ريهام عاطف
"مصالحة الذات" تعتبر أولى قواعد استحضار الاطمئنان النفسي، فمن خلالها تتحقق الراحة ويتصالح المرء مع جوانب ضعفه؛ ليستطيع الاستمرار وتحقيق أهدافه التي يسعى إليها دون كلل أو ملل..
فمصالحة الذات تعني قبول النفس بكل ما بها وما عليها، ليتحقق من خلالها الانسجام والتوافق والتناغم النفسي، لكن للأسف هناك كثير من الشباب يفتقدون هذا السلام النفسي، ويعيشون صراعات داخلية عديدة، قد تدفع بهم إلى كره أنفسهم، ومقت شخصياتهم والثورة عليها، وهو ما يصل بهم في كثير من الأحيان إلى عدم التوازن النفسي وعدم القدرة على التعايش مع الآخرين.


تقول هناء محمد "21 عامًا": مشكلتي أنني أصبحت أكره شخصيتي وتصرفاتي، فأنا شديدة الحساسية تجاه كل من حولي وتجاه كل كلمة تقال لي أو موقف أتعرض له، حتى مع أقرب الأشخاص لي، ولا أتحمل نقدهم أو توجيههم لي حتى من أمي، بل أصبحت شديدة النقمة على شخصيتي، متمنية أن أحصل على شخصية مثل شخصيات أصدقائي، فدائمًا أرى أن شخصياتهم أقوى من شخصيتي، وقادرون على مواجهة الحياة وتحمل صعابها، وهو ما كان سببًا في فقداني ثقتي بنفسي، وتحطمت نفسيتي وأصبحت أهرب من مواجهة أي شخص أو مجرد الحديث معه.

أما محمد علي 25 عامًا فيقول: توفيت والدتي منذ خمسة أعوام، ومنذ ذلك الحين أصبحت أكره نفسي كرهًا شديدًا، وأشعر كأنني السبب في وفاتها، على الرغم من أنها توفيت بعد معاناة طويلة مع المرض، لكن شعوري بعجزي تجاهها وعدم قدرتي على تقديم شيء لها يخفف عنها الألم، جعلني أمقت نفسي يومًا بعد يوم، بل زادت رغبتي يومًا بعد يوم في الانعزال عن كل من حولي، وابتعدت عن أسرتي، وتدريجيًا أصبحت أقصر في واجباتي الدينية، بل وصل بي الأمر إلى تفكيري في الانتحار.

سر السعادة
إلى ذلك، يرى خبير التنمية البشرية محمد شلاطة، أن النفس هي سر سعادة المرء أو شقائه، لهذا يصبح للمواقف والأزمات التي نمر بها في حياتنا انعكاسًا أساسيًا على نفسيتنا، وتكوين تركيباتنا النفسية، فكل منا يولد كالطبق الفارغ، وعند المرور بأي موقف يمتلأ هذا الطبق بخبرة إيجابية أو سلبية، ومع مرور الوقت يمتلئ هذا الطبق بالعديد من الخبرات السيئة والجيدة، لتشكل في النهاية ذكريات معينة في عقلنا، تظل عالقة في أذهاننا ليسهم البعض منها في تغيير حياتنا وسلوكياتنا للأبد.

ويضيف: علينا أن نكون أكثر تسامحًا مع أنفسنا وتقبلًا لها، وأن يحاول كل منا التعرف على أخطاء نفسه، ومحاولة العمل على إصلاحها، بدلًا من معاقبتها والإفراط في تأنيب الضمير، ما يولد كرهًا حتميًا لهذه النفس، فعند مرورك بموقف سلبي، عليك قبل أن تحمل نفسك فوق طاقتها أن تكتب في ورقة سائلًا نفسك من المتسبب في هذا الموقف.. أنت أم غيرك؟ فإذا وجدت الإجابة "شخص غيرك".. فلماذا إذًا أنت حزين كل هذا الحزن؟، ولماذا تشعر بكل هذا الكره تجاه نفسك، طالما أنك لست السبب؟ أما إذا كانت الإجابة أنك السبب في حدوث هذا الموقف.. فلتتوقف تمامًا عن تأنيب نفسك، ولتعلم أنه لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب، وانظر إلى الأمر بإيجابية، أن هذا الموقف كان سببًا في إكسابك الكثير من الخبرات الجيدة التي ستفيدك في تجنب مماثلة في المستقبل.

طاقة إيجابية
بدوره، يوضح استشاري الصحة النفسية وتطوير الذات د.فتحي سعيد أن تصالحك مع ذاتك وشعورك بالتوازن النفسي، يعكس في الأساس حجم الطاقة الإيجابية بداخلك، فمدى تفكيرك الإيجابي نحو نفسك ونحو غيرك هو الذي يحدد ما بداخلك، فالشخص ذو النظرة الإيجابية نحو نفسه وحياته والمليئة بالتفاؤل والخير والحب والتسامح، تجده دائمًا متصالحًا مع نفسه، ويشعر باستقرار واطمئنان نفسي، مقارنة بالآخر الذي تسيطر عليه مقومات التفكير السلبي كالتشاؤم والكره والحقد والشكوك وسوء التعامل والنظرة اليائسة للحياة، وهو ما يزيد من شعوره بالألم وعدم الاستقرار، بل قد يصل به الأمر إلى كره نفسه.

 

JoomShaper