محمد السيد عبد الرازق
كثير من الشباب يسأل: أريد أن أتمتع بالفاعلية فكيف السبيل؟
إن هذا السؤال مهم للغاية، فالإنسان لا يستطيع استثمار حياته الاستثمار الأمثل ـ وخاصة فترة الشباب ـ إلا إذا تمتع بالفاعلية، فما هي الفاعلية؟
الفاعلية تعني: (الموازنة بين ما نريده على المدى القريب وما نريده على المدى البعيد، فنحن نريد من الآلة التي بين أيدينا ونستخدمها لمصالحنا أن تستمر صالحة لوقت طويل) [دروب النهضة، د.محمد العبدة، ص(86)].
وحتى لا يختلط الأمر؛ ينبغي التفريق بين الفاعلية وبين بذل الجهد ، ومثال ذلك: (فقد يقود الإنسان سيارته بكفاءة عالية ولكن إذا كان متجهًا الوجهة الخطأ؛ فإن عمله لايتسم بالفاعلية، ولو أن طائرة متجهة من لندن إلى موسكو، انحرفت درجة واحدة عن مسارها لوجدت نفسها أخيرًا في القاهرة) [دروب النهضة، د.محمد العبدة، ص(86)].
وهناك تعريف رائع للفاعلية يقول: (هي أن نستفيد مما يقع تحت أيدينا، وقد سخر الله لنا البر والبحر والحيوان والنبات وأعطانا الزمان، فالإنسان الفعال هو الذي يجعل من الزمن لحظات حية مفيدة، ولذلك يُسأل الإنسان يوم القيامة عن عمره فيما أفناه) [الفاعلية وعوامل تنميتها، د. محمد العبدة، ص (8)].
والخلاصة أن الفاعلية لها ركنان أساسيان وهما:
1. عظمة الجوهر قبل عظمة المظهر.
2. التوازن بين الإنتاج والقدرة على الإنتاج.
أولًا: عظمة الجوهر قبل عظمة المظهر:
(وعظمة الجوهر تعني أنك شخصية قيمية تبني حياتها على أسس من القيم الراسخة مثل العدل والتسامح والصدق والأمانة والحب، بمثل هذه القيم ستصبح عظيمًا في جوهرك وعندما تحصل الوسائل والأدوات (عظمة المظهر) ستستخدمها في الخير وتصبح شخصية فعالة حقًا.
إن العظمة الحقيقية تكمن في عظمة الداخل، في قيمك ومبادئك التي تصبغ حياتك كلها، وليست ـ كما يظن البعض ـ أنها فيما تملك من شهادات أو تكتسب من مهارات، فالفاعلية بكل ما لها من أهمية تنبع من داخلك، إنها في اتساقك مع ذاتك وقيمك ومبادئك، ويخطئ الكثيرون حين يركزون على اكتساب المهارات وحيازة الشهادات، وفي غمار انشغالهم بتلك الأمور ينسون القيم والمبادئ.
ولا يظن واهم أننا ننقص من قدر المهارات أو نقلل من شأن الشهادات، وهذا غير صحيح، فلا يستطيع أحد أن يغفل أهمية هذه الوسائل لبناء نهضة الأمة وصناعة الحياة، ولكنها بمثابة الجسد، لا يغني شيئًا دون وجود الروح بداخله، والروح هو الجوهر الذي بداخلك [قوة المبادرة، د. محمد العطار].
وهنا وقفة نتأمل فيها الفرق الشاسع بين عظمة الجوهر وعظمة المظهر، فتخيل معي (شخصًا قد حاز مهارات الاتصال مع الناس، واشترك في عشرات الدورات التي تتحدث عن الإقناع والإنصات الفعال، وتكوين العلاقات والحديث الشيق، وغير ذلك من المهارات.
المفترض أن هذا الشخص سيكون خبيرًا في العلاقات الإنسانية والتأثير على الآخرين، ولكن مهلًا فهذا هو المظهر.
فلو كان ذلك الخبير حريصًا على منفعته فحسب، واستخدم تلك المهارات في خداع الناس، واستغلالهم من أجل مصالحه، ونسي المبادئ والقيم وصار شعاره في الحياة: (أفوز أنا ويخسـر الآخرون)، فهل تظن أن ذلك الرجل سينجح في علاقاته مع الآخرين؟!
كلا وألف كلا، فقد ينجح في خداع الناس بعض الوقت، وقد ينجح في خداع بعض الناس كل الوقت، ولكنه لن ينجح أبدًا في خداع كل الناس كل الوقت.
وعلى النقيض من ذلك، تصور شخصًا آخر، لم يتقن جميع مهارات الاتصال، ولكن يسعى في تحصيل ذلك، حديثه بسيط، أحيانًا قد يقاطع الآخرين أثناء حديثهم وهو لا يدري أن هذا خطأ، ولكنه يملك قلبًا يحب الجميع وبكل الصدق يتمنى لهم الخير، ويحرص على قضاء حوائجهم، شعاره: (أفوز أنا وتفوز أنت)، هل تظن أن ذلك الشخص سينجح في علاقته بالآخرين حتى ولو أخطأ بعض الأخطاء؟! بالتأكيد سينجح بإذن الله.
فما بالك لو أضفنا عظمة المظهر إلى عظمة الجوهر، فستكون النتيجةفاعلية أكيدة إن شاء الله) [قوة المبادرة، د. محمد العطار].
ثانيًا: التوازن:
قصة البيضة الذهبية
(كانت هناك قصة خرافية في القديم، تروي قصة مزارع فقير اكتشف ذات يوم بيضة ذهبية أسفل أوزته، في بداية الأمر ظن صاحبنا المزارع أنه يحلم، فكيف تبيض الأوزة بيضة ذهبية، ولكن ما لبث أن أمسك بالبيضة فرأى ملمسها مختلف، وبريقها يخطف الأبصار، ولم يصدق نفسه من فرط سعادته بتلك الثروة الهائلة التي يجنيها.
وفي اليوم التالي، ذهب المزارع كعادته إلى حظيرة الأوز، ليرى بيضة ذهبية أخرى، فطار عقله من هول المفاجآة، وظل على هذه الحال أيامًا عدة، إلى أن أغرته نفسه يومًا بذبح الأوزة؛ ليخرج كل ما في بطنها من البيض الذهبي، بدلًا من انتظار البيض كل يوم وتحمل عناء الانتظار، فقرر بالفعل ذبح الأوزة، ولكن المفاجآة كانت مدوية، فلم يجد في بطنها ولو بيضة ذهبية واحدة، فقد قضى المزارع على مصدر إنتاجه من البيض الذهبي) [قوة المبادرة، د. محمد العطار].
إن البعض قد يرى الفاعلية من منظور البيضة الذهبية، فكلما زاد الإنتاج زادت الفاعلية، والحقيقة خلاف ذلك، فالفاعلية تتكون من شقين أساسيين:
المنتج (البيضة) في القصة السابقة.
مصدر الإنتاج أو القدرة على الإنتاج (الأوزة) في القصة السابقة.
إذًا فهذا هو ميزان الذهب في مسألة الفاعلية، فكفة للإنتاج، وكفة أخرى للقدرة على الإنتاج، وينبغي أن يسعى الإنسان دائمًا في إقامة التوازن بين الكفتين.
فإنك إن ركزت على الإنتاج وأثقلت كفته، فانتظر تدهورًا في صحتك، وتعبًا في أعصابك، ومعاناة ضغوط الحياة... وسلسلة طويلة من الإخفاقات والإحباطات املتكررة.
أما إن أثقلت ورجحت كفة القدرة على الإنتاج، فمثلك كشاب أدرك أهمية الرياضة على الجسد والأعضاء فراح يمارسها لساعات طوال وأعمل الدراسة والعمل والإنتاج.
يقول ستيفن كوفي: (إن الفاعلية تكمن في التوازن، والإفراط في التركيز على الإنتاج يسفر عن تدهور الصحة وتهالك الآلات، واستنزاف الحسابات المصرفية وتقطع أواصر العلاقات، كذلك فإن الإفراط الحاد في التعامل مع القدرة على الإنتاج يماثل شخصًا يركض لمدة ثلاث أو أربع ساعات يوميا مزهوًا بالسنوات العشر الإضافية التي سيضيفها إلى عمره غير مدرك بأنه يضيعها في الركض، أو كمثل شخص يواظب على الذهاب إلى المدرسة بلا نهاية، ولا ينتج مثقال ذرة ويعيش على البيضات الذهبية للآخرين نموذج الدارس الأبدي) [العادات السبع للناس الأكثر فاعلية، ستيفين كوفي، ص(83)].
احفظ هذه الخطوات:
من أهم الوسائل لتنمية الفاعلية، أن نتعرف على أسباب فشل الكثيرين في الوصول إلىها، ولنا في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم المثل والقدوة، فهذا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت اسأله عن الشـر مخافة أن يدركني).
وإليك أيها المبادر الهمام أهم سبع خطوات تلقي بصاحبها في هوة السلبية والفشل، وتجعله أبعد ما يكون عن الفاعلية:
1. علق شماعة فشلك وأخطائك على الآخرين.
2. انشغل بالجزئيات عن الرؤية الكلية لحياتك ومستقبلك.
3. عش حياة الطوارئ المستمرة، وانجز اهدافك في اللحظة الأخيرة أو بعدها.
4. عش لنفسك وانجح وحدك، واجعل شعارك في الحياة: (أنا ومن ورائي الطوفان).
5. انعزل عن الآخرين بحجة أنه لا أحد يفهمك ويقدر مشاعرك.
6. اسع في إنجاز أهدافك وحدك، دون معاونة الآخرين.
7. اكتفِ بما حققت من إنجازات أو نجاحات، ولا تسعَ في تطوير ذاتك [العادات السبع للناس الأكثر فاعلية، ستيفين كوفي، ص(83)].