أحمد شعبان الشلقامي :
العولمة كما يرى البعض مرحلة من مراحل تطور العالم، حيث وسائل جديدة خارج ما كان مألوفًا، لما وفرته من أدوات تعتمد على التكنولوجيا أسهمت في تحرير حركة البشر والأشياء دون الاهتمام بالقيود الحدودية الجغرافية أو حتى الثقافية أو الأخلاقية الاجتماعية.
والفكرة الرئيسية لتعريف العولمة تشير إلى تعميم انتشار وتطبيق شيء معين حتى يصل إلى مستوى العالمية، فالعولمة طالت كل شيء.. الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة والرياضة، حتى الوسائل الحياتية المتعلقة بعادات يومية، والأخطر أن التأثير الذي أوجدته على المستويات السابقة ربما كان- في غالبه- تأثيرًا قسريًّا مفروضًا، نظرا لما يعانيه العالم من تقسيم إلى قسمين: قسم مسيطر قادر على التأثير، وقسم آخر ضعيف متدهور قابل للتأثر رغم وجود أجزاء مقاومة، ولأن ما فرضته العولمة يختلف تمامًا مع قيم وعادات وسلوكات المجتمعات غير الغربية، فقد نجد البعض يتحدث عن ما يسمي بضرورة الاهتمام بـ"التربية الروحية" التي من شأنها الاهتمام بأخلاقيات الناس المهددة، ليس فقط بالمهددات التقليدية للأخلاق، بل بمهددات غير تقليدية ومتطورة أطلق عليها "ديانة السوق" والتي باتت تغزو كل بقعة من بقاع الأرض.
فالماديةهي نموذج للقيم التي خلفتها العولمة حيث الإعلاء من الروح المادية مع عدم الاعتراف بالقيم.
ولم يتوقف الأمر عند المادية فبالتبعية ارتفعت معاني الاستهلاكوفرضت العولمة قدرة أكبر علي التداول مما سهل من عمليات البيع والشراء، بل إننا نواجه فعلًا هذه المشكلة على مستوى العالم عامة، والعالم الثالث خاصة، حيث تتمثل العولمة في جوانبها الاقتصادية في فتح أسواق البلاد النامية أمام الإنتاج الغزير والمتنوع لهذه الشركات، من خلال عمليات إعلانية وتسويقية جذابة، من شأنها إعادة صياغة شخصيات الأفراد في هذه المجتمعات لكي تدفعها للدخول في مجال الاستهلاك والاستهلاك المتواصل، وذلك بالرغم من ارتفاع معدلات البطالة والفقر في العالم، وهو ما أدخلنا في أزمة اقتصادية عالمية، نتيجة زيادة الاقتراض الناتج عن زيادة الاستهلاك.
انتهاك الخصوصية
لقد خلقت العولمة سبل اتصال وتفاعل كثيرة ومتنوعة، بل قادرة على التأثير بفاعلية، معلنة عن مرحلة جديدة تتسم بقدرة ورغبة للانتهاك كل الحدود الثقافية والسياسية، فلم يعد لدى أحد مقدرة على التحكم فيما يتلقاه أو يستقبله، وهي الفكرة الأساسية للعولمة.
أعيدوا القيم
بقراءة العولمة وفهم أبعادها يتبين أن المشكلة على المستوى القيمي والأخلاقي أثرت بشكل أساسي على الدول غير الغربية، فقدرة التحكم الهائلة والسيطرة والإدارة في الاقتصاد والسياسة ووسائل الاتصال ومصادر المعرفة ومصادر الأخبار والمعلومات تجعل الغرب الأميركي-الأوروبي هو مصدر العولمة، فالعنف والجنس في وسائل الإعلام والسينما العالمية وفي القنوات الفضائية التي دخلت اليوم إلى كل بيت ومع ما سببته من تدهور في السلوك والقيم من خلال انتشار الإباحية أو الشذوذ أثرت بصورة أو بأخرى في مجتمعات لا تزال تقيم وزنا "كبيرا" لقيم العفة والاحتشام، وقد فرض هذا التدهور على مجتمعاتنا العربية والإسلامية ضرورة الاهتمام بالجانب القيمي والروحي، ليس فقط لمواجهة سلبيات العولمة ولكن لإحداث توازن قيمي يحفظ للإنسانية مكانتها ووجودها الحضاري المقبول والايجابي.
ومع ما وصل إليه العالم من مرحلة القمة لتراجع القيم، وما نتعرض له بسبب هذا الانهيار القيمي من أزمات مثلت الأزمة الاقتصادية أشد مظاهر التعبير عنها فإن الوقت قد حان وأصبح الباب أكثر انفتاحًا ليقوم المسلمون بدورهم المنوط لهم القيام به والذي هو بالأساس شرط خيريتهم حيث الوظيفة الدعوية المفروضة على المسلم.
مواجهة لقيم مفروضة
- التفاصيل