أحمد عبد الجواد زايدة
باتت ظاهرة الحديث عن أهمية الأمور والأفكار ومسارات العمل شائعة وذائعة للدرجة التي تجد فيها نفسك أمام خريطة من "الأفكار" "وعمليات ومسارات التجديد" بالغة الأهمية غير أنك إذا نظرت إلي خريطة الأعمال وجدت "صفرا" علي الشمال ...كما يقولون.
ما بين كوننا أمة "اقرأ" التي جاء لها الأمر الإلهي المباشر بالقراءة والسير والنظر والتدبر ومراعاة السنن وأخذ العبر والقراءة في الكتاب المسطور والكون المنظور في إطار الرؤية التوحيدية بحيث تكون هي المنطلق والرُجعي ... وما بين "وقل اعملوا" و"تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" ... تدور رحي النهضة وتعيش هذه الأمة أزمتها أو قُل ... اتنكاستها.
كتب مالك بن نبي رحمه الله سابقا أن أزمة من أزمات الأمة أنها فشلت أن تحول عالم الأفكار إلي أرض الواقع فأصبح هناك انفصال وانفصام بين الفكر والواقع ... بين المثال والحقيقة ... مع أننا أمة قولها عمل وعملها قول ... وشهود. لكننا لم ننجح في أن نحول الأفكار والقيم لنظريات والنظريات إلي مؤسسات والمؤسسات إلي إجراءات وفعاليات ... حتي السلوك أصبح في غالب الأمر في جهة أخري مغايرا لجهة الكلام فأصبح كلامنا حجة علينا لا حجة لنا ... ولا نزال نجني ثمار ذلك.
لماذا هذا؟! هل لأننا أمة مفلسة لا أفكار لها؟ لا أظن ... فنحن أمة لها تراث فكري عميق وشأنه في التجديد شأن أي منظومة فكرية وتراثية تحتاج للتجديد بالقدر الذي يجلعه مواكبا لتطورات الحياة ومتغيرات الزمان والمكان؛ هل لأننا أمة تفتقد للنموذج؟ لا أظن كذلك ... فنحن أمة لها من النماذج ما يكفي لتعيش عليه الدهر. أزمتنا أن بعضنا يعيش في تاريخ لا يريد أن يبرحه إلي أرض الحاضر والمستقبل ويعيش صراعاته هناك بعيدا عن تفعيل التاريخ وأدوات التجديد في تدافعات الحاضر واستشراف المستقبل؛ وأزمة البعض الآخر أنه يريد العيش في المستقبل منفصلا منبتا عن عن حاضره وتاريخه الذي لا ينقطع التاريخ ماضيه وحاضره ومستقبله عن بعضه البعض ... فهو خط زمني مستمر ومتواصل ودورة متصلة ...ومتواصلة؛ أمَا من يملكون الجمع بين الأمرين فقد تكتشف أن أزمات الأمة عصي حملها علي كاهل بعضهم لكارثيتها ... والبعض الآخر اتخذ رسالته مهنة ووظيفية يتعامل معها بنظرية "لقمة العيش".
وما بين هذا وذاك ... يبقي الحل: في رفع الحاجات وبناء استراتيجيات تغيير وفق الإمكانات والعمل في حدود المتاح واستغلال الخطوط المتبقية والفرص المتاحة... العمل بتواضع وإخلاص وصدق ويوما بيوم ستندمج استراتيجيات الأفراد والمجموعات إن لم يكن في التفاصيل ففي الأهداف المتكاملة لتكون استراتيجية أمة هدفها تغيير العالم -الذي إن لم تغيره فسيقوم بتغييرك-... نحو صناعة عالمية إسلامية شاهدة ... نعمل من الوعي إلي السعي ... بترافق بينهما وعلاقة جدلية طردية ... "اقرأ" ثُم "وقل اعملوا" ثم "قل سيروا في الأرض فانظروا" ... ثم نكون "خير أمة أخرجت للناس".
آن الأوان لننتقل من الحديث عن التجديد للحديث في التجديد نفسه ومن الحديث عن "الأهمية" للحديث عن "عمق الماهية" ومن حديث عن "الانفصام" للحديث عن سبل التكامل وتقديم النموذج ... بما فيه الكلمات السابقة في هذا المقال... أزمتنا أزمة انفصام بين المثال والحقيقة ... الفكر والواقع ...والرحلة بينهما رحلة فصل ووصل لا تتوقف ولا يدركها إلا " العالمون العاملون" ... وقُل اعملوا.