فاطمة الخمّاس
ويتنفس الصبح بإشراقات يوم جيد، وحياة جديدة، تنجلي معها غيمات متّرعة بخير تفاؤلي، وآمال تترى، تثق بعطايا المولى سبحانه، وتنهض مع عام جديد بعزائم ورفعة.
وها هو العام الجديد يطل علينا، تبتهج فيه النفوس المؤمنة بحسن الظن بالله  إيمانناً وإخلاصاً، حتى إننا لنجد في الحياة متسعا لأمنيات قادمة. تخرج أكمامها كتلك الورود اليانعة؛ لترسم في الأفق عبيراً ورونقاً. أو لتُختم بإذن الله أعمالنا بصدق نوايانا وإحساننا.
و تمضي بنا الأيام، ويتجدد معها عام وأعوام. وتمضي في رحيلها، وقد أخذت معها أرواحا كانوا لنا النور في الأنام. وفي رحيلهم عظة وعبرة وذكرى. نستقي منهم علما وأدبا، وشهبا كانوا لنا بالخير فيما مضى وسؤددا.
ثم يدور فلك الحياة، لتستمر الرحلة لمن شاء الله لهم أن يمضوا في رحابها، متفائلين مؤملين، متيقّظين لإدراك كل خطوة يسعون معها لكل خير، وأول خطوات هذا العام وما نتمناه: العمل على إصلاح النفس، والسير في منهج السعادة الحقيقة، وهي معية الله تعالى، ورضاه، ثم ابتغاء النصيب الطيب من الدنيا والسعي له، سعيا يتوافق مع حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

وملأ صفحاتنا البيضاء عطاءً يدوّن في كتاب الأعوام التاريخية  القادمة. والسعيد من يطوى صفحاته بذكرى وعمل يتوهج في سيرته كلما لاح في الحياة اسمه.

يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ : الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين، وليس لهم حط رحالهم، إلا في الجنة أو النار. والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقة وركوب الأخطار. والنعيم يكون بعد انتهاء السفر. هناك في الحياة الآخرة؛ لذا لابد أن نكون في الحياة متنّبهين بتذكية روح الإيمان. وتقوية الوازع الديني، وتبصير النفس بحلالها وحرامها. وتهيئتها إلى ما فيه خيرها، (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا .قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)الشمس 10  وتهذيبها على التغيير الفعال. والذي يزيد من طاقاتها الإيجابية . وهو ما يساعد على الإنتاجية، ويردع فيها حب الهوى والدعة والكسل والركون إلى مباهج الحياة الفانية.

وجدير بنا أن نسلك سبيل الجد وترتيب الأولويات، نسعى معه لمستقبل ينتظر بناءً وتقدماً. واستثماراً حقيقياً لصلاح المجتمع المسلم. والذي نحقق معه ثمرة يانعة تعطي أكلها كل حين بإذن ربها. وبمنظومة (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} التوبة:105
ولنجعل من هذه الأنفس هدفا لعمارة الأرض، وحمل أمانة الدين. والثبات على خطى واثقة. ولنستبشر للإسلام والمسلمين  بالفرج والتيسير. وحمل ولاء النصر عاليا. والذود عن حماهم. وكف الأذى عنهم. والنصر على أعدائهم. ولتكن فعالنا موافقة لأعملنا. وأنفسنا بالدعاء معلقة برحمات ربنا.

إن الحياة الدنيا بتفاصيل أيامها ولياليها. وشهورها وأعوامها. ما هي إلا مدرسة كبيرة تخرّج أجيالا (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة.

تماوجَ العمرُ بيـن الخيـرِ والشَّـرِ
وقد حصدنا به حزنـاً مـن الغيـرِ

يا ماشيَ الدرب حاذرْ مـن تعرجـها
واحملْ سراجَ الهدى في عتمةِ السَّيرِ


ولقد كان السلف الصالح يعتبرون بمرور اللحظات والدقائق والأيام. ويتفكرون بانقضاء الأعوام، ويحاسبون أنفسهم في جميع أوقاتهم. وكانوا ينظرون إلى الحياة على أنها دار عمل. آملين فيها لبناء خيرية البشر عملاً وعلماً. وإلى آخرة فيها مستقر في الجنة بجميل الفعل.

 

JoomShaper