور، لا بدّ من إيلائهم العناية الفائقة على كافة الصعد، وخاصة منها الجانب النفسي والثقافي لأنهما الأساس في عملية بناء الذات. إن الشباب في مجتمعاتنا يعاني من ضغوطات واختراقات كبيرة، يأتي في أولويتها موضوع الاحتلال واسترداد الأرض، وهذا واقع يفرض على الشباب العيش في قلق وتوتر دائمين.. أما ثانيها فهو التقنية الحديثة في عالم الاتصالات، بحيث أصبحنا، كما يقال، نعيش في قرية صغيرة، وأصبح الفرد مفروضاً عليه الالتزام بالقيم والتقاليد التراثية العريقة التي تربّى في كنفها ونعتز بها.. أما الاختراق الثالث فهو يتمثل في الكم الهائل من العادات الغربية الدخيلة التي باتت تغزو مجتمعنا، ومن المؤسف أنها وجدت لها تربة خصبة عند البعض فأصبحوا يروجونها ويدافعون عنها، علماً أنها، كما قلنا، لا تمت إلى واقعنا المجتمعي والحياتي بصلة فاعلة. أمام هذا الواقع، لا بدّ لنا من مراجعة دقيقة ومتأنية كيما نشخّص الحالة الراهنة، وفي ضوء هذا التشخيص ومعرفة المسببات والمخرجات غير المتناسبة مع واقعنا المجتمعي، لا بدّ من البحث عن حلول عملية تعالج هذا الواقع وتحدّ من أخطبوط هذه الاغترابات قبل أن تصبح واقعاً وآفة مستديمة. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن الاغتراب في الداخل سببه هذا الفراغ الذي يعانيه ما نسميه مغترباً من الناحية الفكرية والمادية، وضغوطات الحياة اليومية التي تتطلب تلبية ما لا يستطيع القيام بها، بحيث يشعر أن لا مستقبل له، وأن كافة السبل والأبواب مغلقة أمامه، والمغترب بشكل أساسي لديه طاقة معينة يشعر بأنها معطلة «الطاقة» لتلبية حاجات معينة لديه، والهام القول هنا: الإنسان كائن ذوحاجات، وهو يعمل لكي يلبي هذه الحاجات، على الرغم من أنه يعمل ويقدم جهداً، فإن مردود العمل لا يعود.. لماذا؟!.. وهذا شكل من أشكال الاغتراب، والأقسى منه المغترب الذي ليس لديه عمل أو ليس مسموحاً له أن يعمل.
إن الحديث عن استئصال هذه الظواهر السلبية ليس بالأمر اليسير في ظلّ هذا الواقع، لذلك يتطلب الأمر تكاتف جميع الجهات والفعاليات الرسمية والمدنية في تعرية تلك الظواهر، حيث أنها أصبحت عامة، وليس من السهل إقناع الشباب بالتخلي عنها إلا ببديل مناسب يتضمن إشباع حاجاته الحياتية بشكل مناسب، والمساهمة الفاعلة في تعديل سلوكه وصولاً إلى بناء شخصية إنتاجية مسؤولة، تأخذ على عاتقها تنقية هذا السلوك من أية شوائب تضرّ بالفرد قبل المجتمع، وتؤدي به إلى خلق توافق نفسي معرفي يضبط سلوكه ويُعدّ له لما فيه مصلحته ومصلحة الوطن.
صمام الأمان
توقفنا مع السيد ميلاذ مقداد، عضو قيادة اتحاد شبيبة الثورة - رئيس مكتب الإعلام والبحوث، وسألناه عن واقع الشباب فأجاب: لو أردنا تقييم واقع الشباب، يجب أن نستند في الأساس على معطيات علمية.. فمنظمتنا اتحاد شبيبة الثورة قامت عام 2006 بمسح شامل للشباب ضمن منهجية مسح الشباب في الأسرة، وكانت نسبة العينة الممثلة للشباب في القطر العربي السوري 42.7٪ للفترة العمرية من (13- 35)، وبهذا المسح كانت هناك مجموعة من الأسئلة في /7/ محاور هي: الشباب والعمل - الشباب والثقافة - الشباب وأوقات الفراغ - الشباب والتوزع الديمغرافي - الشباب والزواج والحياة الأسرية - الشباب والاهتمامات والميول والترويح - والإعلام والثقافة والاتصال. وبناءً على الدراسة وتحليل معطياتها، يمكن أن نتحدث عن قضايا الشباب وأهم المشكلات التي تواجههم، لكن إذا أردنا أن ننطلق من العام إلى الخاص، لا يمكن أن نقع في المطب الذي وقع به البعض، كأن يسلط الضوء على ظاهرة سلبية في المجتمع، ويعمم هذه الظاهرة على الشباب، كأن يقول: بأن الشباب متفلت من القيم والأخلاق، أو أن يأتي شخص آخر ويقول: كل شبابنا متمسك بالقيم والأخلاق.. ونحن نقول: صحيح أن هناك مظاهر وتحديات عديدة تجابه شبابنا، ولكن من المهم الإشارة إلى أن شبابنا ما زال منشدّاً إلى أسرته، وبالتالي فهي تلعب دوراً تربوياً واجتماعياً أساسياً، فمثلاً من خلال المسح فإن الشباب في كافة قضاياهم التي تتعلق بالتعليم والعمل ورؤاهم لمستقبلهم، هناك عامل حاسم للأسرة، ويمكن أن نعتبر أن هناك قضية مفتاحية بأن الأسرة حتى الآن هي صمام أمان للواقع الاجتماعي والقيمي في سورية،
لكن ذلك لا ينفي وجود حالات يمكن أن نشاهدها كتحدٍّ لنا كمجتمع وكشباب، نتيجة الغزو الثقافي والإغراءات التي تشوب هذا الغزو، بالإضافة إلى معاناة الشباب التي تنشأ في سيرورة حياته، وخاصة مشكلاته في التعليم مثلاً، أو تلك التي تطرأ نتيجة حاجته إلى العمل وبروز البطالة كتحدٍّ كبير في المجتمع تؤدي إلى بعض المظاهر، حقيقة التي علينا كمجتمع وكشباب أن نجابهها.. وأمثلة من المسح، فعندما نتكلم عن القراءة والثقافة، ويكون ذلك آخر شيء من اهتمامات الشباب، فهي مشكلة حقيقية، خاصة وأن أولى اهتماماته مشاهدة التلفزيون، حيث يقضي الشباب 72٪ من أوقات فراغه على التلفزيون، وبعدها مع الأصدقاء، وهذا يشكّل تحدٍّياً علينا مواجهته، علماً أنه مع هذا التحدّي يسهل الاختراق أيضاً، لأن الغزو الإعلامي والثقافي يأتي عبر أقنية متاحة ومتعددة تقدم للشباب نموذجاً نمطياً استهلاكياً منفلتاً، ليس لديه قيم أخلاقية سوى أن يعيش حالة إثبات الذات والمتعة والأنانية.. إذاً نحن هنا نضع يدنا على الثغرة التي يمكن أن يعاني منها شبابنا الآن أو في المستقبل، وعلى هذا الأساس نؤكد على أن هذه القضية هي قضية الشباب والمجتمع بالوقت نفسه، وعلينا جميعاً مجابهتها من خلال ترسيخ ثقافة الانتماء والمواطنة والاستهلاك الإيجابي، وتمكين الشباب من مجابهة المشكلات التي تواجهه في التعليم أو في العمل وفي أوقات الفراغ.
الاهتمام بقضايا الشباب الجامعي
لا يغيب هنا دور الاتحاد الوطني لطلبة سورية، فهو من المنظمات التي تركز جلّ اهتمامها لقضايا الشباب عامة، وقضايا الشباب الجامعي وحلّ مشكلاتهم خاصة.. وفي لقاء مع السيد إيهاب شبلي حامد، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد ورئيس مكتبي الثقافة والإعلام والنشر، ذكر أن الاتحاد يُعنى بحلّ مشكلات الشباب من الطلاب الجامعيين، وتلبية متطلباتهم داخل وخارج القطر، ويشارك بشكل حقيقي بصنع القرار في مجلس الجامعة أو مجالس الكليات، حيث أن الطالب نفسه هو الذي يحضر الاجتماع وله حق التصويت والتحفظ بما ينسجم مع مصالح الطلبة، أي أن الاتحاد يتحمل المسؤولية في سدّ الثغرات لمشاركته الفعلية في العمل التعليمي والأكاديمي واهتمامه المحوري بالتحصيل الجامعي، مشيراً إلى أن دور الجامعة ليس تعليمياً فقط، بل هو أيضاً دور تأهيلي ثقافي واجتماعي وسياسي وتربوي. وأكد حامد على ضرورة شدّ شريحة الشباب، وملء الفراغ لديها بشكل إيجابي، لأننا إذا لم نفعل ذلك، فهناك من يعمل على استقطابها، خاصة وأننا نعيش ضمن فضاءات مفتوحة.. صحيح أننا لا نستطيع حجب تلك المصادر عن الطالب الشاب مهما أُطّرت أو سُوّرت أو حُدّدت، لكننا نستطيع العمل على تحصينه قدر الإمكان من أجل تمييز الخطأ من الصواب، وليتمكن من الرؤية أبعد من الصورة السطحية التي تظهر كصورة حق، لكن يُراد بها الباطل، ولهذا فإن الاتحاد يعمل دائماً على التقرّب من الشريحة التي يمثلها حتى يؤثر فيها ولسدّ أوقات فراغها بشكل إيجابي يقيم العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية والاجتماعية والسياسية وغيرها كالمهرجانات الثقافية والأدبية والفنية والمسرحية، وتكريس ثقافة الحوار في كل المجالات، إضافة إلى النشاط الناجح واللافت في الفترة المنصرمة، ألا وهو تنظيم مخيمات العمل التطوعي التي انتشرت في أرياف المحافظات السورية، وختم عضو المكتب التنفيذي للاتحاد قائلاً: لدينا نصف مليون طالب في سورية، ويكفي إلى حدّ ما أننا قادرون على التواصل الحقيقي مع (80 - 100) ألف منهم.
حاجة إلى حراك جماعي
إن موضوع الشباب على قدر كبير من الأهمية، ويجب أن يكون عنواناً رئيساً لكل مرحلة وكل خطة على المستوى الرسمي أو غيره، بحيث يُصار إلى الاهتمام الجاد والمسؤول بقضايا الشباب، فنخرج من إطار الدراسات والأبحاث والندوات والتوصيات النظرية إلى إطار التنفيذ الفعلي للسياسات المقترحة لتلبية احتياجات الشباب،وحلّ مشكلاتهم وسدّ الثغرات أمام الاختراق الخارجي الذي يستهدف هذه الشريحة بشكل شره، سعياً وراء عرقلة عجلة التنمية والتقدم فيها التي يعتمد نجاحها بشكل أساسي على الشباب.
حقائــق
< وفق إحصائيات 2006، فإن خُمس سكان سورية من الشباب بين (15 - 24) سنة.
< ندرة فرص العمل ومشكلة عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب من الدوافع الأساسية للتفكير بالهجرة.
< هناك مشكلة جدية في قضاء أوقات الفراغ واستثمارها بشكل جيد، علماً أن 72٪ منها يمضيها الشباب في مشاهدة التلفاز.
< التلذذ بالاستهلاك من معايير التفاضل بين الناس، وهو أخطر مظاهر الاختراق التي تهدد بنية الثقافة.
نتائج يُبنى عليها
أشارت نتائج الدراسة إلى أن 41.6٪ من المبحوثين ينتظمون حالياً بالتعليم، في حين أن 56٪ منهم غير منتظمين، لكنهم كانوا التحقوا به سابقاً، إلى جانب 2.4٪ لم يلتحقوا بالدراسة نهائياً ولأسباب أهمها الوضع المادي، فإن معظم المبحوثين يتعلمون في مؤسسات حكومية، وهناك عدد قليل يعزفون عن متابعة تعليمهم الجامعي في حال لم يتمكنوا من الحصول على معدلات تؤهلهم للطب أو الهندسة أو مثيلاتها، مفضلين النزول مباشرة إلى سوق العمل أملاً في الوصول إلى مستوى مادي يعوضهم عن التعليم، وأوضحت المعطيات أن أكثر من نصف العينة الملتحقين حالياً بالتعليم يطمحون إلى الحصول على الشهادة الجامعية، وأكثر من ربعهم يرغب في الحصول على شهادات ما بعد الجامعية، وبرأي الشباب الذين لم يكملوا مرحلة تعليمية ما، أن أكثر العوامل التي تقف وراء ضعف رغبة الشباب في متابعة دراستهم الظروف المادية السيئة، وجهل الأهل بقيمة العلم وأهميته، وعدم حصول الكثير من حملة الشهادات على فرص العمل، إضافة إلى ضعف قدرات التلاميذ أنفسهم.
كما بيّنت الدراسة أن أكثر من ثلث الشباب والشابات المشمولين بالدراسة هم من المشتغلين، وأكثر من نصف هؤلاء تراوحت أعمارهم عند البدء في العمل ما بين (12 - 16) سنة تحت ضغط العامل المادي.. ونتوقف هنا عند المحور الهام، ألا وهو (البطالة) وآثارها الاجتماعية - النفسية على الشباب، حيث أظهرت النتائج أن واحداً من عشرة بحثوا ويبحثون عن عمل دون أن يجدوه، أي أن نسبة البطالة من قوة العمل الشابة تصل إلى 21.5٪، كما أن خمسي المتعطلين لهم زمن لا يقل عن السنتين، وهم يبحثون ولم يجدوا العمل، ومن النتائج أن اضطراب الحياة النفسية للمتعطل يزداد مع زيادة فترة تعطله، وبرأي المبحوثين فإن الشباب الذين يعانون البطالة يُحرمون من ممارسة حقهم في إتقان المهارات وتثبيت المعارف التي اكتسبوها، الأمر الذي سينعكس حتماً على مستوى إنتاجيتهم المستقبلية في حال حصلوا على عمل، ولعلّ الفجوة بين المناهج التعليمية واحتياجات سوق العمل تشكل واحداً من أهم محددات بطالة الشباب، كما أن الصناعة غير قادرة على امتصاص قوة عمل حملة الشهادات العلمية، وهم كثر جداً بين صفوف العاطلين، كما يعتقد المبحوثون أن عدم تفعيل القطاع الخاص بشكل جاد ومثمر، وعدم مشاركته الفعالة في التخطيط، وضعف التنسيق والتعاون بينه وبين القطاع العام، إلى جانب ما يعتريه من مشكلات يرتبط بعضها بالتشريعات والقوانين، والبعض الآخر بالبنية التحتية، هي أمور تسهم في تردد العديد من المستثمرين ورجال الأعمال بالدخول إلى سوق العمل السورية، وبالتالي خسارة الشباب لعدد كبير من فرص العمل. والجدير ذكره أن ندرة فرص العمل تدفع بالشباب المتعلم إلى التفكير بالهجرة، كما أن مشكلة «عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب» أيضاً من الدوافع الأساسية للتفكير بالهجرة. أما فيما يتعلق بالمشاركة المجتمعية، فإن أكثر من ثلاثة أرباع المشمولين بالدراسة، يشاركون في اتخاذ القرارات في أسرهم، وأكثر من نصفهم في المؤسسات التعليمية التي يدرسون فيها، وثلثهم في العمل، وتنخفض نسبة مشاركة الشباب في اتخاذ القرار في المنظمات الشبابية إلى الربع، ولم تصل نسبة الشباب المبحوثين الأعضاء في جمعيات للعمل التطوعي إلى أكثر من 3.3٪. والهام هنا الحديث عن موضوع الشباب وأوقات الفراغ، حيث يصطدم شبابنا بالعادات والتقاليد والقيم الاجتماعية السائدة، التي تحدّ من حريتهم في اختيار ألوان النشاطات التي يريدون ممارستها، والتي تتطلب مشاركة الجنسين فيها مثلاً، وأكد أكثر من خمسي الشباب المبحوثين على ضرورة أن توفر الحكومة أو المنظمات الشبابية مراكز للكمبيوتر وللأنشطة الشبابية تعمل على استثمار طاقاتهم، وإشباع حاجاتهم المعرفية والاجتماعية، لأنهم يواجهون مشكلة جدية في قضاء أوقات فراغهم واستثمارها بشكل جيد لعدم مقدرتهم المادية على اقتناء كمبيوترات أو الذهاب إلى مراكز ترويحية لها تكلفة مادية عالية. ورضوخاً لواقع الحال، وبسبب ضعف دور الوالدين والمؤسسة التعليمية في عملية إرشاد تعتمد طرقاً جذابة حول كيفية الاستفادة من أوقات الفراغ، يقضي الشباب معظم أوقات فراغهم في الغالب منفعلين وغير فاعلين، إذ تبيّن أن النشاط الأول الممارس في أوقات الفراغ هو مشاهدة التلفاز، والثاني المطالعة وزيارة الأصدقاء والأقارب، والثالث هو الاستماع للموسيقا. واتضح أن أكثر من ثلثي الشباب يجلسون أمام التلفاز من (1-3) ساعات يومياً، وتنحصر البرامج الأكثر مشاهدة «المسلسلات والأفلام - الأغاني والموسيقا - البرامج الترفيهية». ولعل جاذبية التلفاز خاصة بعد انتشار الأجهزة اللاقطة بشكل واسع، أدت إلى تراجع عدد متابعي الإذاعة من الشباب، حيث قال أكثر من نصف المبحوثين: إنهم لا يستمعون لها أبداً. ما سبق بعض أهم النتائج، يُضاف إليها نتائج أخرى في المجالات المذكورة نفسها، وفي مجال الصحة وطبيعة الاتجاهات ومكوناتها لدى الشباب، وصورة الذات عند الشباب شملتها الدراسة أو المشروع الذي تديره الدكتورة أميرة أحمد، من الهيئة، وأعدّه الدكتور محمد أكرم القش ومجموعة من الباحثين، وراجعه ودققه الدكتور يوسف بريك، ونسق له السيد باسل عبدو برو.