لها أون لاين
كيف تتأثر الفتاة بطلاق أبويها؟ وكيف تتعايش مع مرحلة جديدة تكون الأم في بيت، والأب في بيت آخر. ومع أيهما تعيش؟.. وماذا لو عاد الزمان أو كان في الإمكان لم الشمل ماذا تصنع الفتاة؟ وهل تفضل لم الشمل أم تفضل حياتها الجديدة؟.
كل هذه الأسئلة طرحناها على مجموعة من الفتيات فماذا كانت إجابتهن؟
حنين دائم لأمي
في البداية تقول سارة. ص (طالبة بالمرحلة الثانوية)، أعيش مع أمي وأخوتي الثلاثة بعد طلاق أمي منذ طفولتي المبكرة، فقد انفصلت أمي عن أبي وأنا في الصف الأول الابتدائي، ومن يومها وأنا أعيش مع أمي، وأزور أبي بانتظام في بيته، وأشعر بأن هناك شيئا ما غير عادي، حين أرى أخوتي الصغار لأبي بين أمهم وأبيهم ولا يفارقني الحنين الدائم لأمي؛ رغم أني أعيش معها، ويكبر هذا الشعور حين أرى زوجة أبي تحتضن أطفالها (أخوتي) وكنت أتمنى هذا الوضع لي ولأمي.

وتضيف سارة: للأسف لا تحتفظ ذاكرتي بالكثير من الصور الطيبة التي جمعت أبي وأمي في بيتنا، ولا أعرف إن كان هذا في صالحي أم لا، لكنني أشعر أن هناك أمرا ما ينقصني، بالرغم من أمي لا تقصر معنا في شيء، فهي تعمل بوظيفة جيدة، وكذلك أبي، لكن هناك غصة دائمة؟

وحول سؤال افتراضي: هل يتمكن الوالدان من لم الشمل والعودة للعيش معا؟ تقول سارة: حتى لو حصل وهو افتراض بعيد.. لكن يوجد شيء ما قد انكسر، لكنني متفائلة بطبعي، وأمي عودتني على القوة، ولا أستسلم للمشاعر السلبية، خصوصا أنها لا تجدي!

تعلمت الدرس!
أما نرمين . ب (زوجة وأم لطفل) فتقول: الحياة لا تنتظر أحدا.. هذا ما تعلمته من طلاق أبي وأمي. والدليل أنني الحمد لله أحيا ولم تتأثر حياتي وقد تزوجت، ولدى عزيمة وإصرار على النجاح وتجنب ما حصل مع أبي وأمي، وقد بدأت المعركة مبكرا، بالتدقيق عند الخطوبة. والفضل يرجع لله سبحانه وتعالى، ثم لأبي الذي كان دوما بجانبي بعد انفصاله عن أمي، وكانت زوجته كأمي، أو هي بالفعل أمي الثانية.


وقالت نرمين: أسوأ ما يواجه الفتاة، هو نظرة المجتمع المحيط، وقد عشت مرحلة قاسية من المقارنات، سواء مني حين كنت أرى الفتيات بين أبوين طبيعيين، أو من المجتمع المحيط الذي كنت أرى الشفقة في عينيه، وكان أبي يلتقط هذا المشاعر ويجلس معي ويحدثني طويلا، عن أهمية التسليم لقضاء الله وأهمية التعايش مع الواقع بغض النظر عما حولنا، وكان يقول لي دائما: "الحياة لا تنتظر أحدا". ولو أننا استسلمنا للحزن أو لنظرة الناس لنا لفشلنا وما تقدمنا أبدا.

لذلك أسعى بكل ما لدى للحفاظ على بيتي وزوجي، وأولادي في المستقبل، فنحن لدينا طفل واحد حتى الآن.. لكنى سأحرص ألا يشرب أبنائي من كأس ذقت مرارتها وأوجعت قلبي في وقت ما.

شجعت أمي على الطلاق وندمت!!
وهذه أميرة. ز (طالبة جامعة) تقول: أنا التي شجعت أمي على الإصرار على الطلاق. وأشعر بالندم والحزن الشديد، لأنني ساهمت في هدم بيتنا بدلا من التفكير في إصلاحه.
وتضيف: بالطبع لم يكن تشجيعي هو العامل الأساس في الطلاق، فأمي الآن ترفض الرجوع لوالدي الذي طلقها من عام واحد فقط، وأنا أحاول التوفيق بينهما رحمة بي وبأخوتي، ومحاولة لإنقاذ البيت قبل أن ينتهي للأبد، لأنني خلال هذا العام شعرت بقيمة أبي برغم قسوته على أمي وعلينا جميعا، لكن وجود الأب لا يعوضه شيء.

وتقول أميرة: اكتشفت أن الأسرة وإن كانت فيها خلافات فهي أرحم من الضياع والتشتت، لأنني بالفعل أشعر بهذا وأشعر بأبي وأمي، ولا أعرف أين ستستقر الأمور، لكنني في كل الأحوال لم ينقطع رجائي ولا اعتبرهما انفصلا بالفعل، ولا أعرف كيف ستكون حياتي أو حالتي النفسية، إذا أصرت أمي وأصر أبي على عدم العودة؟!

الطلاق زلزال فاجتنبوه!
وحول الانعكاسات الاجتماعية والنفسية على الفتيات حال وقوع الطلاق بين الأبوين، يقول الدكتور سمير الزيتوني الباحث الاجتماعي بمعهد البحوث العربية: الطلاق زلزال صامت يفجر بنيان الأسرة، وبعدما يهدأ الزلزال ويستقر كل شيء في مكانه، يكتشف البعض أنه كان زلزالا نافعا، وتحويلة قسرية وضرورية لاستمرار الحياة، بينما يكتشف البعض أن القرار لم يكن صائبا، وتضررت منه كل الأطراف، وتجرعت الأسرة بسببه مرارة الانكسار، وهو ما يحدث غالبا!

ويضيف الدكتور الزيتوني: وهنا أذكر قولا مؤثرا للطبيب النفسي الأمريكي جون جراي صاحب كتاب "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة"،  حين سئل عن الطلاق في أحد حواراته: لا أعرف زوجين تطلقا ولم يصبهما الضرر!
وهو قول صائب، فالطلاق ضرره يقع على الأزواج، ويتعداهم إلى الأبناء أيضا، وتكون أضراره قاسية خصوصا على الفتيات، لاسيما أن الفتاة ألصق بأمها، غالبا ما يبدو تضرر المرأة أكبر من الرجل، حتى وإن كانت المرأة هي المخطئة، فقدرتها على البوح والشكوى أعلى من الرجل بكثير وهو ما يصورها في صورة الضحية أمام أبنائها، وبالتالي قد تأخذ الفتاة موقفا عدائيا من الرجل (الأب، الأخ، الزوج)، وهو ما يعني تهديد حياتها وحياة أسرتها في المستقبل.
وينصح الدكتور الزيتوني في حال وصول الزوجين إلى طريق مسدود، ولم يجدا أمامهما حلا غير الطلاق أن يأخذوا في الاعتبار ما خلفهم من أطفال، ستقوم عليهم بيوت في المستقبل، ولذا من الضروري الحفاظ على رمزية صورة الأم وصورة الأب، وعدم خدشها أو كسرها في نفسية الأطفال.

كما ينصح بعدم الانتقام من الطرف الآخر بسرد مساوئه أمام الأبناء، لأن ذلك من شأنه أن يقبح صورة الرجل ـ الزوج ـ في المستقبل في عين الفتاة، ويقبح صورة المرأة ـ الزوجة  في المستقبل في عين الولد.
ويدعو الزيتوني الأزواج إلى البعد عن الطلاق، واستفراغ الجهد الكامل في تجريب كافة الحلول، قبل الوصول إلى آخر العلاج (الكي) أو الطلاق، لأنه يكوى قلوب الصغار قبل قلوب الكبار!

JoomShaper