ريهام عوض
إن الضمير هو ذاك الوجدان الذي يدفع الشخص لبناء ذاته، مع السعي في كل موقفٍ يمر به إلى تجنب أي خطأ قد يصدر منه، فهو القدرة على التمييز بين كلٍ من الخطأ والصواب، ويبين ما هو حق وما هو باطل، فيبدو وجوده في حياة الإنسان كالسد المنيع، ضد السقوط في المسارات المنحرفة، والوقوع في مسالك الجريمة، فهو المرآة التي تعكس للإنسان جميع أعماله بصغائرها وكبائرها، ليضعها في المعيار، ويشرع في تقييمها، ثم يستسيغها أو يرفضها، فهو الوسيلة الأكثر فعالية في التحكم في الذات والسيطرة عليها، فإذا مات الضمير أصبح كل شيء مباحًا.
لذلك دعا الإسلام الإنسان أن يكون رقيبًا على نفسه، بحيث يحفظ حدود الله في السر والعلن، وهو ما يترجمه قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك"؛ ليصبح الضمير أو تربية الرقابة الذاتية بداخل النفس أعلى درجات الإيمان والتوحيد، لذلك حرصت السنة النبوية على تنمية الشعور العالي بالضمير وغرسها في نفوس المسلمين منذ نعومة أظافرهم، كما في قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه، في حديثٍ آخر: "إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ.. احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ".
إلى ذلك، يؤكد مدير عام الدعوة في مجمع البحوث الإسلامية الشيخ عبدالعزيز النجار أن الضمير يعني ذلك الوازع الذي يحث الإنسان دائمًا على اتخاذ المسلك الصحيح، وتجنب الانجراف نحو كل ما هو باطل، وهي الرقابة الذاتية التي تضبط حركاته وسكناته، وتجعل يقظته ونومه لله عز وجل، متيقنًا أن الله أقرب إليه من حبل الوريد، ويعلم السر والعلانية، ومطلع على ما تخفيه الصدور ، وأن الله عز وجل سيرعاه، طالما حرص على اتقائه.
قوام الأمة
وعن أهمية وجوده في حياة المسلم، يؤكد د.النجار أن في وجوده صلاح للأحوال، وقوام للأمة الإسلامية، وموت الوازع الديني أو الرقابة الذاتية، يعني فساد الدين والأخلاق، والشروع في مخالفة منهج الله، فتصبح الدنيا غابة دون حاكم أو ضابط، إلا أننا للأسف حاليًا أصبحنا نعاني أزمة ضمير في جميع نواحي الحياة، فمع وجود المتغيرات التي طرأت على المجتمع، أصبح التمسك بتعاليم الدين الإسلامي ومنهجه، يعني التأخر والتخلف؛ لتحل الشيوعية والعلمانية مكانة كبيرة نحو الحضارة والتطور، والتي يدعي أصحابها فهمهم الصحيح لمفاهيم الدين الإسلامي وتطبيقه، وهو ما جعل الإنسان المعاصر يتخلى عن ما يؤمن به، وثوابت دينه باسم التحضر والتمدن، والحقيقة أنهم لا يعلمون أن الحضارة الحقيقة هي التمسك بمنهج الله وقدوة رسوله، ليمثل الكذب حاليًا على سبيل المثال أحد الطرق الأساسية لتحقيق المصالح والنجاحات باسم مبررات واهية وغير شرعية، فالمؤمن الحق لا يكذب حتى وإن كان الصدق سيجلب عليه متاعب عديدة، فكما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا".
وفي صحيح مسلم: "آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان".
ويضيف "النجار" أن للأسرة دور أساسي في تربية الضمير، وغرس مفهوم الرقابة الذاتية بداخل نفوس أطفالنا، فطالما تعلم الإنسان منذ نعومة أظافره أن الله مطلع على جميع أعماله، مراقبًا له في كل أحواله، سينشأ في قلبه الوازع الديني والصوت الخفي؛ ليمثل كالمنبه له قبل أن يشرع في أي عمل أو فعل، فكما يقول رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، ليقول: "أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك".
المحتوى الإيماني
أما رئيس لجنة الفتوى في الأزهر الشيخ محمد زكي فيؤكد أن الضمير يعنى المحتوى الإيماني الذي يسكن وجدان الإنسان أينما كان، تنعكس أثاره سلوكًا وخلقًا على الإنسان، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المؤمن كالغيث أينما حل نفع"، وفي حديث آخر: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" (رواه الترمذي)، هذا المحتوى الإيماني يحمل ترجمة صادقه لما يحمل من قيمة ومن فضيلة تتمثل في صدقه في إخلاصه، في أمانته في عفته، في زهده وورعه، فلا يحدث منه إلا كل خير، ولا يكون منه إلا كل صلاح وفلاح، وهذه هي معطيات الإسلام، بعيدًا عن الزور والضلال والبهتان والإفساد في الأرض أيًا كان الإفساد، بدايةً من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وانتهاءً بقطع الطريق، أما الذين يطمسون منهج الله ويشوهون حقائق هذا الدين الحنيف بإفسادهم وضلالهم وتعطيلهم للأعمال والاعتداء على الآخرين بالباطل، فهذا إفساد في الأرض، والله لا يحب الفساد، وكل ذلك يندرج تحت انعدام الضمير؛ لأن الضمير معناه أن يحيا الإنسان بمعطيات دينه، فتحيا الدنيا به فلاحًا وإصلاحًا، خيرا وعطاءً، أما هؤلاء فحسبة جهنم ولبأس المهاد.
ويضيف "زكي": "نحن مطالبون في هذا التوقيت العصيب كأمة إسلامية، أن نصدر معاني الدين خلقًا وسموًا وصلاحًا وفلاحًا إلى كل خلق الله أجمعين، وألا نكون كمن زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم على السبيل وهو يحسبون أنهم يحسنون صنعًا؛ فعلينا جميعًا أن تتضافر جهودنا ونعمل للصالح العام، محققين الصلاح في جميع نواحي الحياة، بعيدًا عن العصبية البغيضة والطائفية الممقوتة، حيث قال الله تعالى: "مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ"، فعلينا أن نكون ذو وعي وإخلاص وصدق، وأن نعمل على توحيد الصف وجمع الشمل، واتقاء الله في جميع أعمالنا وأفعالنا.
"أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ".. هكذا تربي ضميرك
- التفاصيل