محمد عبدالعزيز
"صحيح أننا لن نتمكن يومًا من تجنب الضغط النفسي بشكل كامل، ولا يجدر بنا أن نحاول ذلك أصلا، إلا أننا نستعيض عن ذلك بتعلّم وسائل تساعدنا على معالجته بطريقة فعالة، بحيث لا نستسلم له فنغرق في بحر المشاكل والهموم، التي تترك بدورها عظيم الأثر على صحتنا العقلية والجسدية"..
في هذا السياق، تدور فصول كتاب "الضغط النفسي" تأليف الطبيب البريطاني غريغ ويلكنسون، وهو أستاذ في الطب النفسي الارتباطي بجامعة ليفربول البريطانية، ترجمة وتحقيق زينب منعم، والصادر ضمن سلسلة "كتب طبيب العائلة" لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، في 138 صفحة من القطع دون المتوسط، والذي يشير فيه المؤلف إلى تنوع العوامل التي تسبب الضغط النفسي لدى الإنسان، وأيضًا تنوع الوسائل التي يتبعها كل فرد لمعالجة هذا الضغط، ونتيجة لذلك لن يجد الجميع في هذا الكتاب أجوبة شافية وحلولا كفيلة لحل مشاكلهم كافة، إنما يحاول المساعدة على التفكير في الضغط النفسي غير المرغوب فيه والذي يعكر صفو حياة كل منا، وبناء على تحديده، يؤهل القارئ إلى معرفة كيف يسيطر عليه بمفرده أو بمساعدة الآخرين.
مشددًا على أن تقييم المواقف التي تمر بحياتنا من وقتٍ إلى آخر سيأتي بنتائج فعالة، إنه لأمر ممتع أن نتعلم تحديد أولوياتنا وأن نعتاد على التخلص من مصادر الضغط النفسي، وذلك من خلال تقييم أنفسنا بانتظام.
مسببات الضغط النفسي
وعن مسببات الضغط النفسي، يشير المؤلف إلى أنه قد يكون ناجمًا عن أي شيء يشعرك بالتوتر والغضب والاستياء والحزن، فقد تشعر بالضغط النفسي مثلا عند التفكير باختبار قيادة السيارة الذي ستجريه خلال الأسبوع المقبل، أو بزيارة تنتظرها من بعض الأقارب المزعجين، والغريب أن ما يسبب لك الضغط النفسي قد يثير الحماسة لدى أناس آخرين، فسائقو سيارات السباق ومتسلقو الجبال يستمتعون بخوض تحديات جسدية، في حين تثير عاصفة هوجاء الحماسة في نفوس البعض فينطلقون نحو الشاطئ وينضمون إلى طاقم بحارة على متن سفينة في عرض البحر، أيضًا قد تصادف أشخاصًا اختاروا بملء إرادتهم العمل على المباني الشاهقة التي يخشاها آخرون.
وعن كيفية تأثير الضغط النفسي على الجسم، يشير إلى أنه يحدث تغيرات كثيرة في الهرمونات التي تسيطر على المحور الوطائي النخامي الكظري، وتتجسد في صورة قلق، ارتفاع معدل ضربات القلب وضغط الدم، ارتفاع السكر بالدم، التعرق، الاحمرار، فقدان الشهية، اضطرابات النوم، وتراجع النشاط الجنسي.
كما أن الضغط النفسي المتكرر والمستمر والشديد يضعف ويدمر الإنسان، الذي يصعب عليه أن يواجه العوامل التي تسبب هذا الضغط أو يعالجها.
وتتوقف الطريقة التي يتبعها الإنسان لمواجهة الضغط النفسي على مميزات شخصيته ونقاط عجزه ومرضه، والتي عادة ما تملي عليه ردة فعله إزاء المصاعب التي يصادفها.
ويشير إلى تنوع الأسباب التي تدفعك لتكون متفائلا، ومتأكدًا من أنك ستتمكن من التغلب على الضغط النفسي الذي يؤثر على حياتك.
ويتوقف تأثير الضغط النفسي على التوازن الذي نقيمه ما بين طبيعة الظروف وقدرتنا على مواجهة أسباب الضغط النفسي.. وقد تنتج أعراض هذا الضغط أحيانًا عن عجز الفرد عن مواجهتها.
كما يلفت إلى أن مصادر الضغط النفسي تكمن أساسًا في الأحداث التي تطرأ على حياتنا، وفي استجاباتنا الجسدية والإدراكية والعاطفية لهذه الأحداث.. ويلفت إلى أن معدلات الضغط النفسي تتنوع بين عالٍ جدًا كتلك التي تنتج عن حدث عاصف كوفاة الزوج أو الزوجة، أو عالٍ كتلك التي تنتج عن خلافات زوجية، أو معتدل كحدوث مشاكل في العمل، أو معدل منخفض كتلك التي تنتج عن تغير ساعات العمل وظروفه.
معالجة المشكلة
ويلفت المؤلف إلى أن أصعب ما في الضغط النفسي هو الاعتراف به، أما ما يلي هذا الاعتراف فيعتبر سهلا نسبيًا، فاعمد في بادئ الأمر إلى إعداد لائحة تعدد فيها علامات الضغط النفسي، وتشير فيها إلى أي مدى حدة كل منها ومدتها الزمنية، بعد ذلك حضِّر لائحة أخرى تذكر فيها الأسباب المحتملة لهذا الضغط النفسي وصنِّفها ضمن عدة فئات، ولا تنس أن بعض الأمور الصغيرة المزعجة قد تكون مصدر ضيق أكثر من المشكلات الكبيرة.
وبعد أن دونت الأسباب المحتملة كافة والتي تعتقد أنها تسبب لك الضغط النفسي، صنِّفها ضمن الفئات التالية: الأسباب التي يمكن أن تجد لها حلا عمليًا، الأسباب التي تختفي مع مرور الوقت، والأسباب التي يمكنك تغييرها، واعلم أنه من الأفضل أن تتجاهل الأسباب التي تندرج تحت الفئتين الثانية والثالثة، فقد حان الوقت لتتوقف عن التفكير في تلك الأسباب التي يصعب تغييرها، وتتجلى الخطوة التالية في رصد ردود فعلك عند الشعور بالضغط النفسي من خلال تدوين التغييرات التي تطال علامات الضغط ومدى حدتها ومدتها الزمنية.
ويمكنك أن تساعد نفسك عن طريق الخطوات التالية:
1- ضع جدولا يوميًا بأعمالك وأعط لكل نشاط علامة من عشرة وفقًا للتسلية التي تشعر بها عند القيام بهذا النشاط، وعلامة من عشرة وفقًا لجودة ما نفذته من أنشطة، واحرص على مراقبة تقدمك كل عدة أيام.
2- ضع لائحة بالأمور التي يتعين عليك القيام بها.
3- ضع جدولا بالأعمال التي يتعين عليك القيام بها وفقًا لما يلي:
- الأعمال التي تقوم بها.
- الأعمال التي تسليك.
- الأعمال التي تقوم بها على الوجه الأكمل.
4- ركز على الأهداف التي يمكن إنجازها في وقت واحد أو باتباع خطوات بسيطة.
5- أعدْ النظر في أساليب التفكير غير المساعدة "لا يمكنني مواجهة هذا الأمر"، "علي أن أتخلص من هذا الأمر".. فكِّر في مدى صحة هذه الأفكار، وفتِّشْ عن طرق أخرى للتفكير في مشاكلك ومعالجتها.
6- دوِّن المشاكل التي تواجهك، وخيارات التغيير المحتملة ثم جرِّبها بدءًا من تلك التي يسهل تنفيذها.
الأساليب الدفاعية لمواجهة الضغط النفسي
ويطالب المؤلف كل إنسان بأن يحصِّن نفسه دائمًا ضد الشعور بالضغط النفسي، من خلال فهم العوامل التي تسببه، لافتًا إلى عددٍ من الأساليب الدفاعية، بداية من الأساليب الجسدية الكفيلة بمواجهة هذا الضغط، ومن بينها النوم بشكل كاف، فالنوم الصحي يساعد على الاسترخاء بشكل أفضل، أيضًا الاهتمام والاعتدال في الغذاء والتغذية، فحاول دائمًا أن تحافظ على وزن مثالي يتناسب مع قامتك.. وللحفاظ على جسم رشيق ومثالي لا بد من الاهتمام بالتمارين الرياضية بشكل يومي، وأبسطها المشي لمدة 20 دقيقة يوميًا في الهواء الطلق.
وهناك أيضًا الأساليب الدفاعية العقلية، حيث يساعدك تحسين الصحة واللياقة بشكل عام على حماية نفسك من الضغط النفسي.
أيضًا هناك الأساليب الدفاعية الاجتماعية من خلال شريك الحياة، أو الصديق، أو زملاء العمل.. فضلا عن ذلك هناك المراقبة الذاتية، والاسترخاء الذي يعد تقنية ممتازة يمكنك الاستفادة منها عند الشعور بالضغط النفسي، إذ يساعدك على تقليص القلق والتغيرات النفسية، فعلى سبيل المثال يمكنك القيام بتمارين ترخي الأعصاب المشدودة وتقلل من ضغط الدم وتساعدك أيضًا على النوم عندما تريد ذلك.
نقاط أساسية في التخلص من الضغط النفسي
- يقدم أفراد العائلة والأصدقاء دعمًا قيمًا لمواجهة الضغط النفسي.
- كلما أسرعت في معالجة قلقك حيال الضغط النفسي كلما كانت النتائج أفضل.
- يمكنك الاستفادة من ثلاثة أنواع من المساعدة المحترفة: الطبية، النفسية، الاجتماعية.
- امنح كل نوع من أنواع العلاج الوقت الكافي قبل أن تجِّرب نوعًا آخر.
- تؤمِّن مجموعات المساعدة الذاتية ووسائل الإعلام المعلومات الغنية والنصائح القيمة والمساعدة العلمية.
- لا يعتبر التدخين واحتساء المشروبات الكحولية والإدمان على المواد الممنوعة علاجًا نافعًا للضغط النفسي، بل على العكس من ذلك تزيد هذه العوامل من الضغط وتجعل معالجته أمرًا صعبًا.
لن يؤثر الضغط النفسي سلبًا على حياتك وصحتك إلا إذا سيطر عليك بشدة، لذا حاول أن تتحكم بهذا الضغط فلا يتخطى مستوى معينًا، وذلك من خلال اتباع النصائح الأساسية التالية:
- حدد أولوياتك في الحياة وصنِّف الأمور المهمة حقيقة بالنسبة إليك.
- فكِّر مليًا وحاول أن تتوقع حلا تواجه فيه المصاعب التي تعيق حياتك.
- شارك أفراد عائلتك وأصدقائك مخاوفك كلما أمكن ذلك.
- حاول أن تبني علاقات صداقة مع محيطك
- مارسْ التمارين الرياضية بانتظام.
- اعتمد أسلوب حياة منظَّم.
- كافئ نفسك كلما بدرت منك أعمال أو مواقف أو أفكار إيجابية.
- حاول أن تعرف نفسك بشكل أفضل وحسِّن من دفاعاتك، وقوِّ نقاط الضعف لديك.
- فكِّر بشكل واقعي في المشاكل التي تواجهك وقرِّر مواجهتها.
- وازن الأمور ولا تقسُ على نفسك.
- الجأ إلى المساعدة الطبية في حال شعرت بضعف جسدي.
- اعلم أنك ستجد دائمًا أشخاصًا جاهزين لتقديم ما يلزمك من المساعدة.
- غيِّر أسلوب حياتك بشكل بسيط ومنتظم.
- خصِّص وقتًا كافيًا لتناول الطعام وممارسة الرياضة.
- خصِّص وقتًا لنفسك كل يوم وكل أسبوع.
- أنصت جيدًا إلى المحيطين بك.
- استمتع بذاتك وعائلتك وأصدقائك.
الضغط النفسي.. هكذا تتخلص منه!
- التفاصيل