د. فهد بن إبراهيم الضالع
نلاحظ كثيراً في العيادات النفسية ومن خلال الاستشارات الهاتفية أن عدداً من الطلاب والطالبات-  حتى المتفوقين منهم ـ يعانون من الإخفاق أثناء الاختبارات الدراسية، ويشتكون من شدة القلق والتوتر أثناء الاختبارات، مما قد يكون عائقاً لبعضهم في تجاوز هذه الاختبارات وإليك أخي القارئ بعض هذه النماذج:
طالب جامعي يتصل وهو يبكي ويقول: يا دكتور الاختبار غداً وأنا من يومين تقريباً لم أستطع أن أحفظ معلومة واحدة! مع جلوسي للمذاكرة فترات طويلة! ولكني لا أستطيع الحفظ أو التركيز من شدة القلق الذي أشعر به.
طالب تخرج من المرحلة الثانوية بتفوق، ولكنه في السنة الدراسية الأولى في كلية الطب بدأ بالإخفاق في جميع اختبارات الفترة الأولى من الفصل الدراسي الأول, وما ذلك إلا من شدة القلق الذي كان يصيبه أثناء الاختبارات.
نموذج ثالث: طالبة جامعية هي الأولى على دفعتها بتقدير امتياز، لا يكاد يمر بها اختبار واحد إلا وتصاب بالصداع، وشبه الإغماء؛ مما يضطرها إلى زيارة العيادة النفسية أحيانا حتى تتلقى العلاج المناسب.
إن هذه الحوادث وأمثالها مما نسمعه ونراه في العيادات يجعلنا نلفت الانتباه إلى أهمية الحديث عن قلق الاختبارات؛ هذه المشكلة التي تؤرق عدداً كبيراً من الطلبة والطالبات.

ما أعراض قلق الاختبارات؟
إن للقلق عموماً أعراضاً مختلفة فمنها: أعراض نفسية، ومنها أعراض معرفية وأخرى جسدية، وهذه الأعراض يحصل جزء كبير منها مع من يصاب بقلق الاختبارات ومن ذلك ما يلي:
أعراض نفسية: كالتوتر وسرعة الانفعال، وسرعة الغصب، والشعور بعدم الاستقرار وعدم الراحة، وكثرة الخروج والدخول أحيانا مع اضطراب في النوم.
أعراض ذهنية معرفية: كضعف التركيز, وضعف القدرة على الاستيعاب, وسرعة النسيان، والنظرة السلبية للذات, والشعور باليأس, وعدم القدرة على الإنجاز, والشعور بالإحباط , والخوف من الفشل.
والقلق في حد ذاته أمر محفز للإنجاز، إلا أنه إذا اشتد مع الطالب وزاد عن حده الطبيعي يؤدي إلى صعوبة التركيز وبالتالي إلى الإخفاق في الأداء الدراسي .

ج- أعراض جسدية: إن القلق ـ عموماً ـ ومن أنواعه قلق الاختبارات، يصيب جميع أجزاء الجسم بأعراض متعددة، فمن ذلك الشعور بالصداع, الدوخة, الدوران, غشاوة في النظر, رعشة في اليدين, تعرق, شعور بالبرودة أو الحرارة في الأطراف, آلام جسدية مختلفة, شعور بالغثيان، آلام في البطن, إمساك أو إسهال, قشعريرة في الجسم, زيادة في دقات القلب, طنين في الأذن، إلى غيرها من الأعراض الجسدية العديدة التي تحصل في أوقات كثيرة بسبب القلق وأوقات الاختبارات تكون بسبب قلق الاختبارات.


لماذا يقلق الطالب؟
هناك أسباب كثيرة تؤدي إلى حصول قلق الاختبارات، وظهور القلق عند بعض الطلاب والطالبات، وهي مرتبطة بثلاثة عوامل رئيسية... فإما أن تكون الأسباب مرتبطة بالمنهج وطبيعته، أو بأستاذ المادة, أو أسباب تعود إلى الطالب نفسه، وهي كما يلي:

أولا: أسباب تتعلق بالمادة أو المنهج:
- صعوبة المنهج.
- طول المنهج.
- لغة المادة.
- تشابه المعلومات داخل المادة الواحدة.

ثانياً : أسباب تتعلق بأستاذ المادة, ومن ذلك:
- كثرة تخويف الأستاذ والمعلم لطلابه.
- ممارسة بعض المعلمين للغموض الشديد في الأسئلة.
- تركيز بعض المعلمين أثناء الاختبار على وضع الأسئلة من أجزاء يسيرة من المنهج، وإهمال بقية المنهج.

ثالثاً: أسباب تتعلق بالطالب وهي أكثرها وأهمها:
- ضعف الإعداد.
- الخبرات السلبية السابقة للطالب نفسه.
- الخبرات السلبية السابقة التي مر بها غيره من الطلاب؛ مما يجعله يعمم هذه الخبرات السلبية و يقيسها على نفسه.

4- تهويل الطلاب الآخرين لبعض المواد؛ مما يورث قناعات سلبية لدى الطالب نفسه، فهناك قناعات أن مادة معينة يستحيل أن ينجح فيها الطالب، إلا بعد عدة محاولات مثلاً، وأن الأصل فيها الرسوب، ثم الرسوب، ثم النجاح بعد ذلك.

5- الشخصية القلقة: فالطالب الذي لديه شخصية قلقة، تركز على التفاصيل، وعلى الدقة الشديدة في الإنجاز، وعلى الرغبة في الكمال، والتي تتصف أيضا بتضخيم الأمور أكثر من حجمها وإعطائها فوق قدرها، وغالباً ما يصاب هؤلاء الطلاب بقلق الاختبارات؛ لأنهم لا يتحملون الضغط الذي يمرون به، ولأنهم يركزون على التفصيلات الدقيقة مما يؤخرهم أثناء دراستهم.

6- ضعف ثقة الطالب بنفسه، والإيحاءات السلبية عن الذات، والنظرة الدونية لقدرات الطالب. علماً أن الله سبحانه وتعالى قد أعطى الإنسان قدرات هائلة كبيرة جداً جداً. ومن أمثلة ذلك: أن  بعض الدراسات  أظهرت أن الدماغ يتكون من قرابة ألف مليار خلية، وأن سرعة نقل البيانات بين أجزاء الدماغ تصل إلى مليون مليون مليون مرة، أسرع من أسرع كمبيوتر في العالم إلى غيرها من القدرات التي منحها الله لعقل الإنسان، وقد ذكر بعض الباحثين أن العباقرة يستخدمون من قدرات الدماغ ما لا يتجاوز 10% فقط فهذا يدل دلالة واضحة على أن الإنسان لديه قدرات عالية، لكن النظرة السلبية  للذات هي التي تعوق الاستفادة من هذه القدرات.

قواعد  في التغلب على قلق الاختبارات:
1-  الاستعانة بالله سبحانه وتعالى وكثرة الدعاء واللجوء إلى الله: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) ويقول عليه الصلاة والسلام: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)رواه الترمذي وغيره وصححه عدد من العلماء، وهذا الأمر فيه من  الراحة النفسية الشيء الكثير، فعندما يعلم  الإنسان أن هناك قوة عظيمة، وهي قوة الله سبحانه وتعالى يعتمد عليها ويلجأ إليها، ويطلب منها العون والمدد، فإن هذا يخفف القلق والخوف, ولكن ينبغي أن يكون الدعاء والتوكل على الله سبحانه وتعالى توكلاً صادقاً يقينياً، مليئاً بالإيمان بعظمة الله وقدرته، وأنه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون.

2- الإيمان بالقضاء والقدر: والإيمان بالقضاء والقدر يدعو إلى العمل، وإلى البذل وإلى الجد والاجتهاد، فعندما يبذل الطالب ويجتهد ويذاكر ويخاف من الرسوب أو من الفشل، عندها يتيقن أن ما سيحصله من نتائج قد كتبت في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، فهذا يجعله يرتاح, يجعل باله مرتاحاً ولا يهمل بذل الأسباب.

3- الإعداد الجيد: فمع الدعاء والإيمان بالقضاء والقدر لابد على الطالب أن يعد إعداداً جيداً مسبقاً؛ لأن بعض الطلاب يراكم المواد ويتركها حتى أيام الاختبارات، فإذا أراد أن يقرأ أو يذاكر، فإنه سيجد أن المعلومات كثيرة، والمنهج طويل؛ فيصعب عليه إدراك هذا المنهج  فيصاب بالقلق والتوتر والإحباط.

4- الثقة بالنفس: وذكر الإيحاءات الإيجابية للذات، واُذَكّر كل طالب بقانون جميل، وهو قانون التوقع الذي يقول : (إن ما نتوقع أن يحدث بقوة، يصبح سبباً للاتجاه نحو ما توقعناه) فإذا توقع الطالب أنه سيكون ناجحاً أو متفوقا، وتخيل هذا الأمر فإنه بإذن الله سيجره إلى النجاح وإلى التفوق.

5- تذَكُر الألم والأمل: لو أن كل طالب إذا ضعفت به الهمة، وضعفت به العزيمة، تذكر الأمل الذي يريد أن ينجزه، والذي يريد أن يحققه وتخيل حصول هذا الأمل وهذا النجاح، وهذا التفوق والحصول على الدرجات العليا، وتذكر هدفه الأخير والأمنيات التي يريد أن يحققها لاشك أن ذلك سيهون عليه القلق والصعوبات وسيدفعه للنجاح بإذن الله، وكذلك عندما يتذكر الطالب الألم والمرارة التي تترتب على الإخفاق أو على الرسوب والفشل والإحراج الذي يجده الإنسان أمام نفسه، وأمام أهله وأمام المجتمع لاشك أن ذلك يدعوه بإذن الله سبحانه وتعالى إلى استثمار كافة قدراته للبذل والعطاء وسيدفعه إلى العمل والإنجاز.

6- استثمار الطاقات الإنسانية الكامنة: فكل منا لديه طاقات كامنة عظيمة وكبيرة، ولكن بعضنا لا يحسن استغلالها، فعلى الطالب أن يستثمر هذه الطاقات في الإنجاز والعطاء وحتى يتفوق في دراسته.

7- نظم وقتك: فعلى الطالب أن  يقوم بتنظيم وقته، و توزيع المواد على الأيام المتبقية قبل الاختبارات، ثم كل مادة يقسم المنهج على عدد ساعات المذاكرة، ولا يقف كثيراً عند أجزاء يسيرة، وإنما يمر عليها مروراً سريعاً، وبالذات في هذه الأيام قبل الاختبارات بعدة أيام، بحيث لا تأتي الاختبارات إلا وقد مر على معظم المنهج، فتعتبر مذاكرة أيام الاختبارات، إنما هي كالإعادة والتكرار فقط.

8- الاسترخاء والتخيل والايجابي: والاسترخاء عبارة عن جلسة يحفها الهدوء، بحيث يجلس الطالب في مكان هادئ لا توجد فيه منغصات، ولا يوجد فيه مزعجات ولا مشوشات، ثم يبدأ بإغماض عينيه والاستلقاء على السرير بالطريقة التي تريحه، ويبدأ يأخذ نفسا عميقا وبطيئا ويخرج النفس بعمق وببطء أيضا، يكرر هذه العملية التنفسية 20 مرة، ويشعر نفسه بالهدوء والراحة والاسترخاء أثناء التنفس، ثم بعد ذلك يبدأ بتخيل نفسه في قاعة الاختبارات، ولكن بصورة إيجابية وبمشاعر إيجابية ليتخيل نفسه في قمة الفرح وهو  يجيب على أسئلة تلك المادة.

تكرار مثل هذه الصورة الإيجابية عن قاعة الاختبارات لاشك في أنه سيخلق في العقل الباطن صورة إيجابية مكتوبة بالمشاعر الجميلة، مما يخفف على الطالب التوتر والقلق، وأنا أنصح كل طالب أن يكرر هذا التمرين بصورة يومية مرة أو مرتين يومياً إلى أن تنتهي الاختبارات.

9- الغذاء: فهناك بعض النوعيات المعينة من المأكولات والمشروبات تساعد في تنشيط الدماغ والقدرات الذهنية ويوصى الطلاب بالأغذية التالية:
*  كثرة شرب الماء: فهناك بعض الأبحاث التي تقترح أن الطالب، وأن الإنسان عموماً يحتاج من 8 إلى 12 كأس يومياً من الماء.
* الخضروات الورقية.
* السمك وخاصة سمك السلمون.
* الفواكه الطازجة.
* الجلوكوز فهو يعطي طاقة أكبر للدماغ.


10- الدواء: إذا بذل الطالب جميع هذه الأساليب والأسباب السابقة، ولكنه لم يستطع أن يتحكم في قلقه،  فعلية مراجعة أقرب عيادة نفسية، ليقدم له الطبيب النفسي الدواء اليسير الذي يهدي القلق، ويساعده في التركيز؛ حتى لا يخسر الطالب هذه الأيام ويخسر النجاح في الاختبارات، بسبب هذا القلق. وهناك أدوية مؤقتة ومخفضة سريعة للقلق، يستخدمها الأطباء في فترات محددة مع التوتر الشديد الذي يصاحب الاختبارات، وإذا مر الطالب في الاختبارات بهدوء وبدون منغصات؛ فإنه يمكن إيقاف هذه الأدوية بعد انتهاء الاختبارات.

مع دعواتي بالتوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة.

JoomShaper