محمد السيد عبد الرازق
إن أي شاب يريد أن يلتحق بركب المبادرين؛ لابد وأن يمر على محطات المبادرة الثلاث، وهي:
1. تفجير الطاقات.
2. دوائر الفاعلية.
3. الالتزام والوفاء بالالتزام.
ويتوقف بنا هذا المقال عند المحطة الأولى والهامة من محطات المبادرة (تفجير الطاقات)، فاستعد وابدأ خطواتك الأولى نحو تفجير طاقاتك الكامنة.
فجر طاقتك الكامنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الغنى عن كثرة العَرَضِ، ولكن الغنى غنى النفس) [متفق عليه].
إن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث يبين للبشرية مصدر الغنى الحقيقي، ويرشدهم إلى أول خطوات الطريق إلى المبادرة، وهو التركيز على مهارات الذات والتعرف على إمكانيات المولى عز وجل التي غرسها فينا وفطرنا عليها.
يقول ابن بطال في شرح هذا الحديث: (أي ليس حقيقة الغنى عن كثرة متاع الدنيا؛ لأن كثيرًا ممن وسَّع الله عليه فى المال، يكون فقير النفس لا يقنع بما أعطى ... فكأنه فقير من المال؛ لشدة شرهه وحرصه على الجمع، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس) [شرح صحيح البخاري، ابن بطال، (19/219)].
شهادة من رب العالمين:
قال الله عز وجل: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة: ٣٠]، فأي شهادة بعد شهادة الله عز وجل من فوق سبع سماوات تبين تكريم الإنسان وتفضيله؟
ولم يتوقف التكريم عند هذا الحد، بل أمر الله ملائكته بالسجود لذلك المخلوق، بالسجود لجدنا آدم ولمن يخلفه من بني البشر، يقول تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا} [البقرة: ٣٤]، وحينما تخلف الشيطان عن السجود وإعلان التكريم والتعظيم، كان اللعن والطرد من الجنة عاقبته، فقال عز وجل: {قال فاخرج منها فإنك رجيم . وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين} [الحجر: 34 – 35].
وفي أنفسكم أفلا تبصرون:
وتأمل في نفسك تدرك مدى التكريم الرباني لك أيها الإنسان، فإن (لديك 600 عضلة، تشكل 40% من وزنك، ولديك 206 عظمة، تشكل 18 % من وزنك، أما المفاصل فتحوي أفضل سائل ملين بلا منازع على سطح الأرض، ثم أنظر إلى يديك، واعلم أن بإمكانها أن تتحرك 58 حركة، وبها 25 مفصل، واعلم أن العلماء لم ولن يستطيعوا اختراع روبوت أو إنسان آلي يعمل عمل اليد أبدًا.
بقي أن تعلم أن 90% من المعلومات من حولنا يتم استقباله عن طريق العينين، وأن هذه الرموش ترمش بمعدل مرة إلى مرتين كل ثانية، بالإضافة إلى العدسة تغير تركيزها ألف مرة عند تغيير شدة الضوء) [مقتبسة من مقالات حقائق علمية، موقع الدكتور زغلول النجار www.elnaggarzr.com، بتصرف يسير].
إن هذه الحقائق ليست إشباعًا للمعرفة وإثراء للثقافة ولا هدفها إثارة التعجب من بديع صنع الله وفقط، وإنما نعرضها لتقف عند ما منحك الله إياه لتقف على عظم القدرات التي منحك الله إياها وزودك بها، لتكتشف هدية الله لك، التي إن اكتشفتها كانت قوة دفع عظيمة على طريق النجاح والتميز.
شعلة المبادرة:
(في يوم من الأيام ذهب شاب إلى حكيم صيني ليتعلم منه سر النجاح، فلما قابل الحكيم بادره بالسؤال، وقال: هل تستطيع أن تذكر لي ما هو سر النجاح؟ فرد عليه الحكيم الصيني بهدوء قائلًا: سر النجاح هو الدوافع، فسأله الشاب: ومن أين تأتي هذه الدوافع؟ فرد عليه الحكيم الصيني: من رغباتك المشتعلة.
فارتسمت على قسمات وجه الشاب علامة استفهام كبيرة، وازداد تعجبه واستغرابه، ولكنه قطع سلسلة التعجب تلك، وبادر الحكيم بسؤال آخر: وكيف تكون عندنا رغبات مشتعلة؟
وهنا استأذنه الحكيم لعدة دقائق، ثم عاد إليه ومعه وعاءٌ كبيٌر مملوءٌ بالماء، ثم سأل الشاب: هل أنت متأكد أنك تريد معرفة مصدر الرغبات المشتعلة؟ فأجابه الشاب بلهفة: طبعًا، فطلب منه الحكيم أن يقترب من وعاء الماء وينظر فيه، وفجأة ضغط الحكيم بكلتا يديه على رأس الشاب، ووضعها داخل وعاء الماء!
مرت ثوانٍ ولم يتحرك الشاب، ثم بدأ يشعر بالاختناق شيئًا فشيئًا، وبدأ مقاومته تزداد، حتى نجح في تخليص نفسه، ولما أخرج رأسه من الماء، نظر إلى الحكيم، وشرارة الغضب تنبعث من عينيه، وقال: ماذا هذا الذي فعلته؟
فرد عليه الحكيم بهدوءٍ شديد: ماذا تعلمت من التجربة؟ فقال الشاب: لم أتعلم شيئًا، فبادره الحكيم قائلًا: لا يا بني، لقد تعلمت الكثير، ففي خلال الثواني الأولى أردت تخليص نفسك من الماء، ولكن دوافعك لم تكن كافية، ولم بدأت رغبتك في الاشتعال، بدأت في تخليص نفسك، ثم أضاف الحكيم الصيني وقال: عندما تكون لديك الرغبة المشتعلة للنجاح، فلن يستطيع أحد إيقافك) [المفاتيح العشرة للنجاح، د.إبراهيم الفقي، ص(28-29)، بتصرف].
إننا جميعًا بحاجة لهذه الشعلة، لكي تفجر الطاقات بداخلنا فتحررنا من أسر عاداتنا السلبية وتكسبنا عادات إيجابية جديدة، تمامًا مثلما تتفجر الطاقة داخل جسم الصاروخ فتحرره من أسر الجاذبية الأرضية، وينطلق محلقًا بحرية تامة في الفضاء الواسع.
الوقود الأول:
(وكأي شعلة في الحياة تحتاج إلى وقود؛ لكي يضمن للشعلة استمرارها، فهكذا شعلة الرغبة والحماسة، تحتاج إلى وقود، وها هو الوقود الأول الذي يزكي جذوة الحماسة في نفوسنا، ألا وهو وقود القناعة بأهمية تحقيق هذا الهدف، قناعة تشعرك بأنك لا تستطيع الحياة بدون تحقيق هذا الهدف، بل وتجعل من ذلك الهدف محور حياتك، وبالتالي؛ فلا بديل عن إنجازه، مهما كانت العوائق والعقبات، ووقتها لن تعبأ بالجهد والمشقة في سبيل تحقيق الهدف.
ولكي توجد هذه القناعة الراسخة بالهدف، لابد أن يكون لديك أسبابٌ واضحةٌ وقويةٌ تدفعك دفعًا إلى العمل والإنجاز، والتغلب على أي عقبة في الطريق، ولذا؛ فأول وقود للرغبة المشتعلة هو تحديد الأسباب الدافعة لإنجاز هذا الهدف، ولذلك؛ أحضر كراسة خاصة لك، ودَوِّن ما تستطيعه من أسباب تدفعك لإنجاز هذا الهدف، اكتب خمسة أسبابٍ على الأقل، وإذا حدث وشعرت بفتورٍ في همتك؛ راجع هذه الأسباب مرة أخرى، وستجد همتك قد ارتفعت من جديد.
الوقود الثاني:
وبعد أن حفرت في قلبك وعقلك تلك القناعة الراسخة بأهمية أهدافك، ها هو الوقود الثاني الذي يشعل رغبتك، ويذكي همتك، إنه ربط ما تريد عمله بالسعادة، وما تريد تركه بالألم.
ولذلك؛ إن أردت أن تُشعِل من رغبتك تجاه شيء ما؛ قم بكتابة الفوائد والمتع التي ستجنيها من جراء تحقيق هذا الهدف، وكتابة الخسائر والآلام التي ستنالها جراء عدم تحقيقه، اكتب خمس فوائد وخمس خسائر على الأقل، وإذا شعرت بفتورٍ في همتك راجع تلك الفوائد والخسائر مرة أخرى؛ وستجد حماسك قد تجددت) [قوة المبادرة، د. محمد العطار].
برنامج عملي:
1. قم بكتابة الأسباب الدافعة وراء اكتساب صفة المبادرة، اكتب خمسة على الأقل.
2. قم بكتابة فوائد اكتساب هذه الصفة وخسائر عدم وإنجازه، اكتب خمسة على الأقل.
محطات المبادرة
- التفاصيل