هناء المداح
من المؤثرات الأساسية في تكوين الشخصية ورسم معالم الحاضر والمستقبل "الصُحبة"، فإن كانت صحبة أخيار أفاضت على الأصحاب الخير كله، وإن كانت  صحبة أشرار فإنها بلا شك ستترك بصاماتها.. فصحبة أهل الخير دواء وصحبة أهل الشر داء..
عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة".. متفق عليه.
فميزان الإنسان أصدقاؤه.. فقل لي من صاحبك؟ أقل لك من أنت..
الإنسان بفطرته يتأثر بجليسه ويكتسب  من سلوك وأخلاق خليله.. ولقد جسد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"، رواه أبو داود.
كم ضل من ضل بسبب صاحب فاسد أو مجموعة من أصحاب السوء، وكم أنقذ الله بقرناء الخير من كان على شفا جرف هار فأنقذه الله بهم من النار، فواهمٌ من يدعي قدرته على معايشة البيئة الفاسدة دون التأثر بها لأن قلبه قلب بشر  لا قلب مَلَك، وإلا لماذا أمر الله رسوله الكريم بصيانة سمعه وبصره ومفارقة مجالس السوء قائلًا له: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}، الأنعام: 68

إذن، علينا أن نختار الصديق من الناس كما نختار الجميل من المظاهر واللذيذ من الطعام والسائغ من الشراب، لأن أهل الشر والدناءة لا يدخرون لنا سوى الشر، ولنعلم أنه ليس كل من كان حلو اللسان عذب الكلام دائم الابتسامة يصلح صديقًا،  فملمس الثعبان ربما يعجبنا لكنه ربما يلدغنا لدغة قاتلة..

سئل أحد السلف عن الصحبة فقال: "الصحبة مع الله بحسن الأدب ودوام الهيب، والصحبة مع الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع سنته، ولزوم ظاهر العلم، والصحبة مع أولياء الله بالاحترام والحرمة، والصحبة مع الأهل بحسن الخلق، والصحبة مع الإخوان بدوام البشر والانبساط ما لم يكون إثمًا، والصحبة مع الجهال بالدعاء لهم، والرحمة عليهم، ورؤية نعمة الله عليك أنه لم يبتلِك بما ابتلاهم به".

من الثمار المباركة للجليس الصالح:

أولًا: أنت في الآخرة مع مَن أحببت:

عن أنس أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن الساعة قال: "وماذا أعددت لها؟"، قال: لا شيء، إلا أن أحب الله ورسوله، قال: "أنت مع من أحببت" قال أنس: "فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي: "أنت مع من أحببت"، قال أنس: فأنا أحب    النبي وابا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم. أخرجه البخاري.

ثانيًا: النجاة من فزع يوم القيامة: قال تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعضٍ  عدوٍ إلا المتقين* يا عبادي لا خوف عليكم اليومَ ولا  أنتم تحزنون} الزخرف: 67

ثالثًا: الانتفاع بدعائهم بظهر الغيب: شتانَ بين من يقولون: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر:10، وبين من يتخاصمون في الدنيا ثم في نار جهنّم (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) الأعراف:38
رابعًا:  الانتفاع بمحبة الله لمحبتهم: لأن الله قال كما في الحديث القدسي:«وجبت محبتي للمتحابين فِيَّ، والمتجالسين فِيَّ، والمتزاورين فِيَّ، والمتباذلين فِيَّ»، وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان" وذكر منها: "وأن يحب المرء لا يحبه إلاّ لله" متفق عليه.

وهذه المحبة الصادقة الصافية في الله تعالى ينتج عنها علو المنزلة ورفعة الدرجة يوم القيامة، ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله ذكر منهم: "ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه".

خامسًا: جلساء الخير يعرفونك على إخوان الخير فتزداد المعرفة؛ فصاحب الخير يدلك على صاحب الخير، وهكذا تزيد الاستفادة.
سادسًا: يحفظون الوقت والعمر من الإهدار:
عن أبي قلابة  قال: "التقى رجلان في السوق فقال أحدهما للآخر: تعال نستغفر الله في غفلة الناس، ففعلا، فمات أحدهما، فلقيه الآخر في النوم، فقال: علمت أن الله غفر لنا عشية التقينا في السوق.

سابعًا:  التأثر بهم:

ومن ثمار صحبة الأبرار التأثر بهم والاقتداء بسلوكهم وأخلاقهم واستقامتهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله".


JoomShaper