القاهرة - ريهام عاطف
الخجل أحد الصفات المحمودة، وهو شعور فطري من شأنه أن يضع حدودًا للمرء تكبح من جماحه، إلا أنه أحيانًا ما يتحول إلى شعور مبالغ فيه، فيصبح حالة مرضية تستدعي إعادة التأهيل والعلاج النفسي، وهو ما أكد عليه العديد من الأطباء وخبراء وعلماء النفس، والذي يتأثر درجته طبقًا لعددٍ من العوامل المختلفة، منها التربية وثقافة المجتمع والخبرات والمواقف التي مر بها الفرد طوال حياته، والتي أسهمت في تشكيل شخصيته، إضافة إلى العوامل الوراثية وطبيعة الشخصية الموروثة، وهناك العديد من الشباب والفتيات الذين يعانون هذا الخجل المرضي، والذي يتسبب في ضياع الكثير من الفرص عليهم، فتجدهم يخفقون في التواصل مع الآخرين؛ مما يفقدهم ثقتهم في أنفسهم.
روناء محمد (25 عامًا) تقول: أعاني من الخجل الزائد منذ نعومة أظافري، فعلى الرغم من تجاوزي العشرين من عمري، إلا أنني مازالت أشعر بالخجل الشديد إزاء أي شخص، فدائمًا أخفق في فتح أي موضوع أو الدخول في أية مناقشة مع أي شخص، وعند تواجدي في أية جلسة مفتوحة، يلازمني الصمت ، ولا أستطع أن أقول أية كلمة طوال المناقشة، أو حتى أبدي رأيي، فأصبح خجلي يُقيدني ويمنعني من مواجهة أي شخص حتى طبيبي المعالج.
أما علي أشرف (22 عامًا) فيقول: مشكلتي هي معاناتي من الخجل الشديد مع كل من حولي، وهو ما أثار سخرية وانتقاد الجميع، لأنني رجل ولا يصح أن أخجل بهذا الشكل، بل هناك من كان يتعمد إحراجي في كثير من الأوقات كي يسخر مني، الأمر الذي زاد من عزلتي وخوفي من مواجهة أي شخص.

تأهيل
إلى ذلك، يرى خبير التنمية البشرية مجدي ناصر أن الخجل من الصفات المحمودة، إلا أنه إذا زاد عن حده أصبح خجلًا مرضيًا، وفي كثير من الأحيان قد يحتاج إلى علاج وإعادة تأهيل نفسي، والخجل بشكل عام يكتسب في بعض الحالات نتيجة للتأثر ببعض العوامل الوراثية، كالطول ولون البشرة، أو هناك من يمر بمواقف صعبة ويفشل في مواجهتها أو التغلب عليها، فيزداد شعوره بالخجل والانعزال؛ لعدم المرور بنفس الخبرات السلبية من جديد.

وللتغلب على الخجل الزائد أو المرضي ينصح ناصر بأن تثق جيدا في نفسك وفي قدراتك، وتعلم أننا لسنا ملائكة، وأن كل فرد من الوارد أن يخطئ أو يصيب، والعبرة في النهاية بالتعلم من هذه الأخطاء ومحاولة تجنبها، فإذا أيقنت ذلك ستشعر باستقرار واطمئنان نفسي، سيدفعك للتعامل مع الآخرين بشكل أكثر إيجابية، وسيدفعك أيضًا للتفاعل معهم دون خوفٍ من لوم أو عتاب أو رغبة في الانسحاب من المواقف الصعبة.

من ناحية أخرى، عليك أن تفهم جيدًا شخصيتك، وهو ما سيمكنك على فهم طبيعة خجلك الشديد وقلقك، وما السبب الذي وصل بك إلى تلك الحالة؟، أيضًا عليك أن تدرس جيدًا المواقف والحالات التي مررت بها وكانت سببًا في زيادة إصابتك بالخجل والرغبة في الانعزال.

وإذا حدث أن مررت بموقف سيء وشعرت بخجل شديد تجاهه، حاول أن تتذكر موقف آخر مريح نفسيًا، أو شخص أنت تحبه؛ كي تشعر باطمئنان نفسي وتهدأ أعصابك، أخيرًا حاول أن تغيير من تفكيرك أو سلوكك، والذي يزيد من شعورك بالخجل ويصل بك إلى هذه المرحلة.



نصائح مفيدة

بدوره، يضع خبير التنمية البشرية عمرو السوري عدد من النصائح التي ستفيد أي شاب أو فتاة ممن يعانون الخجل الزائد، خاصة في أماكن التجمعات، ففي حال تواجدك وسط مجموعة لم يسبق لك من قبل التواجد معهم أو التعرف عليهم، حاول أن تحفظ أسماءهم جيدًا بعدما تتم عملية التعرف، ثم قم بمناداة كل شخص باسمه بصوت عالٍ مسموع عند توجيهك للحديث معه، فهذه الطريقة ستمكنك قليلًا من إزالة الخجل الزائد داخل نفسك، وفي حال تحدثهم في موضوع لم يسبق لك التحدث فيه أو إذا كنت لم تعلم شيئًا عنه، فعليك التزام الصمت قليلًا ثم البدء في الحديث أو طرح وجهة نظرك حينما تفهم الموضوع كاملا لتتجنب وضع نفسك في موقف إحراج، فالانصات الجيد للمتحدث خطوة مهمة في طريق التغلب على الشعور بالخجل والارتباك، خاصة إذا أضاف إليك المتحدث معلومة جديدة لم يسبق لك معرفتها، على أن تحتفظ طوال الجلسة أو الاجتماع بابتسامتك الهادئة لتعطي انطباعًا جيدًا لمن حولك بمدى ثقتك في نفسك وقدرتك على التحدث أمام الجميع والتغلب على الشعور بالخجل الشديد والانسياق وراء هذا الشعور.

الثقة بالنفس

أما أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس د.هبة العيسوي فترى أن التغلب على الشعور بالخجل الزائد يُلزم ضرورة الشعور بالثقة بالنفس، والشخصية المستقلة، مع عدم الاحتفاظ بالآراء بداخل النفس؛ خوفًا من ردة فعل الآخرين، فعليك ألا تخشى إعلان رأيك خوفًا من الآخرين، حتى وإن كنت تعتقد أنه يفتقد الأهمية أو كان معارضًا لمن حولك، ويمكنك بدء تطبيق ذلك على أسرتك أو أحد أقاربك؛ لتكتسب الشجاعة الكافية، ولا تحاول أن تتظاهر بالموافقة على آراء الآخرين لمجرد ألا يسخر منك أحد، أو يضعك في موقف محرج، فعليك أن تتعود على عدم الصمت بأي حال من الأحوال أثناء تواجدك في أي نقاش، ولا تحاول أن تجاري الآخرين في آرائهم، ففي كل الأحوال لن يرضوا عنك ولن يعجبهم أفكارك، لهذا من الأفضل أن تحدد وترسم لنفسك شخصية مستقلة عن الآخرين، وأن تحدد لنفسك أهدافًا محددة يومية، وهو ما سيدعم ثقتك بنفسك وفي حال إذا أخفقت في تحقيق أحد هذه الأهداف لا تجعل الشعور بالإحباط يسيطر عليك.

JoomShaper