القاهرة - ريهام عاطف
من المعروف أن الطموح هو امتلاك الحافز للوصول إلى الهدف، وقد يكون ذلك الحافز نفسي أو مادي أو عاطفي أو اجتماعي، فهو شيء ينمو بداخل الفرد؛ ليكسبه القدرة على بذل مجهود أكبر يحقق من خلاله ما يريد، فليس هناك وصول لمبتغى أو هدف دون حافز، لكن قد يتعاظم الطموح أحيانًا للوصول إلى ما يسمى "طول الأمل"..
وهو الاستمرار في الحرص على الدنيا، ومداومة الانكباب عليها، مع كثرة الإعراض عن الآخرة، حيث يقول الله تعالى: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الحجر: 2- 3]، وفي تفسير "يُلههم الأمل": أي يشغلهم عن الطاعة.
وقوله سبحانه عن اليهود: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ العَذَابِ أْن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [البقرة: 96]، وقوله تعالى: (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَآدّينَ * قَالَ إِن لّبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً لّوْ أَنّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ) [المؤمنون 112-115]، وقال تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمل فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: 16].
وقد قال على ابن أبى طالب رضي الله عنه: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ، فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَةَ".
توازن
ويرى الباحث الإسلامي علي يوسف أنه لابد على الشاب أن يوازن بين طموحاته الدنيوية والمتطلبات الدينية، فالفارق كبير بين الرجاء وطول الأمل، فمن رجا شيئًا طلبه، ومن خاف شيئًا هرب منه، فأين هذا من طول الأمل الذي آل بكَ لعدم الاستعداد لأمر الآخرة؟.
فالإفراط في الطموح، قد يصل بالفرد إلى أن ينسى الآخرة ويزهدها، فيقبل على الدنيا بكل جوارحه، فعلى الشاب أن يوازن جيدًا بين ثقافته الدنيوية وثقافته الدينية، بشرط أن يأخذها من مصادر مستنيرة تحببه في الإسلام، ولا تحبطه أو تنفره منه، ومن أمثال ذلك الشيخ الغزالي -رحمه الله- والذي ساهمت كتاباته في إثراء الثقافة الإسلامية بما فيها ماساهم في تشكيل وعي الشباب واستنارته.. وعلى العبد الذي يطلب العلاج أن يعرف حقيقة هذه الدار، وأنها فانية، والأصل أن تلقاك بكل ما تكره فإذا لاقتك بما تحب فهو استثناء.
طموح وجموح
من ناحية أخرى يفرق أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان د.رشاد عبداللطيف بين كلٍ من الطموح والجموح، أو ما يسمى بـ(طول الأمل)، فيرى الطموح هو أن يدرك الفرد جيدًا قدراته وإمكانياته، ومن ثم الهدف الذي يريد الوصول إليه، فيبدأ في استخدام جميع الطرق والوسائل الإيجابية التي تساعده في النهاية لتحقيق هذا الهدف، فالطموح الحقيقي هو منافسة يقوم بها الشخص مع نفسه ومع من حوله؛ كي يصل في النهاية إلى ما يريد، وذلك على عكس طول الأمل أو الجموح والذي قد يصل بالفرد إلى رغبة في التسلق على الآخرين، دون النظر إلى أي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية، فيصبح همه الأول والأخير الوصول إلى ما يصبو إليه بأي وسيلة كانت، كما أنه غالبًا لا يبنى على أساس صحيح أو دراسة جيدة للإمكانيات والقدرات ليستند إليها، بل ويعاني من غياب كامل للخطة، وتشويش في الوسائل المستخدمة على عكس الطموح الذي يلجأ صاحبه إلى خطة محددة تعينه على الوصول إلى ما يريد من غايات مشروعة.
شبابنا.. بين الطموح وطول الأمل
- التفاصيل